واشنطن تضغط لتقوية السلطة والاتفاق على تصوّر لـ«اليوم التالي»
عباس مستقبلاً غوردون في رام الله الأربعاء (وفا)
- رام الله: «الشرق الأوسط»
أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس موقفه مرة أخرى مما يُعرف بـ«اليوم التالي» لما بعد الحرب في قطاع غزة، قائلاً لفيل غوردون، مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس الأميركي: إن الحل هو حل الدولتين الذي يتطلب حصول دولة فلسطين على عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن، وعقد المؤتمر الدولي للسلام؛ من أجل توفير الضمانات الدولية والجدول الزمني للتنفيذ، وتولي كامل المسؤولية عن كامل الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة.
ووصل غوردون إلى رام الله الأربعاء قادماً من إسرائيل، حيث أجرى مناقشات مستفيضة وموسعة مع مسؤوليها تناولت قضيتين ترى الولايات المتحدة أنهما مترابطتان: محاولات «إضعاف السلطة» في الضفة، وإقامة كيان فلسطيني واحد يضطلع بمسؤولية الضفة وقطاع غزة بعد انتهاء الحرب الحالية.
وناقش المسؤول الأميركي، الموفد من كامالا هاريس، مع عباس أيضاً هاتين المسألتين، لكنه سمع الكلام نفسه الذي سمعه المسؤولون الأميركيون الآخرون، ومفاده أن السلطة الفلسطينية موجودة في قطاع غزة ولم تخرج منه وتتحمل مسؤوليته وهو جزء من الدولة الفلسطينية، وأن بسط السيطرة عليه يجب أن يكون في إطار حل شامل تفرض فيه السلطة سيطرة حقيقية على الضفة والقطاع.
وقال عباس: إن «السلام والأمن يتحققان من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن كامل أرض دولة فلسطين على خطوط عام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين وعودتهم وفق القرار 194، وليس عبر الحلول الأمنية والعسكرية التي أثبتت فشلها، ولن تحقق الأمن والاستقرار للمنطقة».
وأكد عباس أيضاً معارضته للخطط الإسرائيلية في غزة، وقال إنه لن يسمح بتمرير «التهجير القسري» أو «فصل، أو احتلال، أو اقتطاع، أو عزل أي جزء من قطاع غزة».
وطالب عباس واشنطن بالضغط على إسرائيل من أجل وقف العدوان الإسرائيلي في الضفة وفي غزة، ووقف اعتداءات المستوطنين، والإفراج عن أموال المقاصة والضرائب الفلسطينية المحتجزة لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ومضاعفة إدخال المواد الإغاثية والطبية والغذائية، وتوفير المياه والكهرباء والوقود بأسرع وقت ممكن، وتقديم ما يلزم من مساعدات لتعاود المستشفيات والمرافق الأساسية عملها.
ومواقف عباس تؤكد الخلافات الموسعة حول اليوم التالي للحرب؛ إذ تريد أميركا «سلطة فلسطينية متجددة» وتريد السلطة حكماً شاملاً في إطار حل سياسي، ولا تريد إسرائيل أي سلطة فلسطينية من أي نوع.
وقبل وصول فيل كانت الرئاسة الفلسطينية هاجمت الولايات المتحدة، وحمّـلتها مسؤولية التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية، في إشارة أخرى إلى الخلاف بين رام الله وواشنطن المتعلق بالموقف الأميركي من الحرب على غزة، واليوم الذي يلي هذه الحرب.
واتهم الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة إسرائيل بممارسة «إرهاب منظم بحق أبناء شعبنا في كل أماكن تواجده» عبر «تصعيد عدوانها الشامل في غزة والضفة الغربية بما فيها القدس».
وبينما حذّر الناطق الرئاسي من انفجار الأوضاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، حمّل الإدارة الأميركية المسؤولية عن هذا التصعيد، وطالبها بالضغط على «حكومة الاحتلال لوقف عدوانها وحربها ضد شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية».
وأضاف مساوياً بين إسرائيل والولايات المتحدة فيما يخص العدوان: «نؤكد أنه ليس هناك خيار آخر لإسرائيل والإدارة الأميركية سوى وقف العدوان وإنهاء الاحتلال».
وجاءت تصريحات أبو ردينة على خلفية مواصلة إسرائيل حرباً مدمرة في غزة، وحرباً أخرى في الضفة الغربية تقتل فيها كل يوم مزيداً من الفلسطينيين.
وقتلت إسرائيل الأربعاء فلسطينيين اثنين في الضفة في اقتحامات طالت معظم المناطق واعتقلت العشرات، وخلّفت خراباً ودماراً.
وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة حول اليوم التالي للحرب، تحاول الولايات المتحدة الوصول إلى رؤية مشتركة.
ويركز غوردون على مناقشة سيناريوهات وخطط «اليوم التالي»، ويرافقه مستشار نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس لشؤون الشرق الأوسط إيلان غولدنبرغ، الذي يشارك بعمق في التخطيط المشترك بين الوكالات حول كيفية حكم غزة بعد الإطاحة المفترضة بـ«حماس».
وضغط غوردون في إسرائيل من أجل مناقشة تفصيلية حول الأمر، وقال مسؤول أميركي كبير: إنه خلال المحادثات التي جرت هذا الأسبوع مع فيل غوردون، كان المسؤولون الإسرائيليون الذين ركّزوا على خوض الحرب «مستعدين للحديث عن المستقبل» في غزة.
وتريد الولايات المتحدة تجنب فراغ الحكم والأمن في غزة بعد الحرب وعدم السماح لـ«حماس» بالنهوض مرة أخرى، كما جاء في تقريرين على «أكسيوس» الأميركية وموقع «واللا» الإسرائيلي.
ووصل غوردون وفريقه إلى المنطقة قادمين من دبي، حيث رافقوا هاريس في اجتماعاتها مع عدد من القادة العرب على هامش قمة المناخ، وركزت مناقشاتها في دبي على اليوم التالي في غزة. وقال المسؤولون الأميركيون: إن المجموعة ناقشت الأهداف والعمليات العسكرية في غزة، وإن غوردون أطلع الإسرائيليين على نتائج محادثات هاريس في دبي وعرض ما طرحته علناً حول كيفية رؤية الإدارة الأميركية لإعادة الإعمار والأمن والحكم في غزة بعد القتال.
وأضاف المسؤولون الأميركيون، أنّ غوردون أخبر نظراءه الإسرائيليين بأن الولايات المتحدة تريد أن يكون لديها خطة لمستقبل غزة لتجنب السماح لـ«حماس» بـ«العودة إلى الحياة».
وقال مسؤول أميركي كبير: «كان هناك تحرك على الجانب الإسرائيلي من النقطة التي ركزوا فيها فقط على القتال، ورفضوا مناقشة اليوم التالي، إلى النقطة التي أصبحوا فيها على استعداد للحديث عن المستقبل».
في المقابل، قال مسؤول إسرائيلي كبير: إن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وإدارة بايدن تناقشان منذ أسابيع مسألة غزة ما بعد الحرب، وإنه لم يطرأ أي تغيير في النهج الإسرائيلي.
واعترف المسؤولون الأميركيون بأنه لا تزال هناك اختلافات بين الطريقة التي ترى بها الولايات المتحدة غزة بعد الحرب وكيف تنظر إليها إسرائيل – بشكل رئيسي حول مسألة الدور الذي ستلعبه السلطة الفلسطينية.
ويوم الثلاثاء، اعترض نتنياهو على فكرة أن يكون للسلطة الفلسطينية دور مستقبلي، مشدداً على أن الطريقة الوحيدة للتأكد من أن غزة ما بعد الحرب منزوعة السلاح هي أن يشرف الجيش الإسرائيلي – وليس القوات الدولية – على هذه العملية.
وفي هذا السياق، قال مسؤول أميركي: «لا أحد يعتقد أن السلطة الفلسطينية في وضعها الحالي تستطيع إدارة غزة وتوفير الأمن، لكن لا أحد يرى في الوقت الحالي أي بديل لقيادة فلسطينية في غزة بعد الحرب». وأضاف: «نعتقد أننا في حاجة إلى تعزيز السلطة الفلسطينية حتى تتمكن من حكم غزة».
وتشعر إدارة بايدن بالقلق من أن الخطوات التي اتخذتها إسرائيل منذ الحرب، مثل حجب جزء كبير من عائدات الضرائب التي تجمعها للسلطة الفلسطينية – قد أضعفت قدرة السلطة على أن تكون فعالة، ولا توافق على تصريحات نتنياهو بخصوص غزة. وقال أحد المسؤولين الأميركيين: إن أمامهم «الكثير من العمل… لن يكون الأمر سهلاً».