جويس كرم
قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل الأسبوع الفائت يعبر عن طيش سياسي وغياب إستراتيجي لواشنطن في قراءتها الإقليمية. وهو إذ يفيد الجمهوريين داخلياً وفي أوساط الإنجيليين، فهو في إطاره الأكبر لا يلبي مصلحة أميركية واحدة في الشرق الأوسط.
ترامب لم يحسب تداعيات القرار الإقليمية والدولية، بل قاسه بميزان شخصي يعطيه نقاطاً انتخابية في أوساط اليمين الإنجيلي، ويجعله لوهلة يبدو بموقع أكثر شجاعة من الرؤساء السابقين منذ ١٩٩٥ الذين أيدوا الفكرة إنما لم يوقعوا القرار. فلا الحسابات السياسية الدقيقة موجودة في هذه الإدارة ولا الرئيس يصغي لوزير خارجيته ريكس تيلرسون أو وزير دفاعه جايمس ماتيس اللذين كانا غائبين عن خطاب القدس ولم يحضره إلا نائب الرئيس المقرب من الإنجيليين مايك بنس.
فالإعلان بحد ذاته لا يعبر عن ذكاء جيو إستراتيجي بقدر ما هو قنبلة إعلامية وسياسية تفيد ترامب وتلهي عن تحقيقات روبرت مولر والإخفاقات المتراكمة للإدارة طوال العام. أما إقليمياً فهو هدية من أميركا إلى خصومها وخصوصاً إيران وحزب الله، وأيضاً يعطي زخماً للشعبوية الإسلامية في تركيا التي كان ترامب يحاول عزلها. ففي وقت تستعد إيران وحلفاؤها على الأرض في العراق وسورية إلى مرحلة ما بعد الحرب وإعادة تعريف نفسها إقليمياً بعيداً عن طائرات بشار الأسد والاقتتال الفئوي، مد لها ترامب يد العون بتقديم وعلى طبق من فضة خطاباً جديداً محوره القدس يساعد في قلب الصفحة واستعادة بعض النفس الإقليمي.
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فالقرار وعدا عن السفارة «الرائعة» التي يريد تشييدها ترامب في القدس، فهو يعزل الإدارة في المحيط العربي ويضعف جهودها لتحسين علاقات إسرائيل بدول عربية وإيجاد مظلة عربية لعملية السلام. فاليوم، يسابق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأميركيين إلى المنطقة في جولة إلى مصر وتركيا تبدأ غداً، في حين ألغى شيخ الأزهر وقيادات فلسطينية اجتماعاتها مع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس خلال عشرة أيام. ولا يبدو أن هناك خطة أميركية في عملية السلام أو أي تصور واقعي للحل.
فحتى الأسبوع الفائت كان صهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنر ما زال «يستمع إلى أفكار» ويشيد بفريقه المؤلف من دينا حبيب باول وجايسون غرينبلات. باول أعلنت بعد ٤٨ ساعة من القرار عن استعدادها لمغادرة البيت الأبيض، ليصبح بذلك كوشنر من دون نصف الفريق ومن دون إستراتيجية. أما المظلة العربية التي يريدها ترامب غطاء لعملية السلام، فهي لن تأتي على خلفية قرارات انفرادية وعشوائية تهدد إحدى القضايا الأهم في الحل النهائي. ولا توجد دولة عربية واحدة اليوم مستعدة لبيع الإدارة ما تريد على حساب الخطوط العريضة في القضية الفلسطينية، ليس حباً بالفلسطينيين، بل لأن الرأي العام الإقليمي والدولي ليس مع هكذا تصفيات.
وعليه يتخبط ترامب في منخفضات الشرق الأوسط، تارة في العراق وسورية ملوحاً بالتصدي لإيران من دون وجود إستراتيجية عملية لذلك، وتارة أخرى في القدس مغازلاً إسرائيل ومتعهداً السلام من دون أفكار ملموسة للحل أو حتى لبدء المفاوضات.
فالرئيس الأميركي هو تاجر بالفطرة وهمه الأول والأخير حب الظهور وصنع العناوين. وعنوان القدس كان مثالياً من هذا المنطلق، وسيساعد ترامب والجمهوريين في الانتخابات النصفية في ٢٠١٨ على حساب هدف السلام. إذ يمحو القرار بالكامل خطوط اتفاق أوسلو ويضع نهجاً أميركياً آحادياً في سكة المفاوضات، على الأرجح سيتوقف في نصف الطريق وبعد أن يجد ترامب عنواناً آخر يرمي به بعرض الحائط السياسات التقليدية، ويدغدغ مشاعر قاعدته الانتخابية من دون أن يوقف التراجع الأميركي إقليمياً.