المصدر: النهار العربي
محمد حسين أبو الحسن
المكتب البيضوي في البيت الأبيض.
في أخطر واقعة في تاريخ أميركا؛ قررت إسرائيل أن تضع “عميلاً” لها على مقعد الرئاسة في البيت الأبيض؛ حسبما أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي، خلال اجتماع بالغ السرية مع أربعة مسؤولين، لتنفيذ المهمة الاستخباراتية، تحت اسم كودي “العملية هيبرون”، ونوّه بأن “نجاح العملية سوف يغيّر على نحو جذري قدرتنا على السيطرة على السياسة الأميركية، عندها لن نوقع اتفاقيات مثل كامب ديفيد أو أوسلو؛ بل سنفعل ما نريده، ولما يرفع دكتاتور عربي رأسه القبيح، سوف نُزيله من على الخريطة، أو بالأحرى سوف نحمل رئيس الولايات المتحدة على بتره لحسابنا”. هذا هو الخيط الأساسي الذي بنيت عليه رواية “العملية هيبرون”، والتي يبدو أننا نعيش أحداثها واقعياً؛ وأن عملاء إسرائيل ربما يكونون موجودين في سدة الحكم في واشنطن أو عواصم أخرى!
خيال ملتبس بالحقيقةالرواية خيال ملتبس بالحقيقة أو حقيقة ملتبسة بالخيال، مؤلفها هو أريك جوردان ضابط المخابرات الأميركية العتيد الذي عمل، كما يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل، سنوات طويلة في الشرق الأوسط وأوروبا من الخمسينيات إلى الثمانينيات، ثم أصبح مستشاراً للرئيس الأميركي رونالد ريغان لشؤون الإرهاب، ثم صار رجل أعمال بارزاً، ويبدو أنه لجأ إلى السرد الروائي؛ ليتجنب المحظور، فيصوغ الواقع خيالاً، دون أن يخضع للاتهام بإفشاء أسرار استراتيجية أو تهديد مصالح البلاد والحلفاء. وتدور أحداث الرواية في تسعينيات القرن الماضي، متنقلة بين إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. كان الأستاذ هيكل أول من لفت الانتباه – عربياً – إلى رواية “العملية هيبرون”، عندما قدم عرضاً شيقاً لها، في مجلة “وجهات نظر” في حزيران (يونيو) 2001، ثم صدرت ترجمتها العربية عن “دار الهلال” في مصر. و”هيبرون” تعني “الخليل” بالعبرية، والمقصود مدينة الخليل الفلسطينية، و”هيبرون” في الرواية هو الإسم الرمزي للعميل الأميركي المرشح لرئاسة أميركا؛ فهو المسيح المنتظر لإسرائيل الذي تعلق عليه آمالاً كبيرة، وتنفق عليه ملايين الدولارات من أموال المعونة الأميركية أو تبرعات العرب لإنجاح حملته الانتخابية؛ وبالتالي يكون لها السيطرة ـ وليس التأثير ـ على صناعة القرار الأميركي، إذ وقع اختيار “تيرون” مسؤول المخابرات الإسرائيلية في واشنطن على سيناتور في مجلس الشيوخ الأميركي “يتعاون مع إسرائيل سراً ويزودها بأهم المعلومات السرية؛ لخوض الانتخابات الرئاسية وتجنيد كل الإمكانيات لتمكينه من الفوز”. يصر “تيرون” على عدم البوح باسم السيناتور المختار لأي شخص بمن فيهم رئيس وزراء إسرائيل نفسه؛ ضماناً للسرية، مع الاكتفاء بإطلاق لقب “هيبرون” عليه.
وخلال اجتماع شديد السرية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وثلاثة من كبار المسؤولين، يبرر تيرون أسباب الإقدام على زرع عميل في أهم مكتب على سطح الأرض، أي المكتب البيضويّ، قائلاً إنه على الرغم من النفوذ الكبير الذي تتمتع به إسرائيل في الولايات المتحدة، فإن “أحداً لا يستطيع أن يضمن أن الأميركان، في ظل ظروف مستجدة، لن يلحوا علينا أحياناً في أن نتجاوب مع المطالب الفلسطينية ولو بطريقة تجميلية، متصورين أحياناً أخرى أن هناك سلاماً ممكناً في المنطقة، ولا يريدونا أن نتصرف في المنطقة العربية بالشكل الذي نراه نحن، كما أنهم لا يريدون أن نقيم أية علاقة لا يعرفون بها مع أوروبا أو روسيا والصين”؛ لذلك “تريد إسرائيل رئيساً أميركياً يأتمر بأمرها وينفذ كل أوامرها”.
أجواء غامضةوبالفعل توافق القيادة الإسرائيلية على الخطة، فيبدأ تيرون التحرك بسرية للتنفيذ، خاصة أن الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأبواب. وهناك أربعة مرشحين، اثنان من الحزب الجمهوري وواحد من الحزب الديموقراطي وواحد مستقل. كان الرئيس الأميركي “دوغلاس” الذي أوشكت رئاسته على الانتهاء، يدعم نائبه “هيز” في الظاهر، لكنه يمقته في الحقيقة لأنه يعتبره شخصية ضعيفة وغير قادر على مقاومة الضغوط الإسرائيلية؛ لذلك يدعم مرشحاً جمهورياً آخر، هو السيناتور “جونسون”؛ لشخصيته القوية ومواقفه غير المنحازة لإسرائيل؛ فهو أميركي مخلص لوطنه، بينما المرشح الديموقراطي السيناتور “ويستليك”، مؤيد لإسرائيل بشكل جارف. ووسط أجواء بوليسية غامضة ومثيرة وغير متوقعة، بدأ تيرون أول خطوة في الإعداد للحملة الانتخابية الأميركية بالتخلص من السفير الأميركي في بروكسل، سورنسون، خبير الحملات الانتخابية وصديق الرئيس دوغلاس الذي أوصله للرئاسة؛ لأن سورنسون لا يبدي ولاء كافياً لإسرائيل وله اتصالات مع العرب. يستغل تيرون ولع سورنسون بالنساء، فيجند فاتنة صربية (قاتلة مأجورة) لقتله خلال ممارسته الجنس، وجرت ترتيبات بحيث تظن الفتاة بأن المخابرات الإيرانية وليس الموساد، هي التي جندتها، فتقوم بقتل سورنسون، لكنها لم تحصل على أجرها المتفق عليه. فتشتد نقمتها وتبدأ بالعمل لمعرفة الجهة التي جندتها، فتجد الإجابة لدى الجنرال يوري مدير مكتب الاستخبارات الروسية في واشنطن، والذي يخبرها بأن مسؤول الموساد تيرون هو الذي جندها سراً؛ بحيث يُتهم الإيرانيون أو العراقيون أو الليبيون في الأمر. في غضون ذلك يعمل الرئيس الأميركي دوغلاس على توفير أقصى دعم لمرشحه المفضل السيناتور جونسون، وخصوصاً من أموال العرب، بينما يبلغ الجنرال يوري مسؤول المخابرات الروسية نبأ “العملية هيبرون” إلى الرئيس الروسي بوبوف الذي يغضب بشدة؛ “لأن وصول عميل إسرائيلي لرئاسة أميركا أشد خطراً على روسيا منه على العرب”. يقرر بوبوف اطلاع الرئيس الأميركي دوغلاس على الأمر، خاصة أن روسيا في حاجة ماسة للدعم الاقتصادي والسياسي الأميركي… يصعق الرئيس الأميركي بالمعلومات، ويقول: “أهذا معقول؟ هل تستطيع إسرائيل التفكير في عمل كهذا، وهي تعرف مخاطر انكشافه؟ أظن أن الروس مخطئون، أو أنهم يلعبون على ما نعرفه عن قرب السيناتور الديموقراطي ويستليك من اللوبي الإسرائيلي”. ثم يفتح مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف.بي.أي” تحقيقاً بالأمر بسرية مطلقة. أحداث غزة!تتصاعد الأحداث المثيرة على امتداد الرواية، وعشية الانتخابات يعلن السيناتور ويستليك أن أول قرار سيوقعه فور وصوله البيت الابيض هو إشراك إسرائيل في صناعة الطائرة “ف- 22” المقاتلة الأحدث عالمياً. ثم تظهر النتائج ليسقط ويستليك ويفوز السيناتور جونسون، فيعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي اجتماعاً كارثياً، يندب فيه كل الجهود التي بذلت والأموال التي صرفت دون طائل، ويرتاح الرئيسان الروسي والأميركي والعرب. في هذا الوقت يتوجه تيرون (مدير الموساد)، للاجتماع مع العميل “هيبرون”، للتغطية على عدم انكشاف الأمر للأجهزة الأميركية، وبينما هما في الاجتماع، تقتحم الفتاة الصربية جاكي مكان الاجتماع، وتقتل تيرون ومعه هيبرون الذي تصادف وجوده، لنفاجأ بأن هيبرون، العميل الصهيوني الذي خطط له الموساد الإسرائيلي كي يعتلي رئاسة أميركا لم يكن سوى السيناتور جونسون مرشح الرئيس دوغلاس، والذي فاز في الانتخابات بالفعل، وكان مزروعاً منذ عشرين عاماً في دهاليز السياسة الأميركية، والذي يملك – للمفارقة – سجلاً طويلاً في عدم الانصياع لإرادة اللوبي الإسرائيلي ويعارض القرارات المؤيدة لإسرائيل في مجلس الشيوخ! نجحت “العملية هيبرون”، وكاد جونسون يتولى مقاليد البيت الأبيض؛ لتتمكن إسرائيل من فرض كل رغباتها وسياساتها عالمياً، لاسيما تجاه الشرق الأوسط، لولا وجود جونسون في المكان والزمان الخاطئين. ولئن كانت الرواية عملاً فنياً فإن خبرات مؤلفها إريك جوردان وتاريخه الاستخباراتي تجعل منها قطعة من الواقع، ربما باتت “حقيقة” في زمن تال أو حتى في عواصم أخرى أقل أهمية من واشنطن؛ إذ تكشف الرواية أن الطبقة الحاكمة الإسرائيلية لا تكتفي بتأثير الجاليات اليهودية على الرأي العام الأميركي، أو بدور اللوبي الصهيوني في الإعلام والاقتصاد، أو بنفوذ عملائهم في الكونغرس، بل يريدون السيطرة ـ وليس التأثير ـ على صناعة القرار الأميركي؛ من خلال “رئيس” يتماشى مع رغباتهم بكل طاعة. تمثل الرواية إدانة للحكومات الإسرائيلية والنفوذ الصهيوني، في عواصم الغرب عموماً وواشنطن خصوصاً، وتبرز إشارات صريحة مفادها أن الإرهاب العالمي ينطلق من جهاز الموساد الإسرائيلي، الذي يُلقي بخيوطه العنكبوتية على كل دول العالم، وتعلن عن الاستياء الأميركي من إسرائيل، لأسباب منها: مبيعاتها للتكنولوجيا المتطورة للصين وروسيا؛ ما يهدد التفوق الأميركي، أيضاً تجميد عملية السلام والعبث بالفلسطينيين والعرب الذين يبدون ككرة يتقاذفها اللاعبون الكبار وإسرائيل طوال الوقت، لهذا يقدم إريك جوردان نصيحة غير مباشرة لإسرائيل، بعد انتكاسة “العملية هيبرون” بمقتل جونسون، فيقول على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي: “هذه المكائد والدسائس الخطيرة الجنونية ليست هي السبيل لحماية إسرائيل. يجب السعي بإخلاص في عملية السلام”.
وعلى رغم أن الخيال والواقع يتقاطعان أحياناً فإن أحداث الواقع الراهن في قطاع غزة، تقول إن “العملية هيبرون” قد حالفها النجاح، في واشنطن وعواصم كثيرة؛ يكفي أن تنظر إلى الدعم الأميركي – الأوروبي الكاسح لإسرائيل وجرائمها ضد الإنسانية في فلسطين وغيرها، فليس هناك “هيبرون واحد”، بل أكثر من “هيبرون”!