ستشكل نتائج هذين الصراعين بشكل كبير إرث الرئيس بايدن في خضم صراعه مع تعقيدات الدبلوماسية الدولية، وحل النزاعات، ودور الولايات المتحدة على المسرح العالمي
هناك “تاريخ طويل من إدراك الرؤساء الأميركيين لعدم امتلاكهم النفوذ الذي اعتقدوا أنهم يمتلكونه على إسرائيل” (رويترز)
بعد أكثر من أربعة أسابيع من الهجوم الذي نفذته حركة “حماس” ضد إسرائيل وما تبعه من عمليات عسكرية إسرائيلية انتقامية في غزة، وبعد 20 شهراً من الحرب في أوكرانيا، يجد الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه في مواجهة محدودية نفوذه تجاه صراعين دوليين تركا أثراً كبيراً على فترة رئاسته.
في الشأن الإسرائيلي، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أنه على مدى الأسبوعين الفائتين، ظلت إدارة بايدن تحث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على السماح بـ “هدنة إنسانية” في غزة وبذل جهود أكبر لتجنب سقوط ضحايا مدنيين، يحذوها الأمل بأن يكون للمساعدات العسكرية السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى إسرائيل والبالغة قيمتها 3.8 مليار دولار أميركي، الأثر الكافي على قرارات نتنياهو… لكن هذا لم يحدث ويؤكد الأخير مضيه في ما أسماه “الانتقام الأعظم” لما حدث في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
أما الوضع في أوكرانيا فيمكن القول إنه على الدرجة نفسها من التعقيد. وهو وضع لخصه القائد العسكري الأوكراني الأرفع فاليري زالوزني، بـ”الجمود” مع عدم قدرة طرفي الصراع على تحقيق تقدم كبير أو تحقيق أي نجاح في العمليات العسكرية.
ومبعث القلق هنا هو أن اعتراف الجنرال زالوزني الصريح بالجمود قد يؤدي إلى عواقب سلبية. فذلك قد يزيد من صعوبة إقناع الجمهوريين بدعم تمويل كبير للحرب في أوكرانيا وسيكونون أقل ميلاً إلى تخصيص موارد تجاه صراع إذا كانوا يعتقدون أنه وصل إلى طريق مسدود.
إضافة إلى ذلك، هناك خوف من أن يشجع استمرار هذا الجمود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التشبث بالوضع الراهن ومحاولة إطالته حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، على أمل أن يقوم دونالد ترمب حال انتخابه أو أي جمهوري آخر، بتخفيض أو سحب الدعم الأميركي لأوكرانيا.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، يجد الرئيس بايدن نفسه في موقف صعب بتعامله مع هذين الصراعين. فمن جهة تعتبر الولايات المتحدة الحليف الأقوى لإسرائيل ومن جهة أخرى هي أمل أوكرانيا الأكبر في البقاء دولة حرة ومستقلة، لذا فإن الإرث السياسي للرئيس الأميركي مرتبط بكيفية تصرف تلك الدول تجاه صراعاتها والطريقة التي ستنتهي بها. كما أنه، والرأي للصحيفة، يحمل شغفاً والتزاماً عميقين، متجذرين في تاريخه الطويل في السياسة الخارجية، للدفاع عن الديمقراطية ضد قوى الفوضى والإرهاب والديكتاتورية. إلا أنه، تتابع الصحيفة، لاعبٌ حذرٌ أيضاً، ويدرك تماماً الأخطار المرتبطة بالتدخل العسكري الأميركي المباشر في الصراعات المعقدة.
وعن دوره في وقف إطلاق النار في غزة، نقلت “نيويورك تايمز” عن النائب الديمقراطي سيث مولتون قوله إن هناك “تاريخاً طويلاً من إدراك الرؤساء الأميركيين لعدم امتلاكهم النفوذ الذي اعتقدوا أنهم يمتلكونه على إسرائيل”، مضيفاً أن الأمر نفسه ينطبق على أوكرانيا، “حيث إن هذه هي معركتهم أولاً وقبل كل شيء، حتى لو كانت لدينا مصالح كبيرة في النتيجة”.
“نيويورك تايمز” رأت أن الذي تقوم به الولايات المتحدة تجاه هذين الصراعين يتمثل في تقديم أسلحة ومعلومات استخباراتية كبيرة لكل من إسرائيل وأوكرانيا، لكن القرارات والاستراتيجيات العسكرية تُتخذ في المقام الأول من قبل البلدين المعنيين. وهذا ما يضع الولايات المتحدة بحسب الصحيفة في موقف غير عادي، فهي تستطيع تقديم المشورة والدعم حول طرق التعامل مع شبكات الأنفاق الواسعة في غزة أو اختراق الخطوط الدفاعية الروسية، لكن عليها أن تبقى بعيدةً من عملية صنع القرار والعواقب التي تتبعها.
على رغم رفض الولايات المتحدة تحميلها المسؤولية عن سقوط المدنيين في غزة ورفضها الربط بين تقديم الأسلحة وبين سقوط الضحايا، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي بقوله إن “هذه هي معركتهم”، إلا أن الصحيفة أشارت إلى الصدمة التي تعرض لها كل من الرئيس ووزير خارجيته من الرفض القاطع لنتنياهو بوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية.
لكن على رغم نفي الولايات المتحدة أي دور لها في سقوط الضحايا، وعدم قدرتها من جهة على فرض إرادتها على إسرائيل، إلا أن هذا الأمر لم يحول دون مواجهة إدارة بايدن ضغوطاً متزايدة بهدف التحرك نحو وقف إراقة الدماء ووقف إطلاق النار، بما في ذلك من أعضاء من داخل حزبه والذين حثوه على اتخاذ موقف يمكن أن يؤدي إلى حل مستديم لا مجرد “هدنات إنسانية” موقتة.
“نيويورك تايمز” قالت بأن حكومة الحرب في إسرائيل استجابت إلى النصائح العسكرية الأميركية حول كيفية إدارة المعارك في المناطق الحضرية مع تقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى الحد الأدنى بالقول إنهم يقاتلون بالأسلحة المتوافرة لديهم، أي القنابل التي تزن 1000 و 2000 رطل (450 إلى 900 كلغ)، والتي تعتبر من أكبر القنابل في أي ترسانة عسكرية. لتضيف الصحيفة بأن الولايات المتحدة تحاول إرسال قنابل أصغر بكثير إلى إسرائيل، وأكثر ملاءمة لاختراق الأنفاق من دون التسبب في قدر كبير من الأضرار الجانبية.
بالتوجه شمالاً نحو أوكرانيا، يبدو التحدي الذي تواجهه إدارة بايدن مختلفاً هناك. الأمر هنا هو أن الضغط والانتقادات التي يتعرض لها الرئيس الأميركي لا تأتي من اليسار الذي يؤيد سياسيوه تقديم مساعدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا، وإنما من أولئك الذين ينتمون إلى التيار اليميني والمحافظ وبخاصة في ظل فعالية المساعدات الأميركية والخطوات التالية التي يجب القيام بها. ولم يؤد اعتراف الجنرال زالوزني بالجمود على الأرض إلا إلى مزيد من التعقيد في سردية المساعدات واحتمال تأثير ذلك في قرارات التمويل المستقبلية.
الصحيفة ذكرت أن الحديث عن جمود في المعارك هناك يأتي على رغم التأكيد الأميركي على تقديم كافة أنواع الأسلحة التي طلبتها أوكرانيا بما في ذلك أنظمة الصواريخ طويلة المدى ATACMS التي حاول بايدن منع تقديمها لفترة طويلة خشية اعتبارها تجاوزاً للخطوط الحمراء والدفع بروسيا نحو استخدام السلاح النووي. لكنها لم تصنع أي فرق يذكر أيضاً.
“نيويورك تايمز” قالت إن ما يحاول الرئيس الأميركي فعله في الوقت الحالي هو مواجهة الانتقادات وخيبات الأمل الناجمة عن الوضع على الجبهة الأوكرانية والتي يغذيها شعور متزايد بأن مليارات الدولارات من الأسلحة والمساعدات والمعلومات الاستخبارية قد فشلت ببساطة في مواجهة الجيش الروسي.
أخيراً، يبدو أن تأثير الرئيس بايدن على الاستراتيجيات التي تستخدمها إسرائيل وأوكرانيا في هذه الصراعات محدود أكثر مما كان متوقعاً. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة مرتبطة بشكل معقد بهذه الصراعات بسبب تحالفاتها العميقة مع كلا البلدين. وستشكل نتائج هذين الصراعين بشكل كبير إرث الرئيس بايدن في خضم صراعه مع تعقيدات الدبلوماسية الدولية، وحل النزاعات، ودور الولايات المتحدة على المسرح العالمي.