السّيارة في سوريا عبء على صاحبها.. لا قطع غيار ولا صيانة

1

ورشة لتصليح السيارات

يملك السوري أحمد شاكر سيارة audi a4 ألمانية صنعت عام 2010، قياساً إلى عمر السيارات العالمية يفترض أنّها ليست ذات قيمة كبيرة، يقول شاكر، “ولكنّها في بلدنا تعتبر من بين الأحدث والأغلى ثمناً، وسوى ذلك فهي درّة الإنتاج الألماني، ولكنّ المشكلة أنّ صيانة هذه السيارة التي صارت عجيبة باتت تبدو أمراً صعباً ومرهقاً وفوق القدرة، حتى لو كان الإصلاح لمسجّلتها فقط”. يتحدث شاكر عن المعاناة التي يواجهها أمام كل عطل يصيب سيارته مهما بدا بسيطاً ولا يحتاج خبرات عالية لإصلاحه، وذلك إثر معاناته مشكلات كهربائية في منظومة السيارة، ويوضح: “كلما اهتديت إلى (معلم) صيانة يخرّب في السيارة أكثر مما يصلّح، حتى صارت السيارة بحاجة أن تزور بلدها الأم لصيانتها، ما المعقد فيها؟ أنا سأخبرك، المعقد أنّ سوريا بعد الحرب لم يعد فيها (معلمو) صيانة محترفون، كلهم ماتوا أو هاجروا أو قضت الحرب عليهم بشكل أو بآخر فتركت قلّة قليلة”.
من مئة دولار إلى ألفمؤيد نصراني مالكٌ آخر لسيارة من نوع “مرسيدس 190” تُعرف في سوريا شعبياً باسم “فرخ الشبح”، ورغم أنّ عام صنعها يرجع إلى ثمانينات القرن الماضي، ما زالت تحظى بحضورها واسمها في السوق، وسعرها لا يقل عن 15 ألف دولار وصعوداً، ولكنّها كذلك تعاني ما تعانيه مثيلاتها من السيارات. نصراني زار أكثر من عشر ورش لصيانة سيارته إثر صوت قوي كان يدوي من المحرك عند تشغيلها، وتكبّد الكثير من المال في سبيل تصليحها، ولكنّ المشكلة كانت تتفاقم في كل مرة، يقول: “كنت في صوت يخرج من المحرك وانتهى الأمر بي مبدّلاً كامل المحرك بثمن تجاوز ألف دولار نظير مشكلة ربما كان حلها سيتطلب أقل من مئة دولار لو عثرت على من يتقن الصنعة بجدٍّ”.

العثور على القطع المناسبة مشكلة في حد ذاته
السيد الكوريمشكلة صيانة السيارات في سوريا لا تقتصر على الألمانية منها خصوصاً أو الأوروبية عموماً، رغم ندرتها النسبية في الشوارع، بل تطال السيارات الكورية وهي التي تعرف بـ”ملح السوق”، فالإنتاج الكوري سيطر على السوق السورية منذ مطلع الألفية الحالية حتى تخطت نسبتها 70 إلى 80 في المئة من عموم السيارات التي ما زالت تعمل. ثورة “الكوري” في سوريا أرخت بظلّها واضحاً خلال الحرب السورية بفضل أسعارها التي كانت متدنية مطلع الحرب وقطع غيارها المتوافرة في كل مكان، والتي ما زالت متوافرة وبكثرة نسبية، علاوةً على أنّ حالة جمعية قادت السوريين إلى الاستثمار في هذه الفئة كرديف تخطى مراراً الادخار بالذهب والدولار. سعر سيارة “كيا سيراتو” المصنعة عام 2010 تحت اسم “فورتي” بلغ اليوم أكثر من 25 ألف دولار، وهي التي تقدم الخدمة الأسوأ قياساً بالسعر المرتفع، متغلبةً في سعرها على السيارات الألمانية والتشيكية واليابانية حتى. الإنتاج الكوري بشكل أو بآخر ارتبط ارتباطاً مذهلاً بحركة الدولار، فمقابل صعود ثمن كل سيارات أخرى ألف دولار مثلاً، كانت تصعد السيارات الكورية ثلاثة أو أربعة آلاف دولار، ما جعلها تهيمن كخيار تجاري على مستوى الأفراد حتى.
“ملح السوق” يعاني أيضاًانتشار الصناعة الكورية وطغيانها ووفرة قطعها لم يجعل لها حظوة في التصليح، فهي كذلك تخضع لسوء منشئها ولتجريب الورش التي يقول زبائن كثر إنهم دخلوها بمشكلة وخرجوا بمشكلات متعددة. “صرت أعاني فجأةً من صرف زائد في البنزين، زرت أكثر من ورشة غيرت عبوات الاحتراق ومضخات البخ وشرائط التغذية وعبوة الوقود الدافع ولكنّ شيئاً لم يتغير، ثم في النهاية تبين أنّ المشكلة في (حسّاس البيئة) ببساطة، وخلال تلك الرحلة دفعت نحو مئتي دولار، وكانت كل المشكلة تُحلُ بربع هذا الرقم، لم يعد لدينا معلمون ثقاة ومهرة”، يقول جورج نخيلاتي خلال حديثه إلى “النهار العربي” عن رحلته التي استغرقت أسبوعين بين الورش.أبسط المشكلات.. معقدةوفي حوش بلاس وهي المدينة الصناعية لدمشق وريفها، التقى “النهار العربي” فؤاد الحمصي الذي يملك سيارة من نوع “بروتون جين تو” وهي سيارة ماليزية محسوبة بشكل ما على الكوري في سهولة صيانتها النظرية.ولكنّ فؤاد كان هناك لليوم الرابع على التوالي وهو يبحث عن أبسط قطعة في السيارة وهي مؤشر قراءة البنزين داخل مضخة الوقود، المؤشر هو عبارة عن “فواشة” صغيرة تتمكن من قياس كمية البنزين لترسلها إلى تابلوه السيارة ليعرف قائد المركبة كم يملك من الوقود. فؤاد في رحلته المضنية لم يعثر إلّا على “فواشات” صينية لم ينصحه أحد بها، ولم يكفلها أحد، يقول: “الوحيد الذي قبل أن يكفل القطعة هو بائع ولمدة ساعتين فقط، تخيل رداءة البضائع لدينا”. اهتدى فؤاد إلى وكيل غير رسمي وشبه وحيد لقطع سيارته في مدينة أخرى، تواصل معه وشرح له المشكلة، فأجابه: “القطع الصينية فعلاً لن تعمل معك إلا لساعات قليلة، الحل أن نشتري مضخة أوروبية كاملة من لبنان تكون مستعملة وسعرها بحدود مئة دولار، إما نركبها كاملة أو نحصل على ما نريده من داخلها، ولكن بكل الأحوال ستشتريها كاملة”.
“يا محلاها قبل الصيانة!”مشكلة فؤاد تلك أعادتنا لنسأل مالكي السيارات الكورية عن فعالية القطع التي يحصلون عليها لسياراتهم على باعتبار توافرها الدائم، معظمهم أفاد بأنّ القطع تعمل لأسابيع وأحياناً لأشهر ثم تتعطل من جديد. وفي هذا السياق روى أحد مالكي السيارات واسمه حاتم بريدا عن مشكلات واجهها السنة الماضية في سيارته بينها ضعف عزمها وزيادة مصروفها وتأخر استجابتها للدوران.يقول: “بعدما مللت الإجراءات الفردية، قررت أن أذهب إلى ورشة صناعية شهيرة وهناك نقوم بإجراء (إنزال المحرك) وهو يعني نسبياً استبدال كل القطع الممكنة داخله ومعالجة كل تلف وخلل، بدلت كل ما يمكن وضمناً الحساسات والأقشطة، وفعلاً تكلفت الكثير من المال عليها، ثم حين انتهينا وركبنا المحرك وجربت السيارة خلال الأيام اللاحقة وجدتها أسوأ مما كانت عليه”. يضحك ويضيف: “كانت يا محلاها قبل الإصلاح، بعتها بعد شهر”.
سوق غير مخدمواحد من أكثر التفاصيل المرهقة في سوق العمل السوري هو مجمل ما يتعلق بصيانة السيارات، مع الأخذ في الاعتبار أن سوريا بحكم العقوبات الدولية لم تعد تستورد سيارات بعد عام 2011 وهو تاريخ دخول آخر شحنة حديثة باستثناء حالات قليلة جداً ومحدودة ولها سبلها التي تتعلق باستيرادات شخصية وفردية، وهي تكاد لا تلحظ بين زحمة القديم. هذا الأمر جعل السيارات في السوق خردة بالية وقديمة وتحتاج زيارات مستمرة دونما انقطاع للصيانة، فثمة سيارات ترجع إلى سبعينات القرن الماضي ما زالت تعمل، تلك سيارات صار عمرها خمسين عاماً.السيارة التي تُفقِرُ صاحبهاتلك المشكلات تجعل السوري اليوم يدخل (الصناعة) لحل مشكلة بسيطة فيجد نفسه لقلة خبرة الورش والفنيين بعد فترة محتاجاً لإجراء صيانات من النوع الثقيل الذي قد يؤدي أحياناً إلى تبديل المحرك كاملاً أو تبديل كهربائية السيارة، ما أوصل كثراً إلى مقولة صارت رائجة: “السيارة في سوريا تُفقِرُ صاحبها”.

التعليقات معطلة.