حجي مراد
في أول خطبة قالها رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في المدينة قال في مطلعها أفشوا السلام .
نعم ،،، قالها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، أفشوا السلام لأن السلام بمفهوم الأسلام هو الحياة ، فالسلام هو الرجاء والأمل وفيه تزدهر الحياة وتُبنى الأمم ، وفي السلام يعم الخير ويعم في الأرض الأزدهار ، فالمسلم يحب الحياة إذا ما أستطاع أليها سبيلا ، وما من حياة إلا بسلام ، فهذا هو الأسلام وهذا ما أوصى به رسول الله ونبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
لكن ،،، في المقابل فأن الولايات المتحدة ودول الغرب عموماً حين ينظرون الى خارطة العالم ، فأنهم لا ينظرون أبدا الى خارطة توزيع البشرية عليها ، بل ينظرون دائماً الى خارطة توزيع الثروات والمصادر الطبيعية الموجودة على الأرض ، فالثروة هي ما تهمهم دائماً وأبداً ، وأذا نظروا يوماً الى خارطة توزيع البشر فذلك لأنهم في تلك النظرة ينظرون الى البشر بأنهم أدوات وليسوا بأرواح ، فالغرب لا يعرف التعايش بسلام وإنما يعرف السلام كما يريده أن يكون وبحدود خدمة مجتمعه فقط .
حسب رأي كيسنجر عميد الدبلوماسية الأمريكية أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة حل أي مشكلة في العالم ، ولكن من مصلحتها مسك الخيوط الرئيسية لأي مشكلة موجودة ، فالولايات المتحدة تتمسك بتلك الخيوط لكي تتمكن من تحريك المشكلة وأستخدامها متى شائت وكيف ما شأت .
فمن قول كيسنجر ندرك بأنه لا أمل في قيام الولايات المتحدة وحلفائها بأفشاء السلام في الارض ولا بحل القضية الفلسطينية ، حيث أن مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها من دول الغرب تكمن في مسك طرفي خيوط الصراع والتلاعب فيه كيف شاؤوا ومتى شاؤوا ذلك ، وما الناس وما أرواحهم ومشاعرهم في نظر مجرمي الولايات المتحدة وحلفائها إلا أدوات ذلك الصرع أو تلك القضية .
أنشد الشاعر والعلامة العراقي جميل صدقي الزهاوي (وقد ترى الناسَ للأصنامِ عابدةً …. من خسةِ الناس لا من رِفعةِ الصنمِ) ،،،
فما أشبه اليوم بالأمس ، فاليوم وفي تقرب البعض منا للولايات المتحدة والغرب عموماً وتوقع النفع منهم تقديساً حقيقياً لهم ، كما قُدست الأصنام وعُبدت في أيام الجاهلية ، فمن المؤكد أن تقديسنا للأصنام الجدد لم يكن لرفعت هذه الأصنام ولا لجلالها بل كان لخِسَت عقيدة المقدسين لهم وجهلهم بالحقيقة ، فاليوم يجب أن نعترف بالجهل عادَ في نفوس البعض منا وتجدد مع وجود من يقديس الولايات المتحدة ودول الغرب .
في الحقيقة نحتاج الى نرتقي ونتحرر من هذا الجهل ، ولكي نرتقي ونتحرر من هذا الجهل الذي يعم بلادنا نحتاج الى أن نرتقي ونتحرر من هذه المقدسات الباطلة واخرافات الذهنية الزائفة ، نحتاج الى صحوة ذهنية ومعرفية وعقائدية حقيقية وشاملة ، ونحتاج الى أعادة تقيم واقعنا وفهم النص الديني من جديد ، فنحن لا نحتاج الى صحوة ظاهرية في الملبس والمأكل وكما روج لنا وصُدِرَ ، بل نحاج الى صحوة حقيقية في كل شيء وأبتداء من نظرتنا الى الوقائع وفهمنا للدين ، فصنمنا اليوم هو الولايات المتحدة ودول الغرب وعلينا أن ندرك أن ترفعهم لم يكن في رفعتهم ولكن للنقص الذي فينا وعلينا السعي من أجل التخلص من ذلك النقص .
منذ قرابة الربع قرن تقريباً كتب داوود الشريان مقالته الشهيرة أولاد البسة ، وكانت هذه المقالة منذ ذلك الحين ولليوم مقالة مثيرة للجدل لما أحتوته من حقائق وتشبيهات مثيرة عن واقعنا العربي والإسلامي ، حيث أوضح الشريان في مقالته تلك أن هدفنا نحن العرب والمسلمين في الحياة هو أن نرتقي لنكون أولاد كلب ونتخلص من كوننا أولاد البسة ، عبارات هذه المقالة كانت مثيرة للجدل وللسخط أحياننا ولكنها كانت مقالة معبرة تمام التعبير عن واقع الأمة ، فقد شبه الشعوب العربية والمسلمة بالبسس التي يرضوا أن تضعهم أمهم في أي مكان مهما كان ذلك المكان حقيرأ فالمهم لديهم أن يكون ذلك المكان أمناً ولا شيء أخر مهم ، وهذا ما رسخته الولايات المتحدة ودول الغرب وعملائهم في أذهان شعوب المنطقة بعد دخولها للعراق وأحداث الربيع العربي ، إذ جعلت الولايات المتحدة ودول الغرب وحلفائهم من شعب العراق وباقي شعوب دول الربيع العربي أولاد بسس حقيقين لا هم لهم سوى الحصول على مكان أمن ولا يهمهم بمقابل ذلك أن يتم تجريدهم من أي شيء آخر ، فلسان حال هذه الشعوب يلهج بعبارة خذوا ما عندنا ودعونا نعيش بأمان ، وفي المقابل شبه الشريان في مقالته المثيرة شعوب الولايات المتحدة ودول الغرب بأولاد الكلب الذين لا يرضوا أن يضعهم الكلب إلا في مكان أمن ومناسب ومريح ، أذ لا يكتفي الكلب بالمكان الأمن فقط وأنما يسعى لأن يكون مكانه مريح ومناسب من كافة النواحي في الحياة ، فهذا حالنا اليوم وهذا حالهم ، فمن يرتضي ان يكون أبن البسة فعليه أن يقبل بكل حال .