تستعد موريتانيا لإصدار قانون يجرّم العنف ضدّ المرأة تحت مسمّى قانون “كرامة” الذي يهدف، بحسب ما جاء في مسودته، إلى الوقاية من العنف ضدّ المرأة ووضع الإجراءات القانونية الكفيلة بحماية الضحايا وتعويضهن عن الضرر ومعاقبة الجناة. ويتضمن مشروع القانون 54 مادة تجرّم كل أشكال العنف ضدّ النساء والفتيات، وتجرّم أيضاً التحرّش في الفضاء العمومي أو غيره بأفعال وأقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية واضحة أو لأغراض جنسية واضحة بواسطة رسائل مكتوبة.
وتقترح المادة 26 من مشروع القانون عقوبة “الحبس من شهر إلى 6 أشهر، وبغرامة من 10 آلاف أوقية موريتانية إلى 20 ألف أوقية”. كما تنص المادة 26 على أنّه يمكن الحكم بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك من دون المساس بالتعويض للضحية عن الأضرار.
وينظر البعض إلى مشروع القانون هذا، الذي يأتي بعد قانون تونسي في سنة 2017 اقتدى به المغرب لاحقاً وأصدر قانوناً مماثلاً، على أنّه قانون ثوري وبإمكانه نقل المرأة الموريتانية من حال إلى حال، فيما انتقد كثر مشروع القانون، وأغلبهم من المحافظين، وذلك رغم فتوى المؤسسة الدينية ممثلة بالمجلس الأعلى للفتوى والمظالم، التي أقرّت بعدم تعارضه مع الشريعة بعد اقتراحه إلغاء بعض بنوده.
واقع مرير
وترى الباحثة التونسية المختصة في الشؤون المغاربية آمنة الشتيوي في حديث إلى “النهار العربي”، أنّ “المرأة الموريتانية والحسانية عموماً تحظى بمكانة مرموقة داخل الأسرة بحسب الأعراف القبلية المتوارثة عبر الأجيال، وذلك خلافاً لما يتصوره البعض. فليس غريباً أن تكون موريتانيا هي ثالث دولة مغاربية تسنّ مثل هذا القانون، بعد كل من تونس والمغرب، وذلك صوناً لكرامة المرأة وحماية لها من العنف المادي والمعنوي والمعاملة المهينة والإذلال”.
وتضيف: “لكن رغم هذه المكانة المرموقة للمرأة فإنّ ثمة استفحالاً لظاهرة العنف المسلّط على المرأة في موريتانيا، كما هو الحال في أغلب البلدان العربية، وهو ما اقتضى أن يتدخّل المشرّع الموريتاني لحماية المرأة من العنف المادي واللفظي والتحرّش والمعاملة السيئة في العمل، وغيرها من الأفعال التي تمّ تجريمها. وبالتالي، فمشروع القانون لم يأتِ من فراغ، بل من واقع مرير ترسّخت فيه فكرة دونية المرأة وتبعيتها. كما يأتي مشروع القانون في سياق إقليمي مغاربي سعت فيه المنظمات الحقوقية التونسية بالأساس ثم المغربية، إلى الدفع باتجاه مزيد من حماية المرأة وصون كرامتها، من خلال سن قوانين ثورية تساهم في تغيير الواقع”.
تغطية شرعية للمشروع
توسّع المشرّع في هذا المشروع في الأفعال المجرمة التي تصنّف في خانة العنف، وذلك لتوفير الحماية قدر المستطاع للمرأة الموريتانية. ورغم الانتقادات التي وجّهتها بعض الأوساط المحافظة للمشروع، يُعتقد على نطاق واسع أنّ تصريحات رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم التي اعتبر فيها أنّ “مسودة مشروع القانون تلبّي كافة المقاصد والمطالب التي تطمح لها كل الجهات، للرفع من مستوى تكريم المرأة وإنصافها وتحسين موقعها القانوني والاجتماعي، ولا توجد فيه بطبيعة الحال مخالفات شرعية”، تُعتبر كافية لحسم الجدل ولجم الأصوات المعارضة وتمرير القانون الذي كانت الحكومة قد صادقت عليه سنة 2020 في اجتماع استثنائي، لكنها لم تحله إلى البرلمان.
“مكسب للمرأة الموريتانية”
وتعتبر الناشطة الموريتانية في المجال النسوي خديجة بنت المختار في حديث إلى “النهار العربي”، أنّ مشروع القانون المشار إليه هو “مكسب للمرأة الموريتانية، لأنّه سيحدّ من العنف المسلّط عليها والذي استفحل في السنوات الأخيرة، وبات يقتضي وضع حدّ له. ولقد استغلّ البعض هذا الفراغ التشريعي لامتهان كرامة المرأة والحط من شأنها واستهدافها بالضرب والشتم والقذف والتحرّش وهضم حقوقها الاقتصادية والاجتماعية وإهانتها، لكن إذا تمّ سن القانون الجديد وقضت المحاكم بإدانة البعض وسُلّطت عليهم العقوبات سيرتدع الباقون”.
وتضيف بنت المختار: “لقد كان هذا القانون مطلب الحقوقيين في موريتانيا، وبخاصة الناشطين في مجال حقوق المرأة. وها هو الحلم يتحول إلى واقع ويحمل معه الأمل للمدافعين عن حقوق المرأة في أن تحصل ثورة حقيقية ينتقل معها وضع المرأة الموريتانية من حال إلى حال. ونحن ندرك جيداً أنّ الثورة التشريعية يجب أن تتبعها ثورة في العقول المتكلسة التي لا ترى في المرأة سوى أداة للمتعة ويجوز استعبادها، وترى في منحها حقوقها خروجاً عن الدين والملة”.
وانطلاقاً من ذلك، ترى الناشطة الحقوقية أنّ هذا القانون “هو خطوة هامة وجدّية في مجال حماية المرأة الموريتانية من العنف. لكن وجب أن تتبعها خطوات أخرى ضرورية. ومن بين الخطوات التي يمكن القيام بها العمل على نشر الوعي بأهمية حماية المرأة وعدم تعريضها إلى العنف والمعاملة الدونية والمهينة”.