أكرم القصاص
بعد أحداث السعودية والقبض على عدد من رجالات المال، خرجت صحيفة «نيويورك تايمز» أحد أكبر وأهم الصحف فى الولايات المتحدة والعالم ونشرت تقريرا فى منتصف نوفمبر أكدت فيه بكل ثقة «أن حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق انتقل إلى المملكة وأصبح مستشارا لولى عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان»، وأضافت أنه يشرف على تعذيب الأمراء ورجال الأعمال المقبوض عليهم فى الرياض، ونقلت الصحيفة الأهم عن مصادرها الأمريكية فى البنتاجون و«CIA» تصريحات ومعلومات وتحبيشات عميقة.
وطبعا طالما نيويورك تايمز نشرت ما علينا إلا أن نصدق، وهذا الخبر أعادت نشره صحف ومواقع، وأفردت له قنوات تركيا وقطر مساحات شاسعة للتحليل والتمحيص والتفصيص، وتعاملوا مع التقرير النيويوركى أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه، وبعد أسبوع من تقرير نيويورك تايمز نقلت مراسلة قناة «بى. بى. سى» ليز دوسيت، صورة أخرى خلت من التعذيب وسمح لها بالدخول إلى فندق ريتز كارلتون فى الرياض، حيث يُحتجز رجال الأعمال والأمراء المتهمون بقضايا فساد، نقلت أنهم يسمح لهم بمكالمات مع أسرهم.
خلا تقرير المراسلة من أى كلام عن تعذيب لكن جارديان أشارت لمفاوضات وصفقات بالتحقيقات مع المتهمين، وبالرغم من أن تقرير بى بى سى صنع شرخا فى تقرير نيويورك تايمز، لكن بعض كبار المحللين ونجوم التواصل بنوا تحليلاتهم على ما نشرته نيويورك تايمز، واعتبره كل محلل تأكيدا لمعلوماته أن العادلى غادر مصر للسعودية ليعمل مستشارا أمنيا، ولم يسأل أى من هؤلاء نفسه عن أهمية مستشار أمنى مثل العادلى خارج السلطة وبعيدا عن المعلومات من 7 سنوات، ثم إن أهمية المستشار تكون بعلاقاته ومعلوماته.
وبعد التحليلات اتضح أن العادلى لم يغادر مصر، وأنه كان مختفيا حسب رواية أجهزة الأمن، وأنه ظهر سواء قبض عليه أو سلم نفسه. ويفترض أن تخرج نيويورك تايمز بحجمها وتاريخها لتعتذر عن تقرير مفبرك وخال من أى معلومات.
بالعودة إلى تقرير نيويورك تايمز الذى أكد وجود حبيب العادلى بالسعودية، ومستشار أمنى، هو ليس أول تقرير يتضمن معلومات مفبركة من صحف ومنصات ترفع لواء المهنية والموضوعية، بينما نفس المنصات نشرت تقارير ومعلومات مفبركة، حول قضية ريجينى أو حوادث تتعلق بمصر. وفى قضية العادلى أعلنت السلطات أنه مطلوب وداخل مصر. لكن هناك من صدق نيويورك تايمز وبنى على فبركتها.
وقد يقول قائل إن نقص المعلومات هو سبب البلبلة، لكنه ليس مبررا لأن تتورط نيويورك تايمز فى نشر تقرير يكشف الواقع كذبه التام، ونحن ننبه بعض من يتعبدون فى محراب المترجمات، ويبنون عليها تحاليلهم، أن ينتبهوا إلى أن المنصات الكبرى، هى أيضا لها مصالحها، وأنها بقصد أو من دون تمارس الكذب، ولا تفكر فى الاعتذار أو التصحيح، خاصة وأن عددا كبيرا من خبرائنا ومحللينا العمقاء ونجوم المواقع والتواصل والفضائيات التركية، ينقلون عنها ويبنون تحليلاتهم العميقة على ماتنشره من فبركات.
وطبعا فإن بعض العمقاء ممن روجوا وحللوا بناء على تقرير نيويورك تايمز، تجاهلوا الظهور الدرامى للعادلى الذى ينسف تحليلاتهم، وليس لدى أى منهم استعداد للاعتراف بأنه كان «مغفلا»، وعليه أن يراجع الكثير من تحليلاته التى اعتمد فيها على فبركات تخلو من أى مهنية وبعضها أخبار مغسولة، يكشفها قليل من العقل والمنطق فى عصر المعلومات.