​ظاهرة باعة الشّوارع في الجزائر عصيّة على الحل.. تطردهم الدّولة إلى خارج المدن فيعودون

1

سوق في وسط الشارع

تعاني الجزائر في السنوات الأخيرة من انتشار الباعة والتجار العشوائيين الذين يمارسون نشاطهم التجاري خارج إطار القانون، على قارعة الطريق وفي الساحات وبجانب الأسواق وفي كل الأماكن العامة. وقد سعت الدولة إلى إنشاء أسواق خاصة لهؤلاء، وسجلات تجارية، لكنهم رفضوا ذلك خشية إجبارهم على دفع الضرائب، كما غادروا أسواقهم الجديدة للعودة إلى الشوارع. ولم يبق أمام السلطات الرسمية سوى استخدام القوة لإبعادهم من الأماكن العامة والحد من الفوضى التي تعم عدداً من المدن، وخصوصاً العاصمة التي انتشرت في شوارعها هذه الظاهرة انتشاراً لافتاً. وعادة ما تؤدي عمليات الإبعاد إلى مصادرة البضائع التي يقتات من بيعها هؤلاء، وهو ما يخلق حالة من الصدام والفوضى في الشوارع في كل مرة تتم فيها ملاحقة هؤلاء الباعة. مسؤولية الدولةوفي هذا الإطار يرى الباحث في المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق مروان السراي، في حديث إلى “النهار العربي”، أن ظاهرة الباعة المتجولين سببها بالأساس انتشار البطالة والاضطرار إلى البحث عن مورد الرزق خارج الإطار القانوني المنظم. فالوظيفة العمومية والقطاع الخاص المنظم في البلدان المغاربية كلاهما بات عاجزاً، بحسب السراي، عن استقطاب الشباب ودمجهم في الدورة الاقتصادية الطبيعية المنظمة والمقننة، حيث دافعو الضرائب الملتزمون بواجباتهم الجبائية. ويضيف: “إذا كان الأمر مفهوماً بالنسبة إلى دولة مثل تونس عاشت ثورة طيلة أكثر من عشرية واضطرابات أمنية واجتماعية عديدة وتعطل فيها الإنتاج، أو لبلد مثل المغرب قليل الثروات الطبيعية والموارد وكثير السكان، فإن الأمر يبدو غير مفهوم بالنسبة إلى الجزائر الغنية بالثروات والتي يرقد شعبها على بحار من المحروقات، وخصوصاً الغاز الطبيعي. كيف ترتفع نسب الفقر والبطالة في هذا البلد وينافس شعبه جاريه المغاربيين على الهجرة إلى الخارج سعياً وراء لقمة العيش ويضطر شبابه وكهوله إلى امتهان مهن بسيطة بالكاد تسد الرمق وخارج إطار القانون لعدم القدرة على القيام بالواجب الجبائي؟”. يفسر البعض ذلك بحجم الفساد المستشري في الدولة، كما يفسر بعضهم ذلك بسوء الحوكمة وسوء التصرف في الموارد، ويذهب البعض أيضاً في تفسيره لهذه المفارقة العجيبة إلى عدم سيطرة الدولة على ثرواتها، وإلى أن هذه الثروات هي بأيدي أطراف أجنبية تماماً مثل معظم البلدان الأفريقية. وأياً كانت الأسباب فإن ما هو أكيد أن المواطن الجزائري البسيط لا ينتفع من ثروات بلاده ويعاني الأمرين في سبيل تحصيل لقمة العيش، ولا بد من بذل جهد أكبر في المجال الاجتماعي في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة ارتفاعاً لافتاً. من الجيد أن تقوم الدولة بإنشاء أسواق للباعة المتجولين، وأن تفكر في التغطية الاجتماعية لهم وتشجعهم على استخراج سجلات تجارية لتنظيم تشاطهم، لكن الربح الزهيد لهؤلاء الباعة البسطاء لا يجعلهم قادرين على الإيفاء بالتزاماتهم الجبائية. كما أن القضاء على نشاطهم تماماً ومطاردتهم في الشوارع والتضييق عليهم سيزيد من أعداد العاطلين من العمل، وقد يحول بعض هؤلاء إلى لصوص وقطاع طرق، وقد يدفع بهم إلى ركوب البحر من أجل الهجرة السرية إلى الضفة الشمالية للمتوسط، يقول السراي. 

سحب الذرائعويعتبر الناشط في المجتمع المدني في مجال النهوض بتشغيل الشباب وإدماجهم سفيان ميهوبي أن ما يحصل بشأن الباعة المتجولين يمثل معضلة حقيقية تحاول الدولة ومنظمات المجتمع المدني أن تجد لها حلاً من دون أن توفق في ذلك إلى الآن. فالباعة وممتهنو هذا النشاط يرفضون ممارسة نشاطهم في الأسواق المنظمة، وذلك بسبب عدم قربها من التجمعات السكانية أو لأنها غير مجهزة ببعض المرافق الحيوية، والدولة مصرة على عدم بقائهم في الشوارع والساحات العامة كلفها ذلك ما كلفها. ويرى ميهوبي ان كلا الطرفين محق في هذا المجال، فتاجر السوق السوداء لم توفر له الدولة عملاً يسترزق منه وهي المطالبة بالتشغيل، والأسواق المعدة غير ملائمة، وبعيدة من التجمعات السكنية، وهو ما يؤثر سلباً على الأرباح التي لا تكفي لتوفير لقمة العيش. والدولة من جهتها مطالبة بالحفاظ على نظافة المدن وجماليتها، والحد من الخسائر التي تتكبدها جراء التجارة الموازية والتي تقدر بقرابة ربع مليار دولار سنوياً، وحماية التجار الذين يمارسون نشاطهم في الإطار القانوني والذين يضر بهم كثيراً هذا النشاط التجاري الموازي.  ويقول: “يكمن الحل برأيي في إقامة أسواق قريبة من التجمعات السكنية، وهناك عديد المباني القديمة التي يمكن تحويلها إلى أسواق أو إقامة أسواق مكانها وتجهيز هذه الأسواق بكل المرافق لسحب الذرائع، ودمج هؤلاء الباعة المتجولين في الدورة الاقتصادية. حينها فقط، أي بعد أن تفي الدولة بالتزاماتها تجاههم وتستمع إلى مبررات رفضهم لتلك الأسواق من دون أن تعتبر تلك المبررات ذرائع واهية وتشكك في النيات، يمكن ملاحقة من لا يمتثل للقانون والتضييق عليه واعتباره مارقاً تجوز مقاضاته”.  

التعليقات معطلة.