زوايا
أحمد سعداوي
حشد كبير من العراقيين في مظاهرة في بغداد داعمة لفلسطين وغزّة (13/10/2023/فرانس برس)+الخط–
في حالةٍ غير مسبوقةٍ منذ سنوات، اتّحدت كلّ الأطياف العراقية، من يمين ويسار، تيارات سياسية ومثقفين وناشطين مدنيين وغيرهم، على موقفٍ واحدٍ تجاه ما يجري من أحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلّة وما تقوم به إسرائيل من قصفٍ وحشيٍّ يتم عرضه على الشاشات على مدار الوقت.
لم يتأخّر أي سياسي عراقي من إعلان موقفه الداعم حقوق الشعب الفلسطيني، وما زالت تحديثات مواقع التواصل الاجتماعي في العراق تحمل مزيدا من المنشورات التي تنقل الأحداث أو تعلّق عليها، بما جعل محنة قطاع غزّة الموضوع الأبرز عراقياً، وتراجع أي شأنٍ محلّي دونه.
ولكن، تحت سطح هذا الموقف الموحّد تفاصيل عديدة، تحدّد طبيعة “الاستعمال” السياسي أو الأيديولوجي لهذا الطرف أو ذاك. على سبيل المثال، اتحد ناشطون مدنيون كثيرون مع مظلومية الشعب الفلسطيني، وتضامنوا مع حقّه في المقاومة والدفاع عن نفسه تجاه الاحتلال الإسرائيلي، ولكنهم بهتوا، في اليومين الماضيين، من استئناف مليشيات عراقية إطلاق الصواريخ على المصالح الأميركية، ومنها معسكر عين الأسد، غربي العراق، وقاعدة حرير، جنوبي مدينة أربيل. وجاءت هذه العمليات بتوقيع فصيلٍ مسلّحٍ تحت عنوان “عمليات دعم طوفان الأقصى”. وهنا لن يستطيع الناشط المدني، الذي واجه المليشيات وعنفها، أن يتصالح مع صواريخها، التي تعمل خارج إطار الدولة، حتى وإن كانت موجّهة لمصلحة قضية عادلة، حسب ما تدّعي هذه المليشيات.
غرّد السيد مقتدى الصدر داعياً الى توجّه المتطوعين إلى الحدود العراقية الأردنية دعماً للفلسطينيين الذين يواجهون العدوان الإسرائيلي. وبعد يوم، غرّد عراقيون ساخرين من أن الذين توجّهوا إلى الحدود كانوا خليطاً من الصدريين و”الولائيين”. ويبدو من ذلك أن الصدر تصالح مع الولائيين الذين استولوا على مقاعده البرلمانية قبل عام، وكان يخوض معهم صراعاً مريراً باعتباره فائزاً أول في الانتخابات.
بعد أقلّ من يوم، غرّد حساب مقرّب من الصدر يتبرّأ ممن ذهبوا مع الولائيين إلى الحدود، وأن الصدر لم يعلن موعد التوجّه الى الحدود بعد، وكأنه بذلك يصحّح “التوهّم” الذي حصل عند المتابعين، وإنه ما زال على مواقعه السابقة وخصامه مع الولائيين.
كان الموضوع بشكل عام مناسبة لعودة الصدر إلى الأجواء، وإطلاق عدّة تغريداتٍ داعمةٍ للقضية الفلسطينية، وخرج ببث تلفزيوني، ووجّه رسائل إلى المجتمع الدولي، ونصائح إلى مؤيدي القضية الفلسطينية في المنطقة. وربما توقّع متابعون أن الأحداث الجارية فرصة لعودة الصدر إلى الساحة السياسية.
على جانب آخر، سخر ناشطون مدنيون من حماسة الطبقة السياسية العراقية لتحرير الأرض الفلسطينية ودعم عمليات المقاومة، وأن الحقّ باستعادة الأرض مشروع ومقدّس، بينما هذه الطبقة السياسية غير مهتمة بإعادة أراضي النازحين والمهجّرين داخل العراق نفسه. فبعد سنوات من انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، ما زال آلاف المهجّرين من مناطق جرف الصخر في محافظة بابل، وقرى وبلدات عدّة في محافظة صلاح الدين، غير قادرين على العودة إلى بيوتهم، بسبب وضع المليشيات أيديها على هذه المناطق، ورفضها عودة الأهالي إلى أملاكهم، بل أن جرف الصخر صارت أصلاً منطقةً مظلمة، فلا توجد أي معلوماتٍ عن النشاطات الجارية فيها، ولا يستطيع أي موظفٍ في الدولة العراقية، مهما بلغ منصبُه، أن يدخل إليها، من دون إذنٍ من المليشيات. وسخر بعضهم أيضاً من استعراضات المليشيات وتظاهراتها، وهي التي تدّعي المقاومة، وطالبوها بدل هذه المظاهر “الإعلامية” بأن تتجّه فعلاً إلى ساحات المعارك، فهذا هو وقتها.
وعلى الرغم من أن أهالي غزّة المنكوبين لا يعرفون مجريات الأحداث داخل العراق وكيف يتحدّثون عنهم، ولا كيف “يستعملون” مأساتهم في صراعاتهم الداخلية، فهذا ليس مهماً عند بعض الناشطين على مواقع التواصل العراقية، فكثرت المزايدات على الموقف الإنساني والعروبي والإسلامي، واستعملت القضية للتسقيط، وتوجيه رسائل مبطّنة من هذا الطرف إلى ذاك، فكأن البوصلة تتوجّه هنا من الإشارة إلى غزّة لتنحرف باتجاه تغذية الصراعات داخل العراق.