مقالات

السّاموراي يصدمنا!

العنود المهيري

العنود المهيري

اجتماع أمس الجمعة في رام الله بين وزيرة الخارجية اليابانية يوكو كاميكاوا ونظيرها الفلسطيني رياض المالكي.  (أ ف ب)

لطالما صنّفنا اليابان كقصة نجاح يُعتدّ بها، فهي الدولة التي تعلمت من سقوطها المشين في الحرب العالمية الثانية لتخط صفحة جديدة لا تلوثها العدائية والدموية والطموحات الإمبريالية. إن “كوكب اليابان” – كما يحلو للمفتونين به تلقيبه – لم يتوقف عن الدوران بعد القنبلتين النوويتين، بل قرر أن يبني ويطوّر، ويمهد لمجتمع متحضر وراق ومحب للسلام. بل وصل الأمر ببعض اليابانيين – وإن لم يزيدوا على 29% – لأن يعتبروا أن تدمير أميركا لهيروشيما وناغازاكي كان شراً “مبرراً” ولا بد منه.  ولنستوعب قصة النجاح اليابانية، فإننا غالباً ما نقارنها بجارتها كوريا الشمالية. فخلال الحرب الكورية التي استمرت بين 1950 و1953، تعرّضت كوريا الشمالية بدورها إلى قصف أميركي عنيف بـ635 ألف طن من القنابل، منها 32 ألف طن من قنابل النابالم الحارقة، ليدخل البلد الآسيوي التاريخ كإحدى أشد الدول تعرضاً للقصف، ويفقد جرّاء ذلك 282 ألفاً من مواطنيه. إلا أنه على العكس من اليابان التي نفضت عنها غبار الهزيمة المذلة، ونهضت بتواضع واتزان، فإن كوريا الشمالية خرجت مشوّهة من صدامها بأميركا إلى الحد الذي أفقدها صوابها، فاتجهت إلى العزلة والأحقاد، وخنق شعبها، والسعي لامتلاك الأسلحة النووية، ولا تزال بعد 70 عاماً على الحرب مهووسة بالانتقام من “العام سام”، حتى أنها الثيمة المفضلة للمسلسلات الكرتونية للأطفال في البلاد! ظل “كوكب اليابان” ساطعاً لامعاً في مخيلة الكثير من المعجبين العرب، على الأقل حتى الـ17 من تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم. كانت روسيا قد قدّمت في مجلس الأمن مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة. وبينما صوتت الإمارات وروسيا والصين والغابون وموزمبيق لمصلحة القرار، ما كان من اليابان إلا الاصطفاف مع أميركا في التصويت ضده.  القنبلة/ الصدمة الأولى ثم تقدّم الأردن، بالنيابة عن المجموعة العربية، بمشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف الحرب على غزة، وبإرساء هدنة إنسانية فورية. ومجدداً، كان موقف أميركا هو معارضة القرار. وبينما لم تجارها اليابان، إلا أنها امتنعت عن التصويت في الوقت الذي أيّدت فيه 120 دولة حول العالم إنهاء المجازر في غزة. القنبلة/الصدمة الثانيةتساءل الشارع العربي – ربما متأثراً قليلاً بفيلم “أوبنهايمر” – كيف لبلد أُلقيت عليه قنبلتان قفزتا بدرجة حرارة سطح الأرض في هيروشيما وناغازاكي إلى 4000 درجة مئوية في غضون 3 ثوان – ولكم أن تتخيلوا ماذا فعل ذلك بالأجساد البشرية – أن يتخذ هذه المواقف السلبية من سياسة العقاب الجماعي في غزة؟ بأي دروس مزعومة خرجت اليابان من مواجهتها الخاسرة مع أميركا، فكّرنا؟ وهل قناعة بعض اليابانيين بأحقيتهم بالدك بالأسلحة النووية دليل على الحكمة والواقعية، أم على شيء مغاير تماماً؟  لنعد التفكير في اليابان كـ”قصة نجاح”، ولنراجع تصوراتنا السابقة عن هزيمتها في 1945، فمن قال إنها وضعتها بالضرورة على سكة السلام والإخاء؟

 المصدر: النهار العربي