فسحت الجزائر في الأشهر الأخيرة المجال أمام زيارة المبعوثين الأمميين المعنيين بحقوق الإنسان، في خطوة غير معهودة، تريد من خلالها الردّ على تقارير دولية استهدفتها، وأثارت في معظم الأحيان غضبها واستياءها، بسبب الانتقادات التي تطالها في مجال حقوق الإنسان. آخر خطوة سُلّط عليها الضوء بشكل لافت وشكّلت محور نقاش واسع في وسائل الإعلام المختلفة، زيارة المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولور، في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، والتي التقت أعضاء من الجهاز التنفيذي وممثلين عن المجتمع المدني، وزارت الكثير من مدن البلاد. زيارات غير مسبوقة وفي ختام زيارتها، شكرت لولور الحكومة الجزائرية على “دعوتها”، وأيضاً “الجهود الاستثنائية التي بذلتها من أجل تسهيل هذه الزيارة المثمرة”، وقالت إنّها سترفع تقريراً مفصّلاً عن زيارتها إلى مجلس حقوق الإنسان الأممي في آذار (مارس) 2025. ومما قالته لولور إنّ “الحكومة الجزائرية أكّدت بوضوح أنّها على استعداد للالتزام كما ينبغي بالمسائل المتعلقة بالمدافعين عن حقوق الإنسان، وقد كان بإمكانها عدم الاستجابة لطلبي كما فعلت دول أخرى”. “التزام بنّاء”ومن الرسائل الإيجابية الأخرى التي مرّرتها لولور وقد تدعم موقف الجزائر على الصعيدين الوطني والدولي في حماية حقوق الإنسان، تعاملها بجدّية مع الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، والعمل من أجل حماية أفضل للمدافعين عن حقوق الإنسان. وحسبما أوردته المقرّرة الأممية فإنّ “الغالبية العظمى من الاجتماعات التي أجربتها جرت جميعها في جو من الاحترام المتبادل والالتزام البنّاء”. زيارة لولور ليست الأولى من نوعها، ففي نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، حلَّ في الجزائر مقرّر الأمم المتحدة المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات كليمان نياليتسوسي، على رغم استمرار انتقادات المنظمات الدولية لوضع الحرّيات في الجزائر، واستقبله وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي، كما التقى أعضاء في البرلمان بغرفتيه وممثلين عن السلطة القضائية وهيئات الرصد وأعضاء فريق الأمم المتحدة المعتمد في البلاد وآخرين من نشطاء وصحافيين ومحامين ونقابات وتشكيلات سياسية. انفتاح جزائري وقرأ متتبعون للمشهد السياسي في البلاد الزيارات غير المسبوقة للهيئات الحقوقية الدولية، على أنّها انفتاح جزائري بعد سنوات من الانغلاق. ويقول الأستاذ والباحث في قسم العلوم السياسية والإعلام في جامعة بسكرة جدو فؤاد لـ”النهار العربي”، إنّ “الزيارات المتعاقبة لمقررين أمميين تبرز بوضوح تحوّلاً في سياسات الجزائر بالانفتاح على هذه المنظمات وأيضًا الردّ بالآليات التي اعتمدتها، وأنّها لا تخفي شيئاً رغم بعض النقائص”. وفي معظم الأحيان، ترفض الجزائر زيارات وفود من منظمات غير حكومية حقوقية، حتى أنّها ترفض التقارير التي تُصدرها بين الحين والآخر لأنّها في الغالب تتعاطى مع الوضع الحقوقي بنبرة نقدية، في وقت تؤكّد السلطات الجزائرية أنّها تبذل جهوداً كبيرة لتحسين حقوق الإنسان في البلاد، وهو ما رافع من أجله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في أيلول (سبتمبر) الماضي، خلال كلمة ألقاها لمناسبة الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة. ودافع رئيس مجلس حقوق الإنسان عن الحوكمة وسيادة القانون وتعزيز حقوق الإنسان في البلاد عبد المجيد زعلاني، خلال ردّه على ندوة احتضنها البرلمان الأوروبي بشأن حقوق الإنسان في الجزائر في إطار حوار القارة الأوروبية مع جوارها الجنوبي. “كذبة القرن”!وقال زعلاني إنّ “الجزائر حقّقت تقدماً كبيراً في مجال حقوق الإنسان بشهادة الأمم المتحدةّ، لا سيما من حيث الحق في التعليم والرعاية الصحية والسكن اللائق وإيصال الكهرباء والغاز الى المنازل”، مشيراً إلى أنّ المواضيع الأخرى المتعلقة بالحرّيات فُتحت فيها ورش إصلاح كبرى بعد دستور سنة 2020 من أجل الوصول إلى جزائر جديدة، وهو شعار عهد الرئيس تبون. ورأى أنّ الكثير من المعلّقين على الوضع الحقوقي في الجزائر “يقعون في فخ التسرّع”. وطالب بإمهال الجزائر وقتاً إضافياً، “فالديموقراطيات على النمط الغربي استغرقت أكثر من 3 قرون للوصول إلى ما هي عليه اليوم”. ونفى زعلاني أن يكون في الجزائر سجناء رأي مثلما نقلت منظمات حقوقية غير حكومية، قائلاً إنّ “حرّية التعبير لا تعني إطلاقاً الانفلات من كل الضوابط”. وتتطابق تصريحاته مع تصريحات الرئيس تبون الذي وصف ما يُثار عن سجناء الرأي بأنّه “كذبة”، معتبراً أنّ من المحبوسين حالياً من حوكموا بجرائم تتعلق بالحق العام. وأكّد أنّ حرّية التعبير لا تعني الانفلات من كل الضوابط. ويتماهى ذلك مع ما سبق للرئيس تبون التصريح به، إذ وصف ما يُثار عن “سجناء الرأي” بأنّه “كذبة القرن” في الجزائر.
التعليقات معطلة.