إسرائيل تدمر آخر كنيسة كاثوليكية في غزة

2

الهجوم أثار غضب البابا فرنسيس مؤكداً أنه حان الوقت لإنهاء “هذا الصراع العقيم”

عز الدين أبو عيشة مراسل 

مبنى كنيسة العائلة المقدسة وسط مجمع دير اللاتين المسيحي الكاثوليكي شرق غزة (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة) 

كانت ناهدة أنطون تحاول الانتقال من مبنى كنيسة العائلة المقدسة والتوجه إلى مجمع الرعية الموجود في حرم دير اللاتين، الذي يقع شرق مدينة غزة، عندما أطلق عليها قناص إسرائيلي رصاصة صوبها نحو قلبها، أودت بحياتها على الفور.

ضحايا وإصابات وغارات

من بعيد شاهدت ابنتها سمر المشهد، وهُرعت لساحة مجمع دير اللاتين محاولةً إنقاذ أمها ناهدة، لكنها هي الأخرى كان ينتظرها نفس المصير، إذ أطلق جندي إسرائيلي صوبها رصاصة وسقطت ضحية.

على الفور عمت الفوضى في الدير المسيحي وحاول النازحون الذين يتحامون في المكان التدخل لإنقاذ السيدتين، إذ إن بعض الشباب شكلوا درعاً لحماية الآخرين، لكن القناص أطلق الرصاص صوبهم، وتسبب في إصابة 10 آخرين.

وأطلقت دبابة إسرائيلية ثلاث قذائف على دير اللاتين، وتسببت في أضرار بليغة للغاية، ونتج عنها اشتعال النيران وتصاعد عمود دخان أسود كثيف، وتدمير سقف كنيسة العائلة المقدسة.

مجمع دير اللاتين

يقع دير اللاتين شرق غزة، وهو مجمع مسيحي يتبع للطائفة الكاثوليكية، له أسوار غير مرتفعة، ومبني منذ ستينيات القرن الماضي من الحجر الجيري، ويضم داخل حرمه كنيسة العائلة المقدسة، ومدرستين ابتدائية وثانوية، وكذلك بيت راهبات الأم تريزا، ومجمع الرعية، وعيادة طبية متكاملة.

وتعد كنيسة العائلة المقدسة هي الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في قطاع غزة، وتديرها بشكل مباشر البطريركية اللاتينية في القدس، وينتسب لها نحو 600 كاثوليكي، ويشكل هؤلاء آخر الطوائف المسيحية المتبقية في الأراضي الفلسطينية.

أما مجمع الرعية، فهو موطن للمبشرين الخيريين، وهي جماعة أسستها الأم تيريزا مخصصة لخدمة المرضى والمعاقين، وفي ذلك المكان يعيش 54 شخصاً من ذوي الإعاقة تقوم على رعايتهم راهبات من مختلف الجنسيات.

أول قذيفة

وبحسب كاهن كنيسة دير اللاتين الأب غابرييل رومانيلي، فإن أول قذيفة أطلقتها الدبابة أصابت مجمع الرعية ودمرت أجزاء منه، لكن من دون أن يصاب أحد من ذوي الإعاقة الذين اضطروا إلى المغادرة، وهذا حرمهم من أجهزة التنفس التي يحتاج إليها بعضهم للبقاء على قيد الحياة.

3.jpg

الهجوم الإسرائيلي جاء بدون سابق إنذار (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة) 

ويقول رومانيلي “دمرت قذيفة أخرى خزان الوقود والمولد الكهربائي، كما ألحق أضراراً بالدير نتيجة الانفجار والحريق الهائل واستهدفت قذيفة ثالثة الدير وجعلته غير صالح لأي شيء، وبسببها تطايرت الشظايا ودمرت الألواح الشمسية وخزانات المياه، التي لا غنى عنها للعيش”.

ويوضح رومانيلي الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة أن النار اشتعلت في جميع أرجاء دير اللاتين، وتصاعد عمود دخان أسود من المكان، وانهار سقف كنيسة العائلة المقدسة وبيت راهبات الأم تريزا، وبسبب هذه المشاهد خاف النازحون في المكان وأصيبوا بالذعر.

تضرر المرافق المسيحية

يأوي دير اللاتين نحو 600 نازح، وهؤلاء يشكلون نصف أعداد المسيحيين في غزة البالغ 1200 شخص، فيما يتحامى 300 آخرين في جمعية الشبان المسيحية، ومثلهم في كنيسة الروم الأرثوذكس.

اقرأ المزيد
  • مجلس الأمن يوافق على زيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة من دون عوائق
  • إحصاء عدد القتلى… معركة أخرى في غزة
  • كيف حطمت رصاصة قناص آخر ملاذ آمن داخل الكنيسة الكاثوليكية في غزة

تعرضت جمعية الشبان المسيحية في 16 ديسمبر (كانون الأول) الجاري لقصف عنيف وبسببه ارتقى ستة من بين النازحين الذين تشردوا جميعهم، وفي 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، استهدفت المقاتلات الإسرائيلية كنيسة الروم الأرثوذكس وسقط 18 فلسطينياً.

ويؤكد بشدة الأب رومانيلي أن الهجوم الإسرائيلي كان من دون سابق إنذار، ويستنكره قائلاً “لا يوجد مقاتلون مجمع دير اللاتين، لماذا لم يتم تقديم أي تحذير، لقد أُطلق النار علينا بدم بارد”.

حصار وضغط للإخلاء

أغضب هذا الاعتداء الإسرائيلي، البطريركية اللاتينية في القدس، واعتبرته فعلاً خطراً، يقول بطريرك القدس للاتين بييرباتيستا بيتسابالا “ما أقدمت عليه إسرائيل يعد حدثاً إجرامياً بشعاً يستهدف المدنيين الأبرياء، الذي جاء في الوقت الذي فيه تستعد الكنيسة لعيد الميلاد”.

ويضيف بيتسابالا “على إسرائيل وقف استهداف الأماكن المحمية بموجب القوانين والمواثيق الدولية في وقت الحروب، بما في ذلك دور العبادة منها الكنائس والمساجد، هذه المطالب جزء التزام البطريركية بحقوق الإنسان، لذلك يجب وقف مأساة القتل العشوائي من خلال القصف والقنص”.

وبحسب بطريركية اللاتين فإن الجيش الإسرائيلي ما زال يحاصر الدير وطلب من بطريرك القدس إخراج العائلات اللاجئة من كنيسة العائلة المقدسة، لكن بيتسابالا رفض الأمر العسكري الإسرائيلي، لأن الخروج ليس آمناً وكذلك البقاء.

يوضح بيتسابالا أن العائلات فضلوا الموت في الكنيسة على الموت في الشارع، لافتاً أن البطريركية ستستمر بالقيام بدورها الإنساني والأخلاقي بإيواء جميع المدنين في كنائسها والمؤسسات التابعة لها في غزة على الرغم من من الضغوط التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية من أجل تفريغ هذه الملاجئ.

اهتمام دولي

وحظي ما حدث في كنيسة العائلة المقدسة باهتمام دولي، وعقب بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس على ذلك الحدث بالقول “تل أبيب تستخدم أساليب ‘الإرهاب’ في قطاع غزة، لقد حان الوقت لإنهاء هذا الصراع العقيم”.

وأضاف البابا فرنسيس “ما زلت أتلقى أخباراً خطرة ومحزنة للغاية في شأن غزة، فالمدنيون العزل هم أهداف للقنابل وإطلاق النار، البعض يقول إنها الحرب، نعم، إنها الحرب والإرهاب في الوقت نفسه”.

1.jpg

لا يوجد أي مبرر للهجوم على الكنيسة (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة) 

من جهته، قال منسق مجلس الأمن القومي الأميركي جاك كيربي “كل وفاة بين المدنيين هي مأساة، لقد كنا واضحين للغاية في أننا نعتقد أنه يجب بذل كل جهد ممكن لمنع سقوط ضحايا من المدنيين، للأسف، يبدو ما حدث في كنيسة العائلة المقدسة محزناً، لا يوجد أي مبرر لحدوث ذلك قطعاً”.

تبرير إسرائيلي

في إسرائيل، برّر المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري ما جرى في مجمع دير اللاتين، قائلاً “أنهينا إجراء مراجعة أولية للحادثة، ووجدنا أن عناصر (حماس) أطلقوا قذيفة صاروخية على قوات الجيش الإسرائيلي من محيط الكنيسة، حددت القوات بعد ذلك ثلاثة أشخاص في المنطقة المجاورة، يعملون كمراقبين للحركة، ورداً على ذلك، أطلقت قواتنا النار على عناصرها”.

وأضاف المتحدث “نأخذ مزاعم الضربات على مواقع حساسة على محمل الجد، وبخاصة الكنائس، نوجه عملياتنا ضد (حماس) وليس ضد المدنيين، بغض النظر عن انتمائهم الديني، نتخذ عديداً من التدابير للتخفيف من الضرر الذي يلحق بالمدنيين في غزة”.

التعليقات معطلة.