الأزهر “يرقمن” مكتبته المركزية… هل تُراجَع كتب التراث قبل إتاحتها؟

1

اجتمع مسؤولون بمجمع البحوث الإسلامية مع مسؤولين بوزارة الاتصالات لمناقشة عملية الرقمنة

أعلن مجمع البحوث الإسلامية عن بدء مناقشات بشأن رقمنة مقتنيات مكتبة الأزهر المركزية، وذلك بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر. وتضم المكتبة التابعة للمؤسسة الدينية التي يعود تاريخها لنحو 1000 عام، عشرات الآلاف من الكتب والمخطوطات في مجالات عدة، لا سيما التراث الإسلامي.

وفي السنوات الأخيرة أثير الكثير من السجالات بشأن كتب التراث الإسلامي، ففي وقت يؤكد متخصصون أن تلك الكتب تضم “كنوزاً” وآراء سبقت عصرها بمئات السنين، مثل التي كتبها ابن سينا، وأبو الريحان البيروني، وابن النفيس، وابن رشد، وغيرهم، إلا أنها في الوقت ذاته تحتوي بعض الآراء والفتاوى التي تجاوزها الزمن، وباتت غير متوافقة مع تطورات العصر الحديث، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن ما إذا كان الأزهر سينتقي من مكتبته ويراجع مقتنياتها قبل إتاحتها في النسخة الرقمية.

ومجمع البحوث الإسلامية، هو هيئة عليا تابعة للأزهر، “تقوم بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث، وتعمل على تجديد الثقافة الإسلامية، وتجريدها من الفضول والشوائب، وآثار التعصب السياسي، والمذهبي، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص”، وذلك بحسب التعريف الوارد في صفحته الرسمية.

وخلال الأيام القليلة الماضية التقى الأمين العام للمجمع الدكتور نظير عياد، وفداً من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لمناقشة تنفيذ مشروع رقمنة مقتنيات مكتبة الأزهر المركزية، وفق ما ورد في بيان أصدره المجمع، يوم الاثنين.

وأشار البيان إلى أن تلك الخطوة جاءت “في إطار اهتمام الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بالحفاظ على التراث الإسلامي، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في الاستفادة من هذا الإرث العلمي وضمان انتقاله للأجيال القادمة”.

مراجعة وتطوير

يقول الدكتور محمد ورداني، مدير المركز الإعلامي في مجمع البحوث الإسلامية، لـ”النهار العربي” إن “الأزهر دائماً يسعى لمواكبة التطور في مجال التعليم، بما يحقق المصلحة التعليمية، ولعلكم تعلمون أن المناهج الأزهرية أصبحت على قدر مهم من التطور بعد عملية المراجعات المستمرة من جانب الخبراء والمتخصصين، للوصول إلى مناهج تلبي احتياجات التعليم العصرية، وتحفظ للمنظومة التعليمية بالأزهر دورها في أداء رسالته، وفقه منهجه القويم، الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة”.

ويضيف ورداني: “أنشأ الأزهر في وقت سابق “اللجنة العليا لإصلاح التعليم”، وهى لجنة دائمة تضم علماء متخصصين، وخبراء تربويين، يقومون على إعادة النظر في المناهج الأزهرية، وعرضها بأسلوب بسيط، ولغة سهلة، وحذف الموضوعات التي لا تناسب العصر الحالي دون تجريف للعلم أو تسطيح للعقول”.

ويشير مدير المركز الإعلامي للمجمع البحثي إلى أن “التعامل مع المقتنيات التراثية بالأزهر الشريف، للحفاظ عليها، والإفادة منها للباحثين والمتخصصين، ضرورة مهمة، ولذا فإن مجمع البحوث الإسلامية، أحد أهم القطاعات العلمية بالأزهر، يحرص كل الحرص على دعم هذا الجانب، في إطار اهتمام الأزهر وإمامه الأكبر بمواكبة الحاضر والاستفادة من التقنيات الحديثة في عرض هذه المقتنيات بما يوفر لها يسر القراءة والاطلاع”.

أمران مهمان

وبشأن الأسلوب الذي سوف يتبعه المجمع والمسؤولون عن مشروع الرقمنة، يقول ورداني: “هنا يمكن أن نقول بأن التعامل مع هذه المقتنيات يقوم على أمرين مهمين. الأمر الأول هو ضرورة الحفاظ على الأصول والثوابت المنبثقة من النصوص القطعية، مع مراعاة ما يستجد من أحداث وقضايا تحتاج إلى التعامل معها، أخذاً في الاعتبار عملية الالتزام بضوابط النقل والعقل، دون تبديد للثوابت القطعية”.

ويلفت المسؤول الإعلامي إلى أن “الأمر الثاني هو أن هذا لا يعني تقديس التراث أكثر من توظيفه في إفادة الحاضر، وخصوصاً أنه مليء بكنوز عظيمة لا يمكن إغفالها، الأمر الذي يجعل دعوة الأزهر واضحة في عملية التجديد وقائمة على أننا نريد تجديداً لا تبديداً”.

ويوضح أن “الخطوة المهمة التي اتخذها مجمع البحوث الإسلامية، أخيراً، وهي البدء في تنفيذ مشروع “رقمنة مقتنيات مكتبة الأزهر المركزية”، سواء من خلال تجهيز المحتوى الذي يتضمنه المشروع، وأساليب العرض التي سيتم استخدامها، وفريق العمل المشارك في مراحل المشروع المختلفة، سواء من المتخصصين في التاريخ الإسلامي والشريعة الإسلامية، أم من الخبراء في مجال الرقمنة، لا يزال في مراحله الأولية، التي ستقوم على تحديد المحتوى الذي سيخضع للرقمنة في المرحلة الأولى، ليتم الانتقال للمرحلة الثانية التي تشهد محتويات أخرى”.

إرث قديم

يعود تاريخ مكتبة الأزهر القديمة إلى عام 1123 ميلادياً، أي قبل نحو 900 عام، وتعد المكتبة الحديثة امتداداً للقديمة، وقد مرت بمراحل عدة خلال تاريخها الطويل، فبعدما كانت موزعة على عدد من المدارس والأروقة التابعة للجامع الأزهر، تم ضمها في مبنى واحد مكون من 14 دوراً.

ويعتبر ورداني أن “اختيار مكتبة الأزهر يمثل أهمية كبيرة للمشروع، فهي من أهم الإدارات المركزية بالمجمع، والتي تقوم على حفظ المخطوطات، وتضم أكثر من 50000 مخطوط في مختلف الفنون؛ كالفلك، والميقات، والحساب والهندسة، واللغات، والطب، وغيرها، كما أنها تعتبر إحدى المؤسسات العلمية الرائدة في مجال حفظ التراث المخطوط”.

ويلفت إلى أن “الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد، وغيره من علماء الأزهر، قد أكدوا في وقت سابق أن أهم ما يميز تحقيق التراث عند الأزهريين، هو نظرتهم إلى التراث وما تركه الأسلاف باعتبارهم صانعي الثقافة الإسلامية العربية؛ حيث أخذوا على عاتقهم مهمة الحفاظ عليه، وتعريفه للجمهور من القراء المتعطشين لمعرفة التراث”.

ويرى المسؤول الإعلامي أن “أعلام المحققين الأزهريين أصّلوا بحق لهذا الفن، ووضعوا مقاليده وقوانينه، وأننا إذا استطعنا أن نتعامل مع التراث وفق هذه الضوابط، من الممكن إحياؤه وإيجاد الجسور بينه وبين الجيل الحاضر والأجيال التالية، ومن ثم نحقق معنى التواصل الإنساني في مسيرة الأمة، ونجعل من نهضتها بناء متماسكاً، ومتناسقاً ومتمازجاً، كل حلقة تفضي لما يليها، وكل عطاء فيه ركيزة لما فوقه، ومثل هذا الترابط في بنية الأمة، بأفقه التاريخي، يجعلها مستعصية على شتى محاولات الاختراق الهدام”.

التعليقات معطلة.