الإيدز في المغرب… مصابون يرفضون العلاج خوفاً من الوصم المجتمعي

12

الوصم الاجتماعي أكبر عائق أمام تلقي المصابين العلاج الضروري.

“لست عاهرة… والإيدز قدري الذي أدفع ثمنه من دون أن يكون خياراً”. بهذه العبارة استهلّت فاطمة بوكماخ (إسم مستعار) حديثها لـ”النهار العربي”، وهي تروي مخاض قصة ألم ومعاناة بدأت فصولها قبل سنتين، عندما اكتشفت إصابتها بفيروس مرض فقدان المناعة المكتسبة “الإيدز”، بعدما انتقل إليها من زوجها المتوفى قبل أشهر بالمرض نفسه. تعيش فاطمة في قرية صغيرة بضواحي مدينة سلا (المحيطة بالعاصمة الرباط). انتقلت إليها برفقة ولديها منذ لحظة تشخيص مرضها، واكتشاف إصابتها بالإيدز الذي انتقل إليها من زوجها الذي التقط الفيروس عقب علاقة جنسية عابرة، ما فرض إنهاء زواج دام لأكثر من 12 عاماً، خصوصاً بعدما فطن المقرّبون والعائلة لمرض الزوج، وصارت الأسرة كلها بحكم غير المرغوب فيها في الحي. العائلة والمرضتقول الشابة الثلاثينية إنّها أخبرت عائلتها أولاً بالمرض، فما كان سوى أن طردوها وأطفالها خارج الأسرة بحجة أنّها تحمل “فضيحة” في دمائها الملوثة بمرض فقدان المناعة المكتسبة، قبل أن تجد نفسها في الشارع، وتُقرّر تغيير المدينة كلياً والانتقال إلى مدينة جديدة لا يعرفها فيها أحد، ولا يعلم عن سبب طلاقها أو مرضها. وأضافت: “من الصعب على امرأة غير متعلّمة وحاملة لمرض يعتبره المجتمع وصمة عار، النهوض من جديد وتأمين قوت يومها مع أطفالها. جئت إلى مدينة بعيدة وكبيرة لم أزرها من قبل، وقد قرّرت الامتناع عن أخذ العلاج لكي لا يُفضح أمري بين الجيران ورب عملي… أخاف على أبنائي وسمعتهم أكثر من خوفي على نفسي من الموت”. تحكي فاطمة كيف عانت الأمرّين منذ حصولها على الطلاق من زوجها الذي أسلم روحه إلى بارئها قبل أشهر ولا تأسف عليه، وفق تعبيرها، خصوصاً أنّها اضطرت للانتقال إلى مدينة سلا، وقد صمّمت على تضميد جراحها بنفسها والنهوض من جديد، لتشرع أولاً، بمساعدة من صديقتها كريمة، في تعلّم أبجديات الحلاقة بالموازاة مع عملها كمساعدة منزلية لدى إحدى العائلات. وتقول: “كنت أدرس وأعمل، وأُربي أبنائي وأنا حاملة للفيروس، وقد أخفيت مرضي عن الجميع بمن فيهم العائلة التي أشتغل لديها، ولم أفصح لهم عن شيء… لم يكن من الممكن أن أخبرهم أني حاملة لفيروس يعتقد المجتمع أنّ العاهرات فقط يُصبن به”. وتابعت: “أفكر في أنّ الموت أرحم من أن يعيش أبنائي عار هذا الوصم الذي أُلصق بي من طرف المجتمع، من دون أن أكون مذنبة في شيء، لهذا السبب رفضت تلقّي العلاج… أحاول العيش بسلام، فإذا كان والدي نفسه لم يرحمني، هل سيرحمني هذا المجتمع؟”، تتساءل فاطمة في حديثها لـ”النهار العربي”، وقد طغى الألم على صوتها. 

المصابون بالمرض والخوف من المجتمعوعلى غرار فاطمة، يفضّل ما يزيد عن 22.9% من المصابين المغاربة بفيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز” تجنُّب أو تأخير الحضور إلى مراكز الخدمات الصحية التي توفّرها الدولة لهذه الفئة، وفق المعطيات المثيرة التي أدلت بها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية، محذّرة من تفشي الخوف من الوصم والتمييز في المجتمع المغربي. ووفقاً لآخر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة المشارك المعني بمكافحة الفيروس، وبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز، عرف عدد المتعايشين مع المرض في المغرب ارتفاعاً خلال السنوات الأخيرة، بلغ 21 ألف حالة سنة 2022، منها 750 إصابة حديثة، فيما كشف التقرير ذاته عن أرقام مقلقة بشأن انتشار الفيروس في المغرب في صفوف الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 14 سنة، إذ يتعايش أكثر من 800 شخص من هذه الفئة العمرية مع هذا الداء. وأفاد التقرير أنّ عدد المصابين بهذا المرض من الفئة العمرية المذكورة بلغ في المغرب، خلال سنة 2022، 840 إصابة، بينما يبلغ عدد النساء المصابات، اللواتي تفوق أعمارهن 15 سنة، حوالى 9 آلاف و200 امرأة. من جانبها، دقّت وزارة الصحة المغربية ناقوس الخطر بشأن ارتفاع نسبة الذين تعرّضوا للوصم، والتي وصلت إلى 53.8%، وفق آخر إحصاءاتها الرسمية، مشيرة إلى أنّها تطمح إلى خفض نسبة هؤلاء الأشخاص إلى أقل من 15% بحلول سنة 2025، وأقل من 10% سنة 2030. وتصل نسبة الأشخاص المصابين بالإيدز الذين تمّ الكشف عنهم من دون موافقتهم، إلى أقل من 3%، وهي النسبة التي تسعى الوزارة إلى خفضها إلى صفر% سنة 2025، فيما بلغت نسبة الأشخاص المصابين بالفيروس والذين أبلغوا عن تعرّضهم للتمييز 8.5% من إجمالي عدد المصابين سنة 2022. وذكرت وزارة الصحة أيضاً، أنّها تسعى عبر خطة استراتيجية تمتد من 2024 إلى 2030، إلى تقليص الإصابات الجديدة بنسبة 90%، وتخفيض معدل الوفيات الناجمة عنه بنسبة 90%، إذ تعتمد الخطة التي أعدّتها على الوقاية، والفحص والعلاج، ومكافحة التمييز ومراعاة النوع الاجتماعي، وتشمل 21 ألفاً و500 شخص مصاب بالفيروس. جهود المجتمع المدنيوبالتوازي مع الاستراتيجيات والخطط الحكومية، يبذل المجتمع المدني في المغرب بدوره جهداً مضاعفاً لتوفير الدعم للمصابين بالإيدز، وإشعارهم بأهمية الخضوع للعلاج والاستجابة له. وفي هذا الخصوص يقول رئيس جمعية محاربة السيدا محمد جبوري لـ”النهار العربي”، إنّ جمعيته واحدة من الجمعيات التي توفّر الدواء للمصابين، وتعمل على توعيتهم بأهمية الخضوع للعلاج، ومجابهة المجتمع بكثير من القوة والتحدّي.  

 ولا ينكر جبور “الدور السلبي الذي يلعبه المجتمع المغربي المحافظ في حثّ المصابين بهذا الفيروس على التقوقع والانسلاخ عن النسق المجتمعي، وتفضيل التكتم على المرض عوض التعايش معه ومواجهته بأخذ العلاج والاستجابة له”، مُشيراً إلى أنّ هذا المرض وعلى الرغم من مُضي كل هذه السنوات على اكتشافه، لا يزال في حكم التابوات في المغرب. وعزا جبور ذلك إلى الأفكار الخاطئة المتناسلة في المجتمع بشأن المرض وربطه دائماً بالعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، فضلاً عن غياب الثقافة الجنسية في المناهج التعليمية وتفاعل نسبة كبيرة من المجتمع، بمن فيهم شريحة الشباب مع الحملات التوعوية للفيروس بنوع من السخرية أو التجاهل، فضلاً عن غياب هذه الحملات عن وسائل الإعلام العمومية بصفة دورية، عوض الصفة الموسمية التي يكتسيها تزامناً مع اليوم العالمي لهذا المرض والذي يُصادف في الأول من كانون الأول (ديسمبر) من كل سنة. وأكّد جبور لـ”النهار العربي”، أنّ العشرات من مرضى فيروس نقص المناعة المكتسبة يرفضون الاعتراف بالمرض وتلقّي العلاج لأسباب مجتمعية محضة، وبالتالي يُعرّضون حياتهم وحياة محيطهم للخطر، على الرغم من كل إجراءات إخفاء الهوية وضمان سرّية العلاج التي توفّرها الدولة. 

 ومع انتهاء سنة 2023، سيكمل المغرب 35 سنة من مكافحته لداء السيدا، محققاً انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 43% في الإصابات الجديدة، والوفيات المرتبطة بالسيدا بين سنتي 2012 و2022، وكذلك عن طريق خفض معدل انتشار العدوى الإجمالي إلى 0.07%. وفي ما يتعلق بالكشف، قالت وزارة الصحة المغربية ضمن المعطيات الرقمية التي أمدّت بها “النهار العربي”، إنّ المغرب وضع 1700 منشأة صحية، بما في ذلك 90 جماعية و70 على مستوى المؤسسات السجنية، تقدّم حالياً استشارات واختبارات فيروس نقص المناعة البشرية، حيث يتمّ إجراء ما يقارب 400 ألف اختبار لفيروس نقص المناعة البشرية سنوياً.ويستفيد الأشخاص المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية مجاناً ومن دون شروط من العلاج المضاد للفيروسات القهقرية، بحيث تضاعف 4 مرات بين سنتي 2012 و2022، “ما يضمن أنّ المغرب يملك حالياً 40 مركزاً مرجعياً للرعاية و22 مختبراً للتشخيص والرصد البيولوجي لعدوى فيروس نقص المناعة البشرية”.

التعليقات معطلة.