هو العالم يتقدّم أم لبنان لا يزال في مكانه؟ سؤال مطروح في كل مناسبة وزيارة ولقاء وحديث. هذا النوع من الأسئلة الوجودية تتكاثر خصوصاً في نهاية كل عام استعداداً لاستقبال عام “الأمل” و”الفرح” و”الاستقرار” في بلدنا، وتحضيراً لاستقبال عام بأفكار إيجابية بعيداً عن ما عاشه المواطن اللبناني في السنوات الماضية على قاعدة “تنذكر وما تنعاد”. مع استقبال عام جديد، ونحن نرحّب بسنة 2024، يستعدّ اللبناني من فئة “غير المستسلمين” إلى إقرار خطّته للعام الجديد آملاً بتغيير من مكان ما، في توقيت ما أو مسار ما. معروفٌ شعب لبنان بقدرة تحمّله وها هو واضح للجميع كيف قاوم أزمات متلاحقة رغم الخيبات من فيروس كورونا والانتفاضة والأزمات السياسية والاقتصادية… شعبٌ بينه وبين الجنون “شبر ونصّ!” وجود التفاؤل بحد ذاته مقاومة؛ تحضيرات واستعدادات ولقاءات ومشاورات وحفلات لعام جديد سعيد. على مدار 12 شهراً، يوزّع اللبناني أوقاته وأعماله وأهدافه وينّسق “الشتوي مع الشتوي والصيفي مع الصيفي”. شعبٌ قديرٌ فلِكل مناسبة مسارها ولكل انطلاقة عدّتها. لا يفوته احتفال ولا موعد ولا ذكرى ولا مناسبة إلّا ويكون متصدّراً المشهد. أغلب الظن، هذه عادات موروثة على ما يُنقل عن الفينيقيين “أجدادنا” من مثابرة وجهد وإبداع وبصمة… لا أدري ما إذا كان 12 شهراً مدّة كافية لكي يستطيع اللبناني تحقيق ما يريده في كل سنة. الواضح وفي المدى القريب، تبدو الأزمات أكثر من الانفراجات وتفوقها عدداً. الانفراجات في مستوى متدنٍ جدّاً يلامس الصفر وبدون إحصائيات… لعلّ الطقس المُسيطر على سمائنا هو الفرج الوحيد المُفاجئ… التخطيط فعل مقاومة بلا شك أيضاً، أقلّه يجهّز اللبناني نفسه لما يراه لحياته مناسباً طيلة 12 شهراً، فبين التخطيط والإنجازات يبقى الحسم للنوايا والمفاجآت. دعوه يسيطر إذا وُجد، نعم الأمل، “والباقي ع الله”، فبطبيعة الحال كل شيء في هذا البلد أصبح يتطلّب تدخّلاً إلهياً! للبنانييّن في الداخل والمراقبين من الخارج، هذا مسار 12 شهراً في لبنان مع بدء أولى أيّام الـ2024. تعتبرونه نموذجاً، تعتبرونه توقّعات، فخططكم تحسم الجدل.
جولة الـ12…شهر 1 – كانون الثاني (يناير): هو “الفَكرة بعد سكرة الأعياد”، هو أطول شهر، فيه العيديّة يقابلها الصبر والانتظار. ليست المشكلة في العيديّة وتوقيتها إلّا أنّ عائقها يمكن في شهر ما بعد الأعياد، وفيه تكون الليرة “بتحكي” والدولار “بيحكي” واليورو “بيحكي”… شهر “الفَكرة” بما تعنيه الكلمة. في كانون الثاني، وأغلب الظن، تغيب الخطط لدى اللبناني وإذا حضرت تكون في كيفية الخروج من هذه “الفَكرة” وردم حفرتها! شهر 2 – شباط (فبراير): شباط الحب في زمن البلد اليائس. هو العيد المتكرّر في كل عام مع أزمات لا تنتهي في لبنان. في هذا الشهر يخطّط اللبناني للاحتفال بحبّه، 50% كي لا نقول أقل احتفالهم يأتي بمبادرة فردية عفوية، و50% يأتي احتفالهم ببرنامج إجباري وعدم تنفيذه تمتدّ تداعياته طيلة السنة من أوّلها وربّما أكثر… الدببة والورود لا تكفي، سهرات من مروان خوري وزياد برجي وآدم و”طلوع!” شهر 3 – آذار (مارس): لا أفكار في هذا الشهر عند اللبناني إلّا الأمّ. “الدني أمّ”، مثلٌ لا يمكن تخطّيه في كل زمان ومكان، خصّصوه بنهار تتفتّح فيه الزهور ليبدأ فصل جديد. خطط اللبناني من أول الشهر مرتبط بالوالدة، بدعامة المنزل في فرحه وحزنه. مشكلة واحدة وتكمن في الهدايا، انتبهوا ولا تتسرّعوا: “الكاش” مقبول والذهب “محبوب”، أمّا الهدايا المتبقّية فقبولها نسبي مع الأرجحيّة للرفض. “الأحوال بتغيّر يا ولدي!” شهر 4 – نيسان (أبريل): أوّله كذبة وآخره…؟ هذا الشهر شهر اللبناني بامتياز، فيه تسجّل نسبة نجاح الخطط معدّلات قياسية. هو شهر ولكن عند اللبناني مدّته سنوات لا سنة واحدة. هو شهر الأخبار بالأطنان.. التعميم يظلم بعض الأفراد؟ صحيح إلّا أن “الماي بتكذّب الغطّاس”… في هذا الشهر، تُطبخ الخطط على نار هادئة خوفاً من حرقها. وبين “فيول” اللبناني والتخطيط “ضاعت الطاسة”! شهر 5 – أيّار (مايو): يمكن وصفه بشهر الاستعدادات: استعداد للصيف، استعداد لانتهاء المدارس والجامعات، استعداد للمنزل الجبلي، استعداد لـ”نفض” المنازل واستعداد للاستقرار وتحديداً الزواج… غريب هذا الشهر كيف يجذب الـ”couples” فيجهّزون خططهم لقول الـ”نعم” الأبدية. كمراقب، أعتقد أنّه مرتبط بعملية حسابية لتاريخ الزواج في منتصف السنة، فلا مجال للخطأ أبداً! شهر 6 – حزيران (يونيو): شهر الـ”أهلا بهالطلّة”… عن فعل التفاؤل نتكلّم، عن شهر التخطيط الحصري بالمسؤولين اللبنانيّين. هنا الإبداع ولا شي سواه… لا كهرباء، لامياه، لا طرقات، لا إشارات ولا “تلفريك”… ولائحة بطول تفاؤل المسؤولين وصبرهم. فيه تبدأ الإعلانات والشعارات والأنغام والحملات: “تعوا ع لبنان، ناطرينكن”، “ليش في أهلا من لبنان”… بالفعل إبداع، أمّا الواقع فيتحدّث عن نفسه… الأزمات بالنسبة للمسؤولين “تصيّف” مع الصيف. خطط نادراً ما تجدونها في أفضل البلدان السياحية فليس كل مسؤول مُبدع “متل عنّا”…
شهرا 7 و8 – تموز (يوليو) وآب (أغسطس): يمكن وصفهما بالثنائي “فرحة ومرحة”. فيهما مسيرة الـ”أهلا بهالطلّة” تتكلّل وتكتمل “أهلا بهالطلّة أهلا”. من بيروت إلى بعلبك والأرز. زحمة مغتربين وسُياح. زحمة مطربين من “الكلاس A” إلى “الهشك بشّك” (تعبير متعارف عليها يصف الوضع الفني الهابط). في هذين الشهرين، خطط اللبناني لا تُحصى ولا تُعد ولو اتّسمت بـ”الروتين”: بحر صباحاً، غداء سمك ظهراً، سهرة ليلاً وكنافة الساعة 4 فجراً. الغريب في هذا الشهر رغم الخطط، غياب “النق”: لا نق على زحمة الطرقات، لا نق على الأسعار، لا نق على المحروقات… أغلب الظن، للقدّيسين وأعيادهم في هذين الشهرين التأثير الأكبر! شهر 9 – أيلول (سبتمبر): شهر “الحيرة والعودة”: عودة المدارس، عودة الجامعات، عودة المغتربين، عودة السُياح، عودة اللبنانيّين وعودة النق… كيف تنقلب خطط اللبناني رأساً على عقب! هُنا المواطن في حالة ذهول وتعجّب كأنّه أمضى أيّامه الأخيرة في سويسرا. بصرف النظر عن مطبّاته، يبقى بدء العام الدراسي في لبنان الشغل الشاغل في هذا الشهر من الممحاة إلى اللباس… وحتّى الرحلات ولو في أول السنّة، فتضيع الخطط بين الأقساط والإضراب! شهرا 10 و11 – تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر): “فرحة ومرحة” بالنسخة الشتوية. ويا عين على بدء هذه “الشتوية”. يا فرحة اللبناني بـ”الشتوة” الأولى فتغرق خططه بمياه الأوتوسترادات. صحيح هذا من خيرِ الله لكن مسؤولينا “المتفائلين” لم يتركوا لـ”الخير مطرح”… حتّى المطار يسبح.كل هذه المصائب بجهّة والاحتفال بعيد الاستقلال بجهّة أخرى… فعلاً إنّه بلد العجائب! شهر 12 – كانون الأول (ديسمبر): يستجمع اللبناني نشاطه لإنهاء العام بالطريقة الأسلم، فيخطّط للعام الجديد بأشهره الـ12، ربّما على ضوء الشمعة أو بانتظار من يُنقذه من “بحر” الكارنتينا.. بالخلاصة حالياً، ليس أمام شعب لبنان سوى فرقة المنجّمين ليلة رأس السنة وعليها الاتّكال لعلّ “الحل عندن”… أمّا التخطيط بإيجابيّته في بلدنا عذاب للضمير!