تكاد المطالب بإصدار قانون عفو عام لا تغيب عن المشهد الأردني، وكان آخرها مذكرة نيابية وُقّعَت قبل أيام في محاولة لتجديد الضغط على الحكومة، وفيها برزت مبررات عدة للمطلب وهي “الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الوطن والمواطن، والتكلفة العالية جداً لنزلاء السجون والاكتظاظ الكبير فيها بنسبة تصل إلى 159 في المئة، وأن العفو العام سيكون علامة فارقة في عودة الروح لعائلات المحكومين وإعطاء فرصة جديدة لأبنائهم لممارسة حياة طبيعية”. ضغط شعبي ومذكرات نيابيةولطالما اعتصم مواطنون أمام مجلس النواب على مدى فترات ماضية، بوصفه صوت الشعب وممثله، وذلك للضغط عليه باتجاه ممارسة دوره في الضغط على الحكومة للمضي في الملف، بينما سبق أيضاً أن تم توقيع العديد من المذكرات النيابية التي تطالب الحكومة بإصدار العفو، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى الآن.
ومنذ تأسيس الدولة الأردنية، تم إصدار 18 قانون عفو عام، كان آخرها في عام 2019، بينما صدرت ثلاثة قوانين منذ بداية عهد الملك عبد الله الثاني في أعوام 1999 و2011 و2019، وهي عادة ما تكون مرتبطة بمناسبات ملكية أو وطنية أو أحداث وسياقات سياسية واقتصادية واجتماعية.
وفي الحديث عن العفو العام، يشار إلى أن التداول بشأنه بلغ أوجه بالتزامن مع زفاف ولي العهد الأمير الحسين مطلع حزيران (يونيو) الماضي، عندما برزت تنبؤات لافتة بأن عفواً عاماً سيصدر بتلك المناسبة، وهو ما لم يحدث. “فرصة لتصحيح المسار”سفيان أحمد وهو شقيق أحد السجناء يقول لـ”النهار العربي” إن عائلته وعائلات عدد كبير من الأردنيين، دائماً ما يتمسكون بأي بارقة أمل أو تحرك قد يفضي إلى إصدار قانون عفو عام، ويعتبرون أن مجلس النواب هو “الطرف الأكثر قوة في ممارسة الضغط على الحكومة، ولذلك يتم تنفيذ اعتصامات أمام مجلس النواب بين الفترة والأخرى”، وفق أحمد. وأضاف أن الكثير من السجناء ومنهم شقيقه الباقي من حكمه ثلاث سنوات على خلفية قضية إيذاء بليغ خلال مشاجرة جماعية في إحدى ضواحي عمان، يستحقون عفواً عاماً كونهم لم يرتكبوا أي جريمة سابقة، وبالتالي من الضروري منحهم فرصة لتصحيح مسارهم والعودة إلى عائلاتهم وحياتهم الطبيعية، مشيراً بهذا الخصوص إلى أن لشقيقه البالغ من العمر 43 عاماً، ثلاثة أبناء. “الإضرار بمبدأ العقوبة”وفي مقابل المطالبات بإصدار عفو عام، ثمة وجهات نظر وأصوات تتعالى عادة عند بروز الحديث في هذا الملف، وترى أن الإسراف في إصدار قوانين عفو عام، يؤدي إلى اهتزاز الثقة بالمؤسسات وسيادة القانون في الدولة، ويضر بمبدأ أن تطبيق العقوبة هو إنصاف للمظلوم الذي وقع عليه اعتداء، بالإضافة إلى أن فقدان الناس للشعور بالعدالة يساهم في انتشار الجريمة ويزيد من الانحلال في المجتمع، فيما الهدف من تطبيق القانون إنزال العقوبة على مرتكب أي جرم والغاية الأهم عند إيقاع العقوبة هي الردع العام.
من جهته، قال النائب الأردني عبد الله أبو زيد الذي تبنى المذكرة النيابية لـ”النهار العربي”، إنه تم تسليم صيغة قانون العفو العام المقترح بتوقيع أكثرية أعضاء مجلس النواب إلى المكتب الدائم في المجلس ليقوم بدوره بتسليمها إلى اللجنة القانونية، “إلا أنه لم يتم تسليمها حتى اللحظة بسبب سفر رئيس وأعضاء المكتب الدائم”، مشيراً إلى أنه سيتم استكمال متابعة الإجراءات والخطوات اللازمة أول بأول في أعقاب عودتهم من السفر.
وفي رده على معلومات حصلت عليها “النهار العربي” من مصادر حكومية بشأن عدم وجود نية أو توجه لدى الحكومة للمضي في إصدار قانون عفو عام في المدى القريب على الأقل، اكتفى النائب أبو زيد بالقول: “سنبقى نجتهد ونحاول”. “سجناء في بيوتهم”ووفق أبو زيد، فإنه بالإضافة إلى اكتظاظ السجون بـ24 ألف شخص، إلا أن ثمة نحو 165 ألف شخص “سجناء داخل بيوتهم” بسبب طلبات قضائية ولا يمكنهم الخروج أو الحركة خشية أن يتم ضبطهم من الأجهزة الأمنية.
وتطرق إلى أن القانون المقترح شبيه بقانون 2019 الذي استثنى العديد من القضايا والجرائم، ومن أبرزها قضايا المخدرات التي تصل نسبة السجناء بسببها إلى 70 في المئة من العدد الإجمالي.
ويحتاج أي قانون عفو عام إلى صدور إرادة ملكية بالمصادقة عليه، بعد أن يمر بجميع القنوات الدستورية في مجلسي النواب والأعيان والحكومة، وكان من بين أبرز الجرائم المستثناة من العفو العام الأخير في 2019، بالإضافة إلى قضايا المخدرات، الجرائم الواقعة على أمن الدولة، وجمعيات الأشرار والجمعيات غير المشروعة، وجرائم التجسس والسرقة الجنائية والسلب وجرائم التزوير الجنائي وجرائم الاعتداء على العرض، وتشمل الاغتصاب وهتك العرض والخطف الجنائي.
العفو العام يعود للواجهة في الأردن… ومصادر حكومية لـ”النهار العربي”: لا توجّه لإصداره قريباً
التعليقات معطلة.