تفريغ قطاع غزة أم الصدام مع القاهرة؟

1

 المصدر: النهار العربي عمرو فاروق

شاحنات وأعلام مصرية على معبر رفح. (أ ف ب)

شاحنات وأعلام مصرية على معبر رفح. (أ ف ب)

التطرّف في ردّ الفعل من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي على عملية “طوفان الأقصى”، من الإبادة التامّة لمواطني قطاع غزة، وتدمير بنيته الحيوية، وحصول تل أبيب على التعزيزات الأمنية والعسكرية والدعم الأميركي والغربي، يُنذر بتمرير ترتيبات سياسية وعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، أعمق من الصراع مع حركة “حماس”، في ظلّ استفزاز وكلاء إيران، فضلاً عن محاولات الزجّ بالقاهرة في دائرة الاشتباك، عن طريق مناوشات وصفتها بأنّها تمّت عن طريق “الخطأ”. تطوي دفاتر جنرالات وخبراء جيش الاحتلال الإسرائيلي بين سطورها خبايا مشاريع الدولة العبرية المغتصبة، واستشراف مواقفها المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط، ومع دول الجوار، لاسيما القاهرة التي تُعدّ ركناً أصيلاً في ضبط معادلة الحوار مع فصائل المقاومة الفلسطينية، في إطار الحفاظ على عمق أمنها القومي على الحدود الشرقية وداخل سيناء.  رغم التفاهم المتبادل في إطار عملية “السلام البارد” بين القاهرة وتل أبيب، لم تتورع أوراق الساسة والعسكريين الإسرائيليين من التبشير بمعركة عسكرية متوقعة بينهما، طمعاً في إعادة سيناء إلى حاضنة الكيان الإسرائيلي، عبر مجموعة من السيناريوهات التي تسقط معها الدولة المصرية، وتطمس عار هزيمة جيش الاحتلال في معركة تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973. تستهدف تل أبيب، تحت عباءة مشروع “الوطن البديل”، وتوطين الفلسطينيين في سيناء، إعادة تموضع الجماعات والتنظيمات المسلّحة، وفصائل المقاومة في العمق السيناوي، ومن ثم أحقيتها في الانتزاع الجغرافي والسياسي لسيناء، زعماً بتحوّلها إلى بؤرة تهدّد أمنها الداخلي، ما يمنحها حتمية التدخّل الفوري. يواكب ذلك نقل الصراع من الداخل السيناوي إلى العمق القاهري، في إطار تشتيت الجهود الأمنية والعسكرية، وإرباك المشهد السياسي، ما يمنح إسرائيل فرصة اقتناص التفوّق العسكري في إطار المعركة المسلّحة المرتقبة التي بشّر بها جنرالاتها وخبرائها الاستراتيجيون، بما يتقاطع مع المشاريع التقسيمية التي وُضعت من قِبل مستشاري الأمن القومي الأميركي، لتفكيك أوصال الدولة المصرية وإدخالها في فخ الحرب الأهلية، اتساقاً مع ما تمّ في اليمن وسوريا والعراق وليبيا والسودان (مشروع برنارد لويس)، تمهيداً للانتقال إلى دول الخليج العربي. في كتاب “الحرب المقبلة بين مصر وإسرائيل”، المستخلص من رسالة الدكتوراه “الاستراتيجية القومية والمبدأ العسكري لإسرائيل”عام 2012، يعتقد الباحث والخبير الاستراتيجي الإسرائيلي إيهود إيلام، الذي قدّم عدداً من الأبحاث لصالح وزارة الدفاع الإسرائيلية، بعدما قضى سنوات عدة في فرقة الأسلحة المضادة للطائرات في الجيش الإسرائيلي، أنّ ثمة عوامل حيوية تدفع لمعركة عسكرية مرتقبة بين القاهرة وتل أبيب، في إطار سيناريوات عدة سياسية وأمنية. يرى إيهود إيلام، الذي عمل كذلك ممثلاً لمجلة وزارة الدفاع الإسرائيلية في الولايات المتحدة الأميركية، أنّ من هذه العوامل توطين التنظيمات المسلّحة في سيناء، بما يدفع إسرائيل إلى حتمية التدخّل الفوري في العمق السيناوي تحت غطاء الشرعية الدولية لمكافحة الإرهاب، فضلاً عن قلق تل أبيب من التسليح المصري، ما يدفعها لـ”حرب استباقيه”، بينما دار السيناريو الأهم حول توظيف حركة “حماس” في إشعال المواجهة بين تل أبيب وطهران وأذرعها في الشرق الأوسط، تمهيداً لحرب إقليمية كبرى، تدفع بالقاهرة للدخول في معركة مسلّحة مع إسرائيل حفاظاً على أمنها القومي. يقول المحلّل الإسرائيلي في مواضع عدة من كتابه: “إنّ أحد سيناريوهات الحرب المقبلة بين مصر وإسرائيل يبدأ من قطاع غزة. صحيح أنّ حركة “حماس”، التي تسيطر على القطاع حالياً، لا تريد أن تدخل في مواجهة مع إسرائيل بشكل يُفقدها سيطرتها على القطاع، إلاّ أنّ هذا لا يمنع أنّ بعض العناصر المتشدّدة في الحركة، أو من خارجها، يمكن أن تدفعها للصدام مع إسرائيل، بما يدفع إسرائيل للردّ بإطلاق عملية عسكرية في القطاع تؤدي لإعادة احتلاله بالكامل”. يتابع المحلّل الإسرائيلي في دراسته العسكرية: “سترغب القاهرة في أن تظلّ بمنأى عمّا يحدث، سعياً لتجنّب أي احتكاك خطير مع إسرائيل، إلاّ أنّ القادة المصريين سوف يجدون أنّه من الصعب أن يقفوا ساكنين في وقت تدمّر إسرائيل الفلسطينيين، بخاصة في حالة وقوع خسائر بشرية جسيمة بين المدنيين الفلسطينيين، وهو ما سيحدث غالباً، في هذه الحالة لو شعر المصريون أنّ هناك مذابح بشعة تُرتكب ضدّ الفلسطينيين في غزة، فسيندفعون إلى الشوارع في تظاهرات حاشدة كتلك التي شهدها ميدان التحرير من قبل، وحتى قطاعات المصريين التي ترفض أو تعارض “حماس”، لن تجد مفراً من الوقوف إلى جانب الفلسطينيين وهم يتعرّضون لتلك الاعتداءات الإسرائيلية، بل وربما يدفع ضغط الرأي العام العربي على صنّاع القرار المصري، إلى وقف إسرائيل بالقوة من خلال الدفع بقوات عسكرية إلى شمال سيناء. والواقع أنّ هناك عوامل خارجية يمكن أن تُسهم بنشاط في إشعال هذه الحرب، لمصلحة أطراف إقليمية أخرى، لو لم يكن الضغط الداخلي على القيادة المصرية كافياً”. في إطار مشروعه العسكري يقول إيهود إيلام: “ولو لم يكن ضغط الرأي العام كافياً لتحريك مصر ضدّ إسرائيل، فمن الممكن حينها استغلال إيران في توريط “حماس” في حرب ضدّ إسرائيل، والدفع بالقاهرة للدخول فى معترك هذه المواجهة، إذ ترى طهران أنّ كلاً من القاهرة وتل أبيب، تمثلان تهديداً مباشراً وعائقاً في سبيل تحقيق طموحاتها النووية والهيمنة على المنطقة كلها”. تمتلك القيادة السياسية والعسكرية المصرية قراءة استباقية لمخرجات المشهد المرتبك بقيادة تل أبيب وواشنطن، في تعزيز وجودهما العسكري في شرق المتوسط، وأهدافهما بالتأثير في الأنظمة السياسية، بما يضمن استقرار وبقاء الدولة العبرية. ومن ثم فإنّها لن تتردّد في الدخول في أية معركة عسكرية تحافظ خلالها على أمنها القومي الذي تعتبره خطاً أحمرَ لا يمكن المساس به، أو انتزاع جزء من جغرافيتها وسيادتها، ممتلكة توقيت قرارها، مشفوعاً بثقة وتفويض شعبي واسع، يمنحها صلاحيات المواجهة مهما تخطّت التكلفة المادية والبشرية. *كاتب مصري، وباحث في شؤون الجماعات الإرهابية

التعليقات معطلة.