يبدو أن الأوضاع تتجه نحو مزيد من التوتر في منطقة الشرق الأوسط، فمنذ اشتعال الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة “حماس”، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يواصل الحوثيون في اليمن شن هجمات صاروخية وبالمسيرات على سفن الشحن في البحر الأحمر التي يعتقد أنها إسرائيلية أو أميركية. ورداً على تلك التهديدات، أعلنت واشنطن عن تشكيل قوة عمل بحرية لضمان المرور الآمن للسفن، فوفقاً للمبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينج فإن الولايات المتحدة تريد تشكيل “أوسع تحالف بحري ممكن” لحماية السفن في البحر الأحمر وإرسال “إشارة مهمة” إلى الحوثيين بأنه لن يتسامح مع مزيد من الهجمات.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمس الإثنين، عن تشكيل تحالف دولي للتصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر تحت مسمي “المبادرة الأمنية المتعددة الجنسيات”. وقال أوستن، خلال زيارته البحرين التي تستضيف الأسطول الأميركي في الشرق الأوسط، إن الدول المشاركة تشمل “بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا”. وأضاف أنهم سيقومون بدوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. وذكر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان للصحافيين الأسبوع الماضي، أن واشنطن تجري محادثات مع دول أخرى في شأن قوة عمل بحرية “تضمن المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر”.
اعتبارات سياسية
لم توفر واشنطن معلومات تفصيلية في شأن ذلك التحالف الأوسع الذي تسعى إلى تشكيله وعما إذا كانت مهمته قتالية والمدى الزمني لها والدول الجاري التشاور معها، ولم ترد الخارجية الأميركية على طلب “اندبندنت عربية” بالتعليق على عدد من التساؤلات في شأن القوة المعلنة وكيف تختلف مهمتها عن “فرقة العمل المشتركة 153″، المسؤولة عن مراقبة حركة المرور البحرية في البحر الأحمر وهي الوحدة الرابعة من “القوات البحرية المشتركة”، ضمن التحالف الدولي الذي أسس بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها في حلف “الناتو” عام 2001 وتتركز مهامه في الممرات المائية من الخليج العربي إلى قناة السويس.
وإضافة إلى قوة المهام المشتركة 153 تضم القوات البحرية المشتركة ثلاثة أساطيل أخرى: قوة المهام المشتركة 150 التي تعمل “خارج الخليج العربي” في بحر عمان، وقوة المهام المشتركة 151 المتخصصة في “مكافحة القرصنة”، وقوة المهام المشتركة 152 التي تعمل في مياه الخليج العربي. ويعتبر التحالف ذراعاً لحلف شمال الأطلسي ويقوده ضابط أميركي على رأس الأسطول الأميركي الخامس في البحرين.
يوضح المسؤول السابق في البنتاغون والأستاذ لدى مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية، ديفيد دي روش، أن القوات البحرية المشتركة هي جهد شامل يقع ضمن مسؤولية القيادة المركزية الأميركية ولديها قوات عمل محددة للعمليات في الخليج العربي وبحر العرب وعمليات مكافحة القرصنة وفي البحر الأحمر.
وأضاف دي روش لـ”اندبندنت عربية” أن الرد المنطقي هو أن تشكل فرقة العمل المشتركة الإطار للعمليات في المنطقة، لكن ربما تقود الاعتبارات السياسية – وأبرزها وجود قوة بقيادة الولايات المتحدة – إلى إنشاء تحالف منفصل تتحدد مهمته في التعامل مع التهديدات الحوثية. وتابع “ربما يكون من الأفضل أن تكون الدول الإقليمية، المعرضة بشكل أكبر للخسارة نتيجة لتعطيل حركة الشحن المدني في البحر الأحمر، في قيادة أي تحالف”.
حتمية الدور المصري
والأسبوع الجاري، كشف رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، عن إعادة توجيه 55 سفينة حول طريق رأس الرجاء الصالح، الرحلة التي يزيد وقتها بنحو أسبوعين على تلك التي تمر عبر مضيق باب المندب جنوب قناة السويس، كما أبلغت أكثر من 20 سفينة عن وقوع حوادث في الأشهر الماضية، كثير منها حول باب المندب الذي يفصل شبه الجزيرة العربية عن أفريقيا.
وقالت شركتان كبيرتان للشحن إحداهما “أم أس سي” أكبر شركة لشحن الحاويات في العالم مطلع الأسبوع، إنهما ستتجنبان قناة السويس بسبب هجمات حركة الحوثي التي تسيطر على أجزاء كبيرة من اليمن. وأردفت شركة “بريتش بتروليوم” النفطية الرائدة عبر بيان لها، أنها ستعلق جميع عمليات النقل عبر البحر الأحمر موقتاً في ضوء تدهور الوضع الأمني فيه، معتبرة أن “سلامة وأمن موظفينا وأولئك الذين يعملون نيابة عنا تمثل أولوية للشركة”، لتلحق بشركات أخرى من هونغ كونغ وفرنسا وألمانيا وأخرى إيطالية – سويسرية، إضافة إلى شركة “ميرسك” الدنماركية.
وتسيطر شركة “ميرسك” على 14.8 في المئة من سوق حاويات الشحن العالمية، والقرارات، في حال استمرارها، تمثل في مجملها ضربة مؤلمة للاقتصاد المصري وكلف النقل العالمية. ويرى دي روش أن مصر ستكون الخاسر الأكبر من أي إغلاق للبحر الأحمر، بخاصة في هذا التوقيت الحرج لاقتصادها، وبالنظر إلى أن رسوم عبور قناة السويس هي أحد المصادر القليلة الموثوقة للعملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها، والتي حققت لمصر 9.5 مليار دولار في العام المالي 2022-2023. وقال “إذا استخدمت مصر جيشها لتحقيق مصالحها الوطنية، فإنني أتوقع أن تلعب دوراً رائداً في استعادة حرية الملاحة من دون عوائق في البحر الأحمر وخليج عدن”.
ويقول مدير الكلية البحرية المصرية الأسبق اللواء محفوظ مرزوق، إن مصر هي بالفعل عضو في القوة البحرية المشتركة وكانت تتولى قيادة فرقة العمل المشتركة 153 في وقت سابق من العام الحالي، إذ تتم عملية القيادة بالمناوبة كل ستة أشهر. ويضيف أن “مصر تتعاون بالفعل لأن هذا التأمين له مردود إيجابي لكن في نهاية المطاف فإن أي تحركات تخضع لقرار سياسي في الأساس”. ويرى مرزوق أنه حتى الآن فإن تأثير هجمات الحوثيين على قناة السويس محدود.
ويعد مضيق باب المندب نقطة حاسمة للملاحة عبر قناة السويس، وله قيمة استراتيجية حيوية لمصر والاقتصاد العالمي، فالمضيق الذي يبلغ عرضه 30 كيلومتراً أقصر طريق يربط بين المحيط الهندي والبحرين الأحمر والمتوسط والمحيط الأطلسي. وهو أيضاً نقطة عبور رئيسة لصادرات النفط من شبه الجزيرة العربية والخليج العربي. ويقول مراقبون إنه بسبب هذه العوامل، اتخذت مصر خطوات لتطوير قدراتها البحرية وأكدت حقها في التدخل عسكرياً لحماية أمن المضيق. وفي عام 2015 هددت مصر باستخدام القوة في حال غلقه. وقال رئيس الحكومة إبراهيم محلب، آنذاك، إن مصر لن تسمح بشكل من الأشكال بسيطرة الحوثيين في اليمن على مضيق باب المندب، مؤكداً أنها “قادرة على الرد بالطريقة التي تراها مناسبة”.
وحتى الآن أسقطت البحرية الفرنسية والبريطانية والأميركية المسيرات والصواريخ التي يطلقها الحوثيون، بينما تقول جماعة الحوثي إنها ستستهدف جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، بغض النظر عن جنسيتها.
تحدي إقناع الدول للانضمام
وتسعى الولايات المتحدة إلى إقناع الصين بالانضمام إلى قوة الحماية البحرية الموسعة التي من المفترض لها أن تنطلق من البحرين، فالصين ليست جزءاً من فرقة العمل الحالية، على رغم أنها من أكثر المستخدمين لطريق البحر الأحمر وتتمتع بنفوذ مع إيران، الراعي الرئيس للحوثيين. وناقش وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيره الصيني وانغ يي، الأسبوع الماضي، التهديد الذي تشكله هجمات الحوثيين على الأمن البحري.
ويقول مراقبون إن جهود الولايات المتحدة لتشكيل التحالف البحري تواجه تحدياً في إقناع عديد من الدول بالانضمام. فوفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، فإن إسرائيل لا يمكنها أن تكون جزءاً من هذه القوة العسكرية لأن مشاركتها ستمنع الدول العربية من الانضمام إليها. ويعتقد دي روش أن لدول الخليج ديناميكيتها الخاصة التي يجب أخذها في الاعتبار، فعلى سبيل المثال تسعى السعودية إلى التفاوض على سلام دائم مع الحوثيين، لذلك ربما لا تلعب دوراً نشطاً في التحالف كما كان متوقعاً، لكن قد تقرر دول أخرى المشاركة، بسبب الكلفة المالية لهجمات الحوثيين على طرق التجارة، بما في ذلك قطر والصين.
تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية
ورداً على أنباء سابقة في شأن تشكيل تحالف بحري ضدهم، توعد الحوثيون باستهداف الأصول البحرية الأميركية وغيرها إذا تم نشر مثل هذه القوة، وزعموا أيضاً أنهم قد يحاولون إغلاق مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي من البحر الأحمر. ووفق معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، يتوقع عديد من المراقبين أن تتدخل إيران قريباً لتحسين عمليات الاستهداف التي يقوم بها الحوثيون، سواء من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية في الوقت المناسب أو من خلال تعديل أنظمة الملاحة الصاروخية الخاصة بالحركة. وقد تزودهم طهران أيضاً بالنسخة الانتحارية للطائرة المسيرة “شاهد-136” التي تم تطويرها أخيراً برأس باحث كهروضوئي، يجعلها قادرة على البحث عن هدف متحرك ومهاجمته بدقة.
ويسيطر الحوثيون على محافظة الحديدة، التي تضم معظم ساحل اليمن على البحر الأحمر وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، التي تتعامل مع نحو 70 في المئة من واردات البلاد والمساعدات الخارجية. ومع ذلك، تسيطر الحكومة المعترف بها دولياً على أجزاء من محافظة تعز قرب مضيق باب المندب، فضلاً عن الساحل الطويل لخليج عدن. ومن أجل استعراض قوتها جنوباً، يتعين على القوات البحرية الحوثية إما الإبحار عبر المضيق المزدحم أو استخدام “السفن الأم” الموجودة أساساً في خليج عدن.
وحذرت إيران من التعاون مع الولايات المتحدة ضد جماعة الحوثي، وفي حين نفت طهران سابقاً أن تكون أصدرت أوامر للجماعات المسلحة بشن هجمات ضد القوات الأميركية والسفن التجارية، دافع مستشار المرشد الإيراني للشؤون السياسية علي شمخاني، عن هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر، ووصفها بـ”الشجاعة” بحسب وكالة “إيسنا” الحكومية. وقال شمخاني إن تحركات الحوثيين لـ”تقييد حركة السفن من وإلى إسرائيل تضغط على الشريان الحيوي للكيان الصهيوني”. وأضاف أن “انضمام أي بلد للائتلاف الأميركي لمواجهة هذه الأعمال، مشاركة مباشرة في جرائم الكيان الصهيوني”.
وإضافة إلى تشكيل فرقة عمل بحرية دولية تكون مفوضة بالانخراط في العمل القتالي الدفاعي عند الضرورة، يوصى الزميل لدى معهد واشنطن فرزين نديمي، وهو مؤلف دراسة بعنوان “الجيل القادم من الصواريخ الباليستية الإيرانية”، بإقناع الجهات مثل “القوات البحرية المشتركة” و”التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية” وذراعه المعنية بالعمليات، “قوة التحالف المشتركة” (سنتنل)، بإنشاء قدرة شبكية للدفاع الجوي والصاروخي في البحر الأحمر، وكذلك ضرورة إعادة تصنيف حركة الحوثيين كـ”منظمة إرهابية أجنبية” وفرض مزيد من العقوبات الأميركية والضغط على هيئات “الأمم المتحدة” ذات الصلة لإعلان أنشطة الحوثيين في المياه الدولية أعمالاً إرهابية بحرية وفقاً لـ”اتفاق قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية” لعام 1988.
توسيع عمل الفرقة 153
ومع ذلك، يرى مدير مركز القوة العسكرية والسياسية لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات برادلي بومان، أنه بدلاً من إنشاء فرقة عمل جديدة من الصفر، يجب على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استخدام فرقة العمل المشتركة 153 الحالية لبناء جهد دولي أكبر بشكل عاجل لحماية السفن التجارية التي تبحر قرب اليمن واعتراض تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين. ويمكن أن يساعد ذلك على ردع الهجمات وهزيمتها وكذلك الدفاع عن حرية الملاحة وتدفق التجارة من دون عوائق عبر أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
ويوضح بومان أن هجمات الحوثيين تستهدف السفن بغض النظر عن جنسيتها أو جنسيات الطواقم التي تقودها. فعلى سبيل المثال في الـ19 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هاجم الحوثيون السفينة “جالاكسي ليدر”، التي يقال إنها سفينة يابانية ترفع علم جزر البهاما ومملوكة لبريطانيا، وكان على متنها أفراد طاقم من الفيليبينيين والبلغاريين والرومانيين والأوكرانيين والمكسيكيين. ويقول إنه نظراً إلى مصالحها في البحر الأحمر ينبغي على مصر والسعودية وإسرائيل المساهمة، وتعتبر الإمارات والبحرين مرشحتين واضحتين أيضاً، لعلاقتهما مع الولايات المتحدة واهتمامهما بحرية الملاحة في الشرق الأوسط، فضلاً عن عضويتهما في القوات البحرية المشتركة. ومن بين دول أخرى يتعين على دول مجموعة السبع: كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة، أن تدعم أيضاً فرقة العمل، نظراً إلى مصالحها الاقتصادية في المنطقة وعضويتها في القوة العسكرية المشتركة.
ويضيف أنه “من الممكن أن تؤدي مثل هذه المشاركة الواسعة إلى تخفيف العبء عن أي دولة وإرسال رسالة لا لبس فيها إلى الحوثيين وراعيهم في إيران مفادها أنه لن يتم التسامح مع الهجمات على السفن التجارية، كما ينبغي على واشنطن أيضاً أن تستكشف ما إذا كانت فرقة العمل الموسعة هذه – أو مجموعة فرعية منها – يمكنها أيضاً اعتراض الأسلحة التي تقوم إيران بتهريبها إلى اليمن، إضافة إلى ضمان المرور الآمن للسفن التجارية التي تبحر عبر البحر الأحمر. ففي نهاية المطاف إذا استمر الحوثيون في التمتع بإمدادات موثوقة من الأسلحة من طهران، فيمكن توقع استمرار مثل هذه الهجمات”.