“أكبر مشكلة للنمو العالمي هي إفريقيا”، هذا ما قاله رئيس منظمة “روكفلر” الخيرية الدولية روشير شارما في تقرير له بصحيفة “فايننشال تايمز”، لافتاً إلى أن القارة السمراء التي تضم الآن 1.5 مليار شخص تحتاج إلى “معجزة” لتحقيق التقدم الاقتصادي وهو ما ينعكس تداعياته على العالم بأكمله.
ويقول الباحث إنه أعد بحثا بهذا الشأن وجاءت نتائجه بأن معدل النمو بين السكان الذين هم في سن العمل لا يقل عن 2% وهو شرط ضروري للنمو الاقتصادي “المعجزة”، مما يعني ضمناً وتيرة مستدامة لا تقل عن 6%.
اقتصادات شرق آسيا
ويضيف شارما “إذا كانت أفريقيا قادرة على الاستفادة من النمو السكاني بنفس الدرجة مثل اقتصادات شرق آسيا المعجزة كتايوان وكوريا الجنوبية، فإن حصتها من الاقتصاد العالمي ستكون أكبر بثلاث مرات على الأقل مما هي عليه اليوم (3%فقط)، وسيكون النمو الاقتصادي العالمي أسرع مادياً من المتوسط الأخير البالغ 2.5%.
وخلال السنوات الخمس الماضية، لم ينمُ سوى ثلاثة من الاقتصادات الأفريقية البالغ عددها 54 اقتصاداً بمعدل سنوي يزيد على 6%: إثيوبيا وبنين ورواندا، مقارنة بالعام 2010 حيث كان هذا العدد يُضاهي 12 دولة.
ولم يشهد أي اقتصاد أفريقي مكاسب تحويلية في متوسط دخل الفرد، بل وشهد نصفه انخفاضاً، بما في ذلك 3 من أكبر 5 دول في القارة وهي نيجيريا وجنوب إفريقيا والجزائر.
ويشير شارما إلى أنه على الرغم من أن القارة السمراء تزيد من أعداد السكان العاملين، إلا أنها لا تزيد نسبة الإنتاج لكل عامل، بينما على النقيض، عززت المعجزات الاقتصادية الآسيوية الإنتاج لكل عامل من خلال نقل المزارعين إلى التصنيع وغيرها.
مقارنات مخيبة للآمال
كذلك في مقارنة أخرى يقول الباحث إن القوى الصناعية السابقة مثل تايوان قد انتقلت إلى التكنولوجيا العالية، في الوقت نفسه لا تزال الآمال في أن تتمكن الدول الأفريقية من “القفز” بعد مرحلة التصنيع مباشرة إلى العصر الرقمي لم تتحقق.
ويحاول بعض مستثمري التكنولوجيا خلق ضجة حول نفس الفرص الرقمية الأفريقية التي كانوا يتحدثون عنها قبل عقد من الزمان، على سبيل المثال وضع مزود خدمات الإنترنت أو خدمات مصرفية على الهاتف، لكن ذلك لم يوفر بعد طريقاً بديلاً للازدهار.
ويلفت الكاتب إلى أن الظروف العالمية المتزايدة الصعوبة والخلل الداخلي ومعطيات أخرى لا تزال كلها تتآمر لإحباط إمكانات أفريقيا، حيث كان العامل المتوسط أكثر إنتاجية بنسبة 50% تقريباً في أفريقيا منه في شرق آسيا في عام 1960، والآن أصبح العامل النموذجي في شرق آسيا أكثر إنتاجية بثلاث مرات من نظيره في أفريقيا.
ويرجع الكاتب هذه الصعوبة إلى “القيادة”، مشيراً إلى أنه توجد 14 حكومة من أكثر 20 حكومة فساداً في العالم في إفريقيا، وهذا العدد قد ارتفع من 10 حكومات في عام 2010.
دول تجاهلت الفرص
ويضرب شارما مثالاً على ذلك وهي دولة بوتسوانا التي بحسب قوله كانت في يوم من الأيام القصة الواعدة في القارة السمراء، لكنها لم تتمكن من إيجاد طريقة للتنويع أكثر من الماس، مع أدى إلى هبوط معدل نموها الاقتصادي إلى أقل من 3%. أما في نيجيريا، التي كان من الممكن أن تكون دولة مزدهرة تعمل بالوقود النفطي، فقد تقلص متوسط الدخل فيها على مدى السنوات الخمس الماضية إلى مستويات ضئيلة.
ويقول الكاتب إنه عندما زار كينيا مؤخراً، “كان دور الصين في بناء البنية التحتية الأساسية للبلاد مرئياً في كل مكان من المعابد المقوسة التي تمتد عبر الطرق السريعة الجديدة إلى خطوط السكك الحديدية المرتفعة التي تمر عبر المتنزهات الوطنية. لكن النمو الاقتصادي لا يزال مخيباً للآمال”.
ويختتم شارما تقريره بالإشارة إلى أنه على مدى العقود الثلاثة المقبلة، سيزداد عدد السكان في سن العمل في العالم بمقدار 2 مليار، وسيبلغ ما يقرب من 80% من هؤلاء العمال سن الرشد في إفريقيا.
وهذا يعني في الواقع أن القارة السمراء هي الأمل الأخير والأفضل للمعجزات الاقتصادية في العالم. ولكن إذا لم تتمكن من تحقيق ذلك، فسيستمر النمو العالمي في الانزلاق نحو الأسفل، متأثراً بالعبء الديموغرافي.