يناقش البرلمان الجزائري، انطلاقاً من الأسبوع الجاري، مشروع قانون يتضمن تحيين القانون 15-01 الصادر في 4 كانون الثاني (يناير) 2015، والخاص بكيفيات الاستفادة من خدمات صندوق النفقة وشروطها، فالإجراءات المعمول بها حالياً تظلم الكثير من المطلقات، لا سيما اللواتي لديهن أكثر من طفل واحد. وقضاء أكثر من يوم واحد في قسم شؤون الأسرة كفيل برصد جانب صغير من معاناة هذه الفئة بسبب تعنت الرجال، أضف إلى ذلك أتعاب التقاضي ومصاريفه. واستحدث الصندوق عام 2015، لكنه شهد في السنوات الأخيرة صعوبات عدة ناجمة عن ضعف الاستشراف وعدم القدرة على التحكم في التسيير المالي، وحتى عدم القدرة على تحديد المستفيدين الحقيقيين وتحصيل مبالغ النفقة من المدينين بها، أي الأزواج السابقين. وتكشف أرقام استعرضها النائب في البرلمان الجزائري بوهالي عبد الباسط، في مساءلة برلمانية وجهها إلى وزيرة التضامن الوطني، أن أكثر من 4 آلاف امرأة حاضنة وأكثر من 8 آلاف طفل محضون لم يستفيدوا من مبالغ النفقة التي تشكل المصدر الوحيد لمعيشتهم سنة 2020، كما أن الصندوق لم يتكفل عام 2021 بملفات المستفيدات الجديدات رغم حيازتهن أحكاماً قضائية، علاوة على التأخيرات المتكررة في صرف مبالغ النفقة للمستفيدات منها، والتي تصل أحياناً إلى أشهر عديدة.
يتكوّن مشروع قانون صندوق النفقة وفق النسخة التي حصل عليها “النهار العربي” من 25 مادة، 9 منها جديدة عما هو معمول به حالياً، ومقسمة على خمسة فصول أهمها الفصل المتعلق بالأحكام المالية الذي يشرح آليات التحصيل الجبري عند الاقتضاء. عقوبات مشدّدة وينص مشروع القانون في مادته الثالثة على أن يتم دفع المستحقات المالية المنصوص عليها، إذا تعذر التنفيذ الكلي أو الجزئي للأمر أو الحكم القضائي المحدد لمبلغ النفقة، بسبب امتناع المدين عن دفع النفقة أو عجزه عن ذلك أو لعدم معرفة محل إقامته أو توقفه عن تنفيذ الأمر أو الحكم القضائي بالنفقة بعد الشروع فيه، على أن يثبت عدم التنفيذ بموجب محضر يحرره محضر قضائي. لكن المادة 5 من المشروع تشير إلى أن الاستفادة من أحكام هذا القانون لا تحول دون المتابعة الجزائية ضد المدين عن جنحة عدم دفع النفقة المنصوص والمعاقب عليها في قانون العقوبات. وينص قانون العقوبات الجزائري في مادته 331، على عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية ضد كل من امتنع عمداً ولمدة تتخطى الشهرين عن تقديم المبالغ المقررة لإعالة أسرته، وأيضاً عن أداء كامل قيمة النفقة المقررة عليه إلى زوجه أو أصوله أو فروعه، وذلك رغم صدور حكم ضده بإلزامه بدفع النفقة إليهم. واستمعت لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات في المجلس الشعبي الوطني إلى عرض قدمه وزير العدل حافظ الأختام عبد الرشيد طبي بشأن مشروع القانون المتضمن تدابير خاصة للحصول على النفقة التي يحكم بها القضاء لمصلحة المرأة المطلقة والأطفال المحضونين. وأوضح طبي أن المشروع يأتي لإصلاح الإطار القانوني لتدخل الدولة في مجال النفقة التي تعد التزاماً أساسياً يقع على عاتق الزوج تجاه المرأة المطلقة والأطفال المحضونين إثر فك الرابطة الزوجية. ويشكل الامتناع العمدي عن دفعها جريمة يعاقب عليها القانون.
وفي محاولة من السلطات لكبح ظاهرة تهرب الآباء أو امتناعهم عن سداد النفقة، وهي الظاهرة التي كانت لها نتائج وتداعيات وخيمة على الأطفال، يخطر القاضي المختص وكيل الجمهورية بهدف تحريك الدعوى العمومية ضد المدين من أجل جنحة عدم الالتزام بدفع النفقة. إمكان اللجوء إلى الوساطة واللافت في مشروع القانون، أن المشرع الجزائري فسح المجال أمام إمكان اللجوء إلى الوساطة قبل التوجه نحو العقوبات، وتتم الوساطة وفقاً للأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائرية. وفي ما يتعلّق بفترة دراسة طلبات الاستفادة، حدّد التشريع مهلة أقصاها خمسة أيام من تاريخ تلقي الطلب، بحسب ما ورد في النسخة الجديدة من مشروع قانون صندوق النفقة. وضبط مشروع القانون تفاصيل أخرى تتعلق بضرورة تحديد هوية الدائن، لا سيما عدد الأطفال المحضونين وسنهم وأيضاً مبلغ النفقة بالنسبة إلى كل دائن بالنفقة والمعلومات المتعلقة بالمدين بالنفقة، كما يجب أن يحدّد طبيعة النفقة وتاريخ بداية الاستفادة من المستحقات المالية. ولتقليص آجال معالجة الملفات، أدخلت الحكومة الرقمنة، إذ نص مشروع القانون في مادته 13 على إمكان التأكد من صحة الوثائق المطلوبة في ملف الاستفادة من المستحقات بكل وسيلة، لا سيما عن طريق استغلال قواعد البيانات المتعلقة بهذه الوثائق، في إطار التعاون ما بين القطاعات. وبموجب التشريع الجديد، ستنقل الوصاية على الصندوق إلى وزارة العدل بدل وزارة التضامن، فيديره وزير العدل عن طريق الأمناء العامين في المجالس القضائية. وشددت الأحكام على حصانة الأوامر التي تصدر بموجب مشروع قانون صندوق النفقة الجديد، فهي غير قابلة لأي طعن، وفرض عقوبات على كل من ثبت في حقه الإدلاء بإقرارات كاذبة للاستفادة من أحكامه، والنص على إعادة المستحقات المالية كل من تسلمها من دون وجه حق. في نظر حقوقيين ومحامين تبقى هذه الإجراءات غير كافية، لأن المعضلة الحقيقية التي تواجه المجتمع الجزائري كغيره من المجتمعات العربية ازدياد حالات الطلاق والخلع، إذ تكشف آخر الإحصائيات الصادرة في عام 2022، عن تسجيل 44 ألف حالة طلاق وخلع في النصف الأول من العام، أي بواقع 240 حالة يومياً و10 حالات في الساعة الواحدة.
وتنظر المحامية الجزائرية فريدة سي عبد الله إيجابياً للتعديلات الجديدة على مشروع قانون صندوق النفقة، وتقول إن “الغرض منها هو توفير حماية مادية اكثر لهذه الفئة التي تتسع رقعتها شيئاً فشيئاً، وخصوصاً أن الجزائر تعتبر من بلدان المنطقة التي تعرف منحى متصاعداً لحالات الطلاق”.