فن النقش على المعادن موروث قرطاجي على لائحة التّراث غير المادي لليونسكو

1

حرفي تونسي ينقش على الفضة

تشتهر الأسواق القديمة في المدن العتيقة التونسية بحرف تقليدية عديدة ومتنوعة ميزت هذه الأسواق بطابع خاص، ومن ذلك فن النقش على المعادن الذي توارثته الأجيال وحافظت عليه وطورته حتى يواكب العصر. فما إن تطأ الأقدام أحد هذه الأسواق التقليدية السياحية حتى تتناهى إلى المسامع أصوات الضرب على المعادن لترسم أحلى الأشكال وتخط أجمل الكتابات على النحاس والفضة والذهب أيضاً. هو تراث عريق ضارب في القدم سعت تونس أخيراً مع آخرين إلى إدراجه ضمن قائمة التراث غير المادي لمنظمة اليونسكو لصونه والحفاظ عليه وحمايته من الاندثار مثلما اندثرت صناعات تقليدية عديدة. فالمخاطر التي تتهدد هذه الحرفة المتأصلة في بيئتها التونسية العريقة كثيرة ومتعددة، ولولا إقبال السياح الأجانب على منتجات هذه الحرفة لدخلت في طي النسيان وأصبحت جزءاً من الماضي. رموز قديمةيرى الباحث التونسي في التاريخ والتراث أحمد المنصوري لـ”النهار العربي” أن فن النقش على المعادن يعود إلى العصر القرطاجي، إذ تطورت الحرف تطوراً لافتاً مع نمو  المدن في هذه الجمهورية القديمة التي أشعت على محيطها فنوناً وعلماً ومعرفة. وبما أن جمهورية قرطاج تمددت في زمن ما خارج حدود تونس الحالية لتصل شرقاً إلى خليج سرت في ليبيا وغرباً إلى أقاصي المغرب وشبه الجزيرة الإيبيرية، فإنها نقلت فنونها وحرفها، بحسب المنصوري، إلى الشعوب التي انضوت تحت سلطتها، وهو ما يفسر وجود هذا الفن في محيط تونس القريب. ويضيف المنصوري قائلاً: “لقد كان النقش يشمل خلال الحقبة القرطاجية بداية من القرن التاسع قبل الميلاد، أو قبل ذلك، رموزاً معروفة، على غرار “التانيت” وهي آلهة الخير والخصب عند القرطاجيين القدامى، و”الخُمسة”، أي اليد الخُماسية، و”السمكة” و”قرن الغزال”، وجميعها رموز قرطاجية قديمة لطرد الشرور والحسد منقوشة على شواهد القبور القرطاجية. كما كان يشمل النقش زهرة اللوتس وهي رمز قرطاجي قديم أيضاً وكانت لها أهمية في النقوش التي عُثر عليها، وأيضاً الحصان الذي كان يعتبر رمزاً للدولة القرطاجية التي استمرت في تونس والمنطقة لأكثر من سبعمئة عام أو أكثر”. أما اليوم فإن الخُمسة القرطاجية وقرن الغزال والسمكة وزهرة اللوتس ما زالت تحضر في النقوش على المعادن، مع إضافة أشكال جديدة، وإضافة أعلام الدول وأسماء الأشخاص حيث يتم مثلاً الاحتفاء بالسائح من خلال نقش اسمه وعلم دولته على طبق نحاسي. كما أصبحت هناك لوحات تشكيلية ترسم على النحاس من خلال النقش اليدوي، وبالتالي جاز اعتبار من ينجزها فناناً تشكيلياً وليس فقط حرفياً في الصناعات التقليدية المتوارثة عن الأجداد.  دعم الدولةويرى الحرفي التونسي في الصناعات التقليدية سفيان الجويني أن ما قامت به الدولة التونسية من تسجيل في اليونسكو لحرفة النقش على المعادن هو خطوة جيدة، ويعرب عن أمله في أن يساهم هذا الإدراج في إنقاذ هذه الحرفة من الاندثار الذي بات شبحاً يؤرق المنتمين إليها. فقد مرت هذه الحرفة بصعوبات عديدة في السنوات الأخيرة، بحسب الجويني، وذلك بسبب جائحة كورونا التي ضربت القطاع السياحي في مقتل واضطر معها عدد كبير من الحرفيين إلى الانقطاع والبحث عن مهن أخرى توفر لهم لقمة العيش. ويضيف الجزيني أنه “مع انتعاش القطاع السياحي هذا العام تحسنت أوضاع الحرفيين في الصناعات التقليدية قليلاً، لكننا لم نتخلص بعد من مخلفات كورونا وديونها المتراكمة التي أثقلت كاهل الحرفيين. نحن بحاجة إلى مواسم سياحية أخرى منتعشة شبيهة بالموسم المنقضي حتى نعيد إلى حرفة النقش على المعادن ألقها ووجودها اللافت في أسواق الصناعات التقليدية التونسية”. ويقول: “لقد توارثنا هذه الحرفة عبر الأجيال وساهم من امتهنها قبلنا في التعريف بها في العالم، وفي التعريف بتونس وبتاريخها الضارب في القدم من خلالها، وبالتالي لسنا مستعدين لتركها رغم الصعوبات المالية التي نعانيها. كل ما نطلبه الآن هو أن تقدم لنا الدولة التونسية يد الدعم لتجاوز المخلفات الصعبة للجائحة، لأن ما قُدّم في وقت سابق غير كاف وليس بحجم الضربة القاصمة التي تلقيناها جراء هذه الجائحة التي أتت على الأخضر واليابس”. 

التعليقات معطلة.