تخوض الأحزاب الأردنية سباقاً مع الزمن، استعداداً للانتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً في ما يتعلق باستقطاب أعضاء ومؤيّدين، لكنها تصطدم بعزوف فئة الشباب التي تعدّ هدفاً رئيسياً لها، وهي الفئة التي تشير التقديرات الرسمية إلى أنّها تشكّل النسبة الأكبر من سكان المملكة. في العام الماضي، أقرّ البرلمان الأردني قانونين جديدين للأحزاب والانتخابات، حيث تمّ تخصيص 30% من مقاعد المجلس النيابي المقبل للأحزاب، على أن يتمّ رفعها في المجلس الذي يليه إلى 50%، لتستقر النسبة بعد ذلك عند 65%، وذلك بهدف الوصول لانتخاب مجلس نواب قائم على كتل حزبية وبرامج وتشكيل حكومات برلمانية. ويبلغ عدد الأحزاب السياسية في الأردن 29 حزباً، فيما يقدّر عدد المنتسبين للأحزاب بنحو 40 ألف شخص فقط، في حين يصل عدد من يحق لهم الانتخاب إلى 5 ملايين. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ بعض الأحزاب تواجه عادةً اتهامات بضمّ أشخاص من أقارب ومعارف لصفوف منتسبيها “شكلياً” لغاية زيادة الأعداد. دعم ملكي وحالة عزوفولأنّ العزوف عن الانتماء للأحزاب يشكّل حالةً عامة في الأردن، خصوصاً بالنسبة للشباب وطلاب الجامعات، فقد شهدت السنوات الأخيرة، إضافة إلى تعديل القوانين، جهوداً رسمية على أعلى المستويات، تدفع باتجاه استقطاب الشباب ليكونوا جزءاً فاعلاً في الحياة السياسية من بوابة الأحزاب. وكان للملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمير الحسين حضورٌ بارزٌ في هذا الملف. ومن أبرز أشكال الحضور الملكي، المواقف التي أعلنها العاهل الأردني خلال لقائه رؤساء الجامعات الرسمية بحضور ولي عهده، إذ دعا الشباب الجامعي إلى أن يكونوا جزءاً أساسياً في عملية التحديث السياسي، والانخراط في العمل الحزبي البرامجي، والعمل بشكل مؤسسي لمنع وضع أية حواجز أمام الشباب في المشاركة بالحياة السياسية، في حين تعهدت الحكومة مراراً وتكراراً بحماية الشباب المنتسبين للأحزاب السياسية من التعرّض لأية مساءلة أو تضييق، كما ضمنت للشباب الحق في ممارسة الأنشطة الحزبية داخل الجامعات، وذلك بإقرار الضمانات القانونية كافة. وتنص المادة 4 من القانون على حق تأسيس الأحزاب والمشاركة فيها، ومنع التعرّض لأي أردني بشكل مباشر أو غير مباشر، بما في ذلك المساس بحقوقه الدستورية أو القانونية أو مساءلته أو محاسبته، ومنع التعرّض لطلاب مؤسسات التعليم العالي بسبب الانتماء الحزبي والنشاط السياسي، وبالتالي منح كل من وقع عليه تعرّض حق اللجوء إلى المحاكم المختصة لرفع التعرّض والمطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي. الأحزاب في سباق مع الزمنالناشط الحزبي شادي علوان، رأى في حديث إلى “النهار العربي”، أنّ قانون الأحزاب الجديد جاء في سياق التصدّي والمساهمة للحدّ من ظاهرة عزوف المواطنين عن العمل الحزبي السياسي بكل مضامينه، خصوصاً بالنسبة للشباب والنساء، معتبراً في الوقت ذاته أنّ “نظرة الشعب الأردني إلى الأحزاب السياسية بشكل عام لا تزال تشوبها مظاهر من فقدان الثقة، بسبب تعلّق الذهنية الأردنية بالتجربة التاريخية السلبية للأحزاب، والتي كانت سبباً في حظر الأحزاب ومطاردتها قبل عودتها عام 1992”. ولا يقتصر الأمر على ذلك وفق علوان، الذي تطرّق إلى “غياب القناعة الشعبية بجدوى العمل الحزبي كأداة للمشاركة السياسية الفاعلة، لاسيما وأنّ نظرة الشارع الأردني والقناعات السائدة في تشكيل الحكومات وانتخاب البرلمانات في الأردن غير مهيأة بما يكفي”.
مشهد من الانتخابات الأردنية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020. وأضاف أنّ الأحزاب في هذه المرحلة هي في سباق مع الزمن، وترمي بكل ثقلها لاستقطاب الشباب وإقناعهم بالانخراط في العمل السياسي من خلالها، مشدّداً على أنّ نتائج الانتخابات النيابية المقرّر إجراؤها العام المقبل، ستكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى حضور الأحزاب وتأثيرها. الشباب… المعادلة الصعبة للأحزابومن وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية بدر عارف الحديد، فإنّ الشباب يشكّلون المعادلة الصعبة بالنسبة للأحزاب، وخصوصاً أنّ القانون الجديد اشترط على الأحزاب أن لا تقلّ نسبة مشاركة الشباب والمرأة فيها عن 10% من نسبة المؤسسين ضمن فئة الأعمار 18-35 عاماً، مع التأكيد على أن يتمّ زيادة نسبة مشاركة المرأة والشباب لتصل إلى 20% خلال ثلاث سنوات. وإضافة إلى نسبة المؤسسين، قال الحديد لـ”النهار العربي” إنّ المسألة أبعد من ذلك، إذ تصطدم الأحزاب بعدم القدرة الحقيقية على إحداث اختراق في صفوف الشباب لجهة الانضمام إليها كأعضاء فاعلين أو مؤيّدين أو حتى مهتمين ببرامجها. ما أسباب عزوف الشباب عن الانتساب للأحزاب؟لذلك الأمر أسباب عديدة بحسب الحديد، أبرزها أنّ الخشية من المساءلة الأمنية لا تزال حاضرة لدى الشباب رغم التطمينات والضمانات بشأن ذلك، إضافة إلى أنّ اهتمام السواد الأعظم من الشباب ينصب على كيفية مواجهتهم مشكلتي الفقر والبطالة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، في مقابل عدم قدرة غالبية الأحزاب على تطوير خطاباتها وبرامجها بشكل جاذب للشباب. ويقول الحديد إنّ “الأحزاب لا تزال تكثّف حراكها، ويجول ممثلوها مختلف أنحاء المملكة من مدن وقرى ومخيمات، سعياً لنشر رؤيتها وبرامجها واستقطاب ما يمكن استقطابه من منتسبين ومؤيّدين، وفي النهاية ستكون الانتخابات النيابية العام المقبل، مؤشراً بارزاً ومهمّاً لمدى قدرتها على إحداث فرق في الحياة السياسية”.