كان 2023 أشدّ قساوة على السوريين، إذ لم يُقدّم ما يجعلهم يأملون خيراً بالسنة الجديدة. بقي كلّ شيء على حاله سياسياً وأمنياً، فيما تدهورت أحوال الناس وباتت أكثر صعوبة. يشمل ذلك الأوضاع المعيشية التي أصبحت في العام 2023 في أدنى حدودها مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، وميل الحكومة السورية إلى الجباية من دون القدرة على الاستثمار، وتدني الرواتب وانعدام القوة الشرائية. ولولا إعادة فتح السفارة السورية في السعودية لكان تعذّر ذكر إيجابية واحدة في حصيلة عام 2023. مسارات تطبيع بين الجمود والنشاطافتتح العام 2023 في سوريا بمفاجأة من العيار الثقيل تمثلت في تدشين مسار تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، وانتقال اللقاءات بين الطرفين من المستويين الأمني والعسكري إلى المستوى السياسي. وجاء الزلزال المدمّر في 6 شباط (فبراير) لينشّط مسارات التطبيع العربي مع دمشق، حيث أعقبته عودة العلاقات مع بعض العواصم العربية. وتُوّج ذلك بحضور الرئيس السوري بشار الأسد اجتماع القمة العربية التي انعقدت في مدينة جدة في السعودية. غير أنّ مسارات التطبيع التركية والعربية طغى عليها الجمود بسبب عدم تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في اجتماعي عمّان وجدة التشاوريين، اللذين سبقا عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وشكّلت مكافحة تهريب المخدرات وإيجاد حل لقضية اللاجئين السوريين، أهم بنود هذين الاجتماعين، ولكن لم يُسجّل أي تقدّم بخصوصهما. بل على العكس فإنّ ملف تهريب المخدرات سجّل تصعيداً كبيراً في أواخر العام 2023، حيث شهدت الحدود السورية- الأردنية اشتباكات واسعة استمرت لأيام عدة بين القوات الأردنية وعصابات التهريب، انتهت بتنفيذ الطائرات الحربية الأردنية غارات جوية داخل الأراضي السورية كانت الثانية من نوعها في العام 2023. غير أنّ مسار تطبيع العلاقات السورية – السعودية تلقّى جرعةً ساعدته في المضيّ قدماً بشكل مستقل. فقد اتخذت دمشق إجراءات ضدّ ممثلية جماعة الحوثيين اليمنية التي كانت تشغل مبنى السفارة اليمنية في دمشق، فقامت بإغلاقها وطرد أعضاء فريقها، كما اجتمع وزيرا الخارجية السوري واليمني في القاهرة، وقد سهّل ذلك على ما يبدو استئناف خطة إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وسوريا، فعيّنت دمشق أيمن سوسان سفيراً لها في الرياض في خطوة متقدّمة على هذا المسار الذي لم يعد ينقصه سوى تعيين سفير سعودي في دمشق. توترات عسكرية جوية وبريةشهد العام 2023 أخطر تصعيد جوي بين القوات الروسية والأميركية، حيث تبادل الطرفان الاتهامات حول خرق اتفاق منع التصادم الموقّع بينهما منذ العام 2015، وكاد هذا التوتر أن يؤدي إلى مواجهة جوية بين الطرفين في أكثر من حادثة، لولا التزام كلّ منهما بضبط النفس. وتزامن ذلك مع قيام الميليشيات الإيرانية بعمليات استهداف متفرقة ومتباعدة للقواعد الأميركية في سوريا. غير أنّ هذا الاستهداف اتخذ طابعاً مكثفاً ومركزاً ومتقارباً منذ اندلاع حرب غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وقد نفّذت الطائرات الأميركية ثلاث غارات جوية ضدّ قواعد انتشار الميليشيات الإيرانية في الشرق السوري ردّاً على استهداف جنودها وقواعدها في سوريا والعراق.
وكان استهداف الكلية الحربية في حمص أخطر عمل أمني شهدته مناطق سيطرة الحكومة السورية في العام 2023، حيث سقط جراءه أكثر من 200 قتيل وجريح، ولم تكشف بعد نتائج التحقيق حول الجهة المسؤولة عن هذا الاستهداف. ونفّذ تنظيم “داعش” عمليات نوعية ضدّ قوات الجيش السوري في العام 2023، لا سيما في البادية السورية التي شهدت سقوط عشرات الشهداء والجرحى، وما زالت البادية تمثل أخطر جبهة برية تستنزف قوات الجيش السوري مع هدوء باقي الجبهات على وقع انطلاق مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة. احتجاجات السويداءوشكّل اندلاع احتجاجات شعبية في محافظة السويداء إحدى المفاجآت التي كان يخبئها العام 2023، والتي لم يكن متوقعاً أن تستمر كل هذا الوقت وبالزخم نفسه. وما زالت الاحتجاجات نشطة منذ شهر آب (أغسطس) الذي شهد رفع الدعم عن الوقود، ما أدّى إلى تدهور الأوضاع المعيشية. غير أنّ هذه الاحتجاجات سرعان ما رفعت شعارات سياسية مطالبة بإسقاط النظام السوري، وسط انقسام واضح على مستوى المرجعيات الدينية أو على مستوى المواطنين. وتعاملت دمشق مع هذه الاحتجاجات بسياسة غضّ الطرف ومحاولة الاحتواء، معتبرة أنّها محدودة وغير قابلة للتمدّد إلى محافظات أخرى، بخاصة بعد انتهاء الاحتجاجات في الساحل السوري.
إصلاح عسكري وحزبيمع التعقيدات التي علّقت مسارات التطبيع بين سوريا والدول العربية، وجمّدت مسار الحل السياسي، وأمام تصاعد حدّة التوتر بين القوات الأجنبية المتواجدة في سوريا، أعلنت دمشق عن نيتها تحديث بنية الجيش السوري والانتقال به إلى مستوى جيش محترف، في خطوة غير متوقعة لم يجر الحديث عنها مسبقاً، لكن يظن كثيرون أنّها تأتي في إطار الشروط المتبادلة بين سوريا وبعض الدول العربية. وكانت وزارة الدفاع السورية قد أصدرت في العام الجاري العديد من التعاميم التي تنظّم العلاقة بين الجيش السوري وجيوش الأصدقاء، لا سيما الروسي والإيراني، جاعلةً الاتصال بين الجانبين يمرّ عبر القنوات القيادية حصراً. أما على المستوى الحزبي، فقد عقدت اللجنة المركزية لحزب البعث الحاكم اجتماعها منتصف شهر كانون الاول (ديسمبر) الجاري، وسط توقعات بأن يقوم الرئيس السوري بخطوات جديدة لإعادة هيكلة قيادة الحزب، بما يتوافق مع المستجدات السياسية الإقليمية والدولية، على أن يُصار الترويج لها تحت شعار الإصلاح. كما جرى تسريب معلومات حول وجود خطة روسية لإعادة هيكلة وتنظيم الفروع الأمنية في سوريا. وأفادت المعلومات أنّ الخطة تقضي بحلّ ثلاثة فروع أمنية أساسية، هي فرع فلسطين، وفرع التحقيق 291، وفرع شؤون الضباط.