المصدر: النهار العربي راغب ملّي
شهر تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، مخصّص للتذكير بمرض سرطان الثدي، تُعقد فيه الحملات والورش التعليمية والتثقيفية والمحاضرات والندوات، وذلك بهدف رفع وتيرة الوعي لدى النساء بشكل عام، ولدى المصابات بسرطان الثدي بشكل خاص. وقد تغيب عن أذهان الكثيرين علاقة التغيّر المناخي وآثارها على الإصابة بمرض السرطان. ترتبط الصحة والمناخ ارتباطًا وثيقًا، واليوم أصبحت صحة المليارات من الناس مُعرّضة للخطر بسبب أزمة المناخ العالمية. هناك آثار مباشرة لتغيّر المناخ على الصحة، ناجمة عن زيادة الإجهاد الحراري، والفيضانات، والجفاف، وزيادة العواصف القوية، وهناك أيضًا آثار غير مباشرة على صحة السكان، تتمثل في التغيّرات المعاكسة في تلوث الهواء، وانتشار ناقلات الأمراض المعدية، وانعدام الأمن الغذائي، ونقص التغذية، والصحة العقلية والنفسية. وحول هذه العلاقة بين التغيّر المناخي وصحة الإنسان يقول د. أشرف عوض، اختصاصي طب الأورام في المركز الوطني لعلاج السرطان، لـ “النهار العربي”، إنّ “ما يشهده العالم اليوم من تغيّرات مناخية يرجع بدرجة كبيرة إلى زيادة الانبعاثات الكربونية، الناتجة من الأنشطة الصناعية المعتمدة بشكل كبير على الطاقة الناتجة من المحروقات. هذه الأنشطة تؤثر على البشر بقدر تأثيرها على المناخ. وهذا النوع من النشاط تصاحبه عمليات تلوث بيئي واسع ناتج من مخلّفات العمليات الصناعية غير المراعية لشروط السلامة البيئية، وكذلك التخلّص السيئ من المخلّفات الصناعية، ما يجعل البشر عرضةً للتأثيرات الخطيرة للمخلّفات والملوثات”. إذن، لا يؤدي تغيّر المناخ إلى تقويض صحة كوكبنا فحسب، بل صحة الإنسان في كل مكان. وذلك من خلال العديد من القنوات، كتلك التي ذُكرت أعلاه، ومن المتوقع أن يساهم في زيادة التعرّض للأمراض المعدية أو تلك السريعة الانتشار. ويُقدّر الباحثون أيضًا زيادة معدلات الإصابة بالأمراض غير المعدية، وبخاصة أمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الجهاز التنفسي، والسرطان، وزيادة انتشار وظهور الأمراض المعدية الاستوائية. وحذّرت منظمة الصحة العالمية في وقت سابق هذا العام، من أنّ حمى الضنك وأمراضًا أخرى تسببها فيروسات ينقلها البعوض، تنتشر بشكل أسرع وأوسع نطاقًا، بسبب التغيّر المناخي، مبدية الخشية من تفشّي المرض على مستوى العالم. وقد أرجع جيريمي فارار، اختصاصي الأمراض المعدية هذا التهديد، إلى ارتفاع درجات الحرارة الذي سيخلق ظروفًا ملائمة لانتشار حمى الضنك، داعيًا دولًا مثل جنوب الولايات المتحدة وجنوب أوروبا ومناطق جديدة من إفريقيا، إلى “الاستعداد”. من المحتمل أن يؤثر واقع انتشار الأمراض على الأفراد الضعفاء سريريًا الذين يعانون من أمراض مصاحبة موجودة مسبقًا، أو مجموعات مثل كبار السن وذوي الإعاقة أكثر من غيرهم. ومن جانب آخر قد يؤدي تزايد شيخوخة السكان إلى ارتفاع معدلات الوفيات. إنّ مدى تعرّض الفرد المباشر لعوامل الخطر وإمكان الوصول إلى أدوات التخفيف، سيحدّدان أيضًا المخاطر الإجمالية التي يتعرّض لها. في أيلول (سبتمبر) من العام 2021، نشرت مجلة “نيو إنغلاند” الطبية وأكثر من 200 مطبوعة أخرى تتعلّق بالرعاية الصحية، مقالات افتتاحية مشتركة في وقت واحد، لتنبيه المجتمع الطبي الأوسع إلى التأثيرات “الكارثية” على الصحة العامة والبيئة لتغيّر المناخ. في الولايات المتحدة مثلاً، ستُصاب واحدة من كل ثماني نساء بسرطان الثدي في وقت ما من حياتها، وبالمعدلات الحالية، تشير التقديرات إلى أنّه ستكون هناك 1,958,310 حالة سرطان جديدة هذا العام وحده. وتكشف البيانات الجديدة أيضًا، أنّ الإصابة بالسرطان أصبحت أكثر شيوعًا، وأنّها في ارتفاع كبير، بخاصة بين الشباب، منذ التسعينات.في حين أنّ علم الوراثة غالبًا ما يُستخدم كبديل في الخطاب العام (عائلتي ليس لديها تاريخ مع السرطان)، فإنّ 90 إلى 95 في المئة من جميع حالات السرطان تُعزى إلى العوامل البيئية ونمط الحياة. تشير الأدلة المتزايدة أيضًا إلى أنّه من بين أكثر من 80 ألف مادة كيماوية من صنع الإنسان مسجّلة للاستخدام وموجودة في بيئتنا اليومية، يحتوي عدد متزايد منها على سموم يمكن أن تؤدي إلى تغييرات على المستوى الخليوي، تجعل الخلايا تصبح سرطانية. وبحسب الدكتور عوض، “كثير من المواد الصناعية عُرف عنها أثرها المسبب للسرطان عن طريق تسبّبها في ضرر مباشر في الحمض النووي بحدوث طفرات تؤدي الى النمو السرطاني للخلايا. والخطورة أكثر تكمن في وصول هذه المواد المسرطنة إلى البشر عن طريق ما يستخدمونه من مأكولات ومستحضرات ومنظفات، وتوجد هذه المواد في بيئة العمل أو المعيشة، مثل الأسبستوس، وبعض الديوكسينات والأفلاتوكسين وأيضًا التبغ. وكذلك توجد تأثيرات مسرطنة للأشعة بمصادرها المختلفة. هذا كله يجعل ما يشهده العالم اليوم من تلوث بيئي مصدر خطر وعاملًا مهمًّا في ارتفاع معدلات الإصابة بالأورام السرطانية”.