المصدر: النهار العربي
يوسف بدر
المرشد الايراني علي خامنئي يتفقد مصنعا لانتاج الطائرات المسيرة
–تم إعلان الهدنة في غزة لمدة أربعة أيام بدأت يوم الجمعة الماضي، وانتهت بسؤال مَن يريد الحرب مجدداً؟ بخاصة أن هناك مؤشرات تصعيد من جانب إسرائيل على الجبهة الشمالية، فقد قال المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي دانيال هاغاري، قبل بدء الهدنة، إن هناك تهديدات في الجبهة الشمالية وسنرد عليها. وفي إيران الدولة الحليفة لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، استعرض المرشد الأعلى علي خامنئي صاروخاً فرطَ صوتي جديداً باسم “فتاح 2″، وكذلك الطائرة المسيرة “شاهد 147″، يوم الأحد 19 تشرين الثاني (نوفمبر)، وفي اليوم الأول من الهدنة أجرتْ إيران أيضاً استعراضاً لقوات التعبئة في مدنها وسط وعود باستمرار الحرب حتى تحرير الأقصى. وفي اليوم الثاني، بدأتْ مناوشات بين “فتاح 2” اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي أعلن اعتراضه صاروخاً قادماً من لبنان تجاه مسيّرة تابعة له. هذه الصورة دفعت البعض إلى القول بأن إيران لا تريد استمرار هذه الهدنة وأنها تستفيد من هذه الحرب؛ لكن الحقيقة العكس، فإيران لا تريد خسارة “حماس” والهدنة فرصة للخروج من ورطتها بصورة منتصرة، وكذلك تجنبها انزلاق محورها في حرب لم تختر توقيتها. بل حتى وإن عادت إسرائيل إلى الحرب، فإنها ستظل تحافظ على سياستها في الرد بما يضغط على قوات الاحتلال لإيقاف هذه الحرب، وذلك عبر الضغط على القوات الأميركية وتهديد المصالح الاقتصادية لإسرائيل وإشغالها بتهديدات الشمال. استعادة سلاح الرّدعيبدو أن الهدنة فرصة للنقاش داخل إسرائيل حول مستقبل هذه الحرب، بخاصة أن هناك انقساماً سياسياً قضى على النخبة السياسية، بخاصة من معسكر الصقور، فإعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت “استئناف القتال بعد الهدنة ومن المتوقع أن يستمر شهرين آخرين على الأقل”، مؤشر إلى أن إسرائيل هي التي لم تحقق أهدافها وليست إيران، وهو هدفها للقضاء على حركة “حماس” التي فرضت على إسرائيل سيناريو الهدنة وتبادل الأسرى، بينما نجحت إيران في القضاء على نتنياهو، والهدنة تمثل انتصاراً موقتاً يحتاج تثبيته إلى إطالة أمدها. وهو ما ترجمته صراحة تصريحات الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية جدعون ساعر الذي قال: “لا وقف للحرب ما دامت حماس في السلطة وتحمل تهديداً لإسرائيل”، فما تفزع إسرائيل منه هو فقدانها سلاح الردع الذي كانت تعيش تحت سقفه مستوطناتها التي هجرها سكانها، بما يمثل عبئاً على اقتصادها، فهي مستوطنات إنتاجية وانتقال سكانها غلى الخيام يمثل عبئاً لم تواجهه إسرائيل منذ نشأتها، فقد اعتادتْ أن تكون “الكيبوتس” قوة إنتاجية وليست استهلاكية من خزينة الدولة. ولذلك فإن توجيه الضربات للأهداف المدنية داخل لبنان، مثل كنيسة مار جرجس في بلدة يارون قضاء بنت جبيل، هو محاولة لاستعادة الردع من خلال نموذج مصغر لما يمكن أن يواجهه هذا البلد إذا دخل في حرب مع إسرائيل على غرار حرب غزة، فإن إعادة سكان المستوطنات إلى منازلهم مطلب مهم في حكومة الحرب الإسرائيلية، بخاصة المستوطنات الشمالية على الحدود مع لبنان، وهو مطلب يحتاج إلى مظلة الردع أولاً. مهمة إطالة الهدنةتضغط إيران لإطالة أمد الهدنة بين إسرائيل و”حماس”، فالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، خلال مقابلة تلفزيونية مع خمس قنوات عربية موالية لإيران، مساء الأربعاء 22 تشرين الثاني الجاري، سعى إلى تبني النصر بإعلانه: “طوفان الأقصى هزيمة عسكرية وأمنية واستخبارية للكيان الصهيوني”، وفي الوقت ذاته، قال وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، بعد جولته في لبنان، في مقابلة مع قناة “الميادين”: “إذا استمرت الحرب فإن فتح جبهات جديدة أمر لا مفر منه!”. بل حتى رحبت الخارجية الإيرانية بلسان ناطقها ناصر كنعاني بالهدنة، معتبرة إياها “خطوة أولى على طريق الوقف الكامل لجرائم الحرب”. إذاً، ما تسعى إليه إيران هو إطالة أمد الهدنة وإيقاف الحرب، سواء بالتهديد بما يمكن أن تواجهه إسرائيل من خسائر، مثلما تعرضت سفينة تجارية إسرائيلية لهجوم في المحيط الهندي، ثاني أيام الهدنة، أم بكبح جماح الفصائل الموالية لها في المنطقة، وهي المهمة التي تولاها وزير الخارجية الإيراني بزيارته بيروت والدوحة للقاء قادة “حزب الله” اللبناني و”حماس” و” الجهاد الإسلامي”، من أجل الالتزام بالتهدئة في غزة لمساعدة الأطراف الإقليمية الفاعلة على الخروج بهدنة طويلة الأمد. ويحمل اجتماع عبد اللهيان مع الأمين العام لـ”حركة الجهاد الإسلامي” المقربة من إيران زياد النخالة، ومع نائب رئيس “حماس” في غزة خليل الحية، دلالة إلى أن طهران تعمل على سيناريوات ما بعد انتهاء الهدنة التي أولويتها إطالة مدتها، فلم يكن اعتباطياً تصريح النخالة: “إن الفصائل الفلسطينية ستجبر إسرائيل لاحقاً على عملية تبادل كبرى للمحتجزين تضمن إطلاق سراح الجميع مقابل الجميع”، وهو ما يعني الضغط بورقة الرهائن التي يطالب بها المجتمع الإسرائيلي، لإطالة أمد الهدنة. إدارة قطاع غزةلا يمكن إطالة الهدنة من دون النظر في مستقبل قطاع غزة وكيفية إدارته، فالتصريحات الإسرائيلية والغربية تشي وكأن قوات الاحتلال قد فرضت سيطرتها على القطاع بالكامل بما يحق لها فرض رؤيتها نحو القطاع، بينما على أرض الواقع، فإن إسرائيل مهددة بمواجهة حرب استنزاف طويلة الأمد، تقضي على اقتصادها وأمنها، بل وتجعل القوى الإقليمية متضررة من استمرار هذه الحرب. ولذلك، فإن رفض رئيس حركة “حماس” في الخارج خالد مشعل، مشاركة أي قوات دولية أو عربية في إدارة غزة، يأتي تلبية لرغبة عربية وفلسطينية بعدم التورط في مستنقع غزة وإعادة إحياء مسار حل القضية الفلسطينية، بل إن تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الجمعة 24 تشرين الثاني، بأن “مسار حل الدولتين فكرة استنفدت، ولا بد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية”، هو في إطار جهود إقليمية لفرض مسار سياسي واضح الأفق، يشجع القوى السياسية الفلسطينية على العمل داخل قطاع غزة، بدلاً من الدخول إلى منطقة تضعهم في مواجهة مع جيش الاحتلال.ولذلك لطالما تحذر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إسرائيل من احتلال غزة؛ لأنها تدرك عواقب ذلك على الأمن الإسرائيلي. وبذلك يكون السبيل الوحيد لتحقيق هدف إسرائيل المعلن وهو القضاء على “حماس”، هو وضع خريطة طريق سياسية وليست عسكرية؛ لأن القضاء على “حماس” لا يعني عدم ميلاد جماعة مسلحة أخرى من رحم معاناة الفلسطينيين. ويكشف السلوك الإيراني الأخير المتأرجح بين الأيديولوجية والبراغماتية، أن طهران يمكن أن تدفع “حماس” دفعاً غير علني إلى توجه مرن يقبل بحل الدولتين تدريجياً وتكتيكياً، يساعد على إيجاد مسار سياسي يدعم إيقاف الحرب في غزة، ويساعد إيران على الاقتراب أكثر من القوى العربية التي فتحت معها اتصالات منذ إعلانها المصالحة مع السعودية آذار (مارس) 2023. لبنان إلى الداخلأيضاً ما حدث في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) تقلق إسرائيل من تكراره على الجبهة الشمالية، لذلك هي أمام مسارين، إما توجيه ضربة وقائية ضد “حزب الله” اللبناني، وهو مطلب متطرفين، وإما العمل على إشغال لبنان بقضاياه الداخلية، لذلك تكشف تصريحات المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان، خلال حديثه مع تلفزيون “فرانس أنفو” الأربعاء 22 نوفمبر، أن مهمته خلال الأيام المقبلة هي إعادة ملف الرئاسة إلى الواجهة، بعدما خفت منذ اندلاع حرب غزة، وهو ملف يشغل “حزب الله” في معترك الحياة السياسية اللبنانية. وإذا نظرنا إلى عناصر “حزب الله” الذين استهدفتهم ضربة إسرائيلية تزامناً مع زيارة وزير الخارجية الإيراني لبنان، فهم ينتمون إلى قوة “الرضوان” التي تمثل النخبة المسلحة، وهي ما تفزع إسرائيل من وجودها على الحدود الشمالية، ولذلك يدور الجدل داخل لبنان حول تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، الذي يمنع وجود قوات مسلحة على الحدود لمصلحة توسيع انتشار قوة اليونيفيل لحفظ السلام. لكن تصريحات منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، الأربعاء 22 تشرين الثاني، بأن الولايات المتحدة الأميركية تأمل أن تشمل التهدئة في غزة “حزبَ الله” وقوات إسرائيل في الشمال أيضاً، تُظهر أن لدى إيران والولايات المتحدة رغبة مشتركة في ألا تورطهما إسرائيل في مواجهة إقليمية، بخاصة أن المعركة ستدور بين هذين الطرفين بعيداً من إسرائيل.بل إن إيران التي دعمت الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، ليس بعيداً أن تقبل بصفقة كبرى تدعم فيها الترسيم البري بين هذين الطرفين، في إطار جهود إقليمية ودولية لإعادة الهدوء إلى المنطقة. والمحصلة، إن إعلان الهدنة في غزة انتصار لإيران التي حطمت نتنياهو، وهو ما يدفع إسرائيل إلى الرغبة في استمرار الحرب حتى إعلان الانتصار على “حماس”، أو على الأقل قتل قادتها داخل غزة، بينما إيران ومعها قوى إقليمية تسعى إلى إطالة أمد الهدنة، وهذا لن ينجح دون إعلان مسار سياسي للقضية الفلسطينية، وهو ما تبذله مصر مع قوى إقليمية وأوروبية. كذلك، إن إطالة أمد الهدنة هو السبيل لغلق باب حرب الشمال وهو مطلب تشترك فيه إيران والولايات المتحدة الأميركية، وإن عودة إسرائيل إلى الحرب سيقابلها ضغط عسكري إيراني تكراراً لما قبل الهدنة، إلا إذا أخلّتْ إسرائيل بالتوازن الإقليمي فهذا قد يفتح الباب نحو حرب واسعة!