اقتصادي

اقتصاد تونس في مهبّ توترات البحر الأحمر… كيف تواجه الأزمة؟

ميناء صفاقس.

تونس ليست قريبة من البحر الأحمر، إلّا أنّها ليست بمنأى عن تداعيات الاضطرابات التي يشهدها منذ أسابيع، بسبب هجمات الحوثيين على سفن الشحن. ويخشى البلد من أن يزيد الاضطراب الحاصل في البحر وما له من تأثيرات على سلاسل التوريد، في تعميق الأزمة الاقتصادية في البلد الذي يكافح منذ سنوات للخروج منها. وقالت شركات شحن إنّها أوقفت نشاطها بسبب الهجمات الأخيرة التي تستهدف ناقلات بضائع ونفط تمرّ عبر مضيق باب المندب. ارتفاع أسعار النفطويبقى التضخم أحد أبرز مخاوف تونس التي تسعى عبر سياسة متشدّدة انتهجها المصرف المركزي التونسي للسيطرة عليه. وبفعل أزمة كورونا ارتفعت نسبة التضخم في تونس في نهاية العام 2021 إلى أكثر من 10 في المئة، ما اضطر المصرف المركزي التونسي إلى رفع نسبة الفائدة المديرية في 5 مناسبات متتالية، من أجل كبح هذا النسق، وكانت النتيجة عودة النسبة إلى مستوى 8 في المئة بحسب آخر أرقام العام 2023. وتزيد اضطرابات البحر الأحمر من مخاوف ارتفاع أسعار النفط على المستوى العالمي، وهو ما ستكون له انعكاسات آلية على اقتصاد تونس. ويقول الخبير الاقتصادي معز حديدان لـ”النهار العربي” إنّ “هذه الهجمات تهدّد أسعار النفط على المستوى العالمي، وهو ما لمسناه خلال الأيام الأخيرة”، ويتابع أنّ أي ارتفاع محتمل لأسعار النفط من شأنه أن يعرّض تونس لتداعيات، حتى وإن لم تكن ضمن المحيط المباشر لمنطقة الصراع. ويشرح حديدان أنّ تونس التي تدفع فاتورة باهظة من أجل توفير حاجتها من الطاقة، ضبطت موازنتها لعام 2024 استناداً الى سعر مرجعي للنفط لا يتجاوز 81 دولاراً للبرميل، وأي زيادة في أسعار النفط ستكون لها تداعيات مباشرة على تونس. ويمر حوالى 12 في المئة من إجمالي تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً عبر البحر الأحمر.وكانت تونس عاشت أزمة مماثلة خلال أزمة كورونا التي تسببت في خسائر لها بسب ارتفاع أسعار النفط حينها. ويرى حديدان أنّ ارتفاع أسعار النفط ستكون له تداعيات على أسعار الحبوب أيضاً، في وقت تعاني تونس من أزمة في هذا السياق، باعتبار أنّها تستورد أكثر من نصف حاجتها منها، وهو ما قد يحدث اختلالاً في موازنتها. 

 ولم تقرّ تونس زيادة في أسعار المحروقات في موازنة 2024 بعد رفعها العام الماضي في 5 مناسبات، فيما حافظت على دعم الحبوب، على عكس ما طالب به صندوق النقد الدولي، الذي يشترط مراجعتها منظومة الدعم من أجل منحها قرضاً بقيمة 1.9 مليار دولار. ويشاطر أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي حديدان مخاوفه بشأن الارتدادات المحتملة على تونس بسبب ما يحدث في البحر الأحمر، ويقول إنّ توقف عملية الشحن عبر مضيق باب المندب قد يؤثر على حجم عرض النفط والحبوب في الأسواق العالمية، وبالتالي ستعرف أسعارهما زيادة. ويوضح لـ”النهار العربي” أنّ تونس تعتمد على توريد هذه المواد بشكل يكاد يكون كليّاً، ووفق تقديره فإنّ “كل زيادة في الأسعار تعني زيادة في حجم الدعم وحاجة أكبر للتمويل وبالتالي للاقتراض الخارجي، من أجل توفير العملة الصعبة، وهو ما تعاني تونس منه، خصوصاً أنّها لم تنجح في التوصل إلى إبرام اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي”.ارتفاع تكلفة الشحنولا تقف تداعيات أزمة الشحن في البحر الأحمر عند أسعار النفط والحبوب، إذ إنّها ستنعكس على تكلفة الشحن بسبب ارتفاع تكاليف التأمين وتغيير مسار السفن التي صارت تتجنّب مضيق باب المندب وتسلك طرقاً أخرى عبر رأس الرجاء الصالح، ما يزيد من مدة رحلتها وبالتالي يرفع تكاليفها. ويقول حديدان إنّ نسبة كبيرة من السلع التي تستوردها تونس واردة من الصين وتمر عبر البحر الأحمر، وهو ما سيرفع تكلفة شحنها.ويذكر أنّ نحو 40 في المئة من السلع الواردة من تونس تأتي من الصين وروسيا. وتقول التقارير إنّ شركات شحن عالمية صارت تتجنّب المرور بالبحر الأحمر بسبب تواصل الهجمات ضدّها من طرف جماعة الحوثي.  استفادة محتملةفي المقابل تبدو استفادة تونس من أزمة البحر الأحمر ممكنة اذا تواصلت الاضطرابات في حركة عبور السفن عبره. ويقول حديدان في هذا الصدد: “في حال تواصل الأزمة لأشهر أخرى قد تكون تونس من الدول المستفيدة من الاضطراب المسجّل على مستوى الحركة في البحر الأحمر”. ويذكر بأنّ الدول الأوروبية قد تحوّل وجهتها إلى دول جنوب المتوسط لتأمين سلاسل الإنتاج وانتظام التزويد بالمكونات الصناعية وتفادي التأخّر في تسليم الطلبيات. لكن الشكندالي يستبعد أن تكون تونس من بين دول الجنوب المستفيدة من استمرار الأزمة بسبب المنافسة الشرسة من دول أخرى مثل المغرب وتركيا التي تمتلك مناخ استثمار جاذباً. في المقابل تقول المعطيات الرسمية إنّ قطاعات كثيرة استفادت من الحرب بين روسيا وأوكرانيا. إذ سجّلت صادرات القطاع الصناعي زيادة بنسبة 11 في المئة عام 2023 مقارنة بعام 2022. وعرفت صادرات قطاعات الصناعات الميكانيكية والكهربائية والنسيج والأحذية انتعاشة مهمّة في تونس العام الماضي. ويقول المتخصصون إنّ الفضل في ذلك يعود إلى الأزمة في أوكرانيا وقبلها أزمة كورونا.