استعادت أول جامعة علمية تتأسّس في ليبيا بريقها، واكتست جدرانها بأنظمة الإضاءة الحديثة، لتطوي صفحة سنوات كان مقرّها في مدينة بنغازي مسرحاً لسيطرة جماعات الظلام والتطرّف. وأزاح قائد “الجيش الوطني” خليفة حفتر، الأسبوع الماضي، الستار رسمياً عن المبنى الرئيسي للجامعة بعد إعادة تأهيله، لمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 69 لتأسيسها، في حفل ضخم تخللته ألعاب نارية وعروض بالليزر، وحضره رئيس مجلس إدارتها الدكتور عز الدين الدرسي، ورئيس حكومة الشرق الموازية أسامة حماد، ونائبا رئيس مجلس النواب فوزي النويري ومصباح دومة، وسط غياب معتاد في مثل تلك المناسبات للمسؤولين في غرب ليبيا. مرحلة “عصيبة” واجهتها الجامعةوفي كلمته خلال الحفل، وجّه حفتر رسائل في اتجاهات عدة، لكنه ذكّر بما تعرّضت له جامعة بنغازي من ظروف وصفها بـ”العصيبة” عندما “دمّرتها الجماعات الإرهابية وأعداء العلم والمعرفة الذين لم يحترموا حُرمة الحرم الجامعي، ودمّروها عمداً وسرقوا المخطوطات النادرة”، مضيفاً أنّ الجماعات الإرهابية “كانت تعتقد أنّ أبناء جامعة بنغازي سيعجزون عن مواجهتهم”.
حفتر ورئيس جامعة بنغازي وآخرون قبيل الحفل. وكانت الجامعة ساحة للمعارك بين عامي 2014 و2017، ضدّ الجماعات المتطرفة التي كانت تُسيطر على المدينة وأروقة جامعتها، ما أدّى إلى إحراق مبنى إدارة الجامعة، الذي أُعيد افتتاحه الاسبوع الماضي، كما طاول الدمار عدداً من الكليات ومكتبة الجامعة وأرشيفها وبعض محفوظاتها النادرة. وتتصدّر جامعة بنغازي التي تأسست في 15 كانون الأول (ديسمبر) 1955، بعد استقلال ليبيا مباشرة، ويُطلق عليها “أم الجامعات الليبية”، تصنيف الجامعات المحلية، كما أنّها تأتي في مرتبة متقدّمة بين الجامعات الإقليمية. وقال حفتر إنّ لجامعة بنغازي “مواقف متميزة ومتقدّمة في التصنيفات العالمية والتصنيف الوطني الذي تحصّلت به على المراتب الأولى، لأنّها دائماً في الطليعة وهي أمّ الجامعات. جامعة بنغازي تحظى باحترام كبير في قلوب جميع الليبيين، لما لها من فضل في تخريج آلاف الكوادر العلمية على مستوى ليبيا”. عثرات إعادة التأهيلوواجهت عملية إعادة تأهيل الجامعة صعوبات وتعثرات عدة أدّت إلى تأخيرها، كما حظيت باهتمام دولي، إذ زارها في مطلع نيسان (أبريل) الماضي، الموفد الأممي عبدالله باثيلي الذي غرّد حينها قائلاً إنّ “إصلاح المباني التي دمّرتها الحرب والاستثمار في التعليم أمران بالغا الأهمية للشباب في ليبيا، حان وقت إغلاق أبواب الصراع وفتح بوابات التعليم على مصراعيها”.
أحد مباني جامعة بنغازي خلال مرحلة إعادة الترميم. وفي رسالة انتقاد ضمنية موجّهة إلى الحكومة المركزية في العاصمة طرابلس، قال حفتر في كلمته: “قمنا بكل ما يلزم لتعود جامعة بنغازي في أبهى صورة وما يليق بعراقتها، ولم ننتظر الوعود الزائفة واللجان الوهمية أمام النهوض بها”، موضحاً أنّ افتتاح المبنى الرئيسي “خطوة أولى، ستتبعها خطوات أخرى لافتتاح بقية كليات الجامعة بحسب الخطة المعتمدة للتطوير”. وبدأت الجامعة رحلتها العلمية في العام 1956، بكلية الآداب والتربية، تلتها كلية الاقتصاد في العام 1957، ثم كلية القانون 1962، وكلية الطب البشري 1970. وكان الملك الراحل ادريس السنوسي منح الجامعة قصر المنار وسط مدينة بنغازي لتتخذه مقراً لها، قبل أن تنتقل في العام 1973 إلى مقرّها الحالي في ضاحية قاريونس. وفي عام 1976 تغيّر اسمها إلى جامعة قاريونس، قبل أن تعود إلى اسمها الأول: جامعة بنغازي، بعد احداث 17 شباط (فبراير) 2011. وتضمّ الجامعة حالياً العديد من الكليات آخرها كلية تقنية المعلومات والحاسبات عام 2006، بالإضافة إلى المراكز الاستشارية والبحثية والخدمية، وتبلغ مساحتها الإجمالية نحو 530 هكتاراً، ويدرس فيها أكثر من 70 ألف طالب، فيما يبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس قرابة الـ2000، بالاضافة إلى نحو 5 آلاف موظف. سباق مع الزمنرئيس الجامعة عز الدين الدرسي اعتبر أنّ إعادة افتتاح المبنى الرئيسي “إنجاز لمصلحة العملية التعليمية للدولة الليبية بالكامل، بعد الدمار الذي تعرّضت له بشكل متعمّد”. وأوضح لـ”النهار العربي” أنّ “إعادة التأهيل جرت خلال عام بعد تدخّل الجيش الوطني وقائده، فحافظنا على هوية المباني مع استخدام الأنظمة الذكية للادارة والتحكّم والحماية… نسابق الزمن لاستكمال تأهيل باقي مباني الجامعة التي دُمّرت، قبل العام الدراسي المقبل… تمّ انجاز الأعمال الخرسانية خلال الأشهر الماضية، وبصدد العمل على تشطيب تلك المباني لافتتاحها امام استقبال الدارسين”، مشيراً إلى أنّ الجماعات الإرهابية “أضرمت النار في مباني الجامعة والكليات وسرقت المخطوطات الثمينة، والتي سعينا إلى صيانة ما تبقّى منها”. ووعد الدرسي بأن تعود الجامعة “لتحتل مراتب متقدّمة، ليس على الصعيد المحلي فقط وإنما إقليمياً ودولياً”.