اقتصادي

فرص نمو مستقرة لاقتصادات الشرق الأوسط على رغم التوترات الجيوسياسية

رغم استمرار الحرب في غزة وتداعياتها في لبنان والعراق وسوريا واليمن، فإن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستشهد في معظمها أداءً جيداً خلال العام الحالي 2024.

هذا ما خلص إليه تقرير أصدرته مؤسسة “موديز” للتصنيف الائتماني هذا الأسبوع يبرز توقعاتها لهذا العام التي تبني عليها قرارات التصنيف الائتماني السيادية وللقطاعات المختلفة.

باستثناء الدول التي تعرضت لخفض التصنيف الائتماني، فإن معظم دول المنطقة ستستفيد من الاستثمار، خصوصاً في المشروعات طويلة المد، وأسعار السلع المستقرة في الحفاظ على نشاط اقتصادي معقول يزيد من الناتج العام ويعزز فرص النمو.

إلا أن استمرار أسعار الفائدة مرتفعة حول العالم وارتفاع معدلات التضخم في بعض الحالات سيؤثر سلباً على توفر السيولة لحكومات بعض الدول وقدرتها على تحمل الدين العام، ويقدر التقرير أن تظل التوترات الجيوسياسية في المنطقة الخطر المحتمل لتغيير تلك النظرة الإيجابية لأداء اقتصاد دولها.

مع ذلك، فإن الوضع المالي الجيد لأغلب دول المنطقة وقدرتها على مواجهة الصدمات والأزمات يخفف من ذلك التأثير السلبي للتوترات الحالية.

ويبقى ذلك السيناريو الأساسي لمؤسسة التصنيف الائتماني، طالما ظلت الأزمة الحالية محصورة بالصراع العسكري في غزة والمناوشات في المناطق الأخرى من دون تصعيد.

ويظل النشاط الاقتصادي قوياً مدعوماً بمناخ الأعمال الجيد للقطاعين الخاص والعام واستمرار الاستثمار في المشروعات طويلة الأمد، فإن دولاً مثل مصر ولبنان وتونس ستظل تعاني نقص التمويل الخارجي الذي يزيد من عبء الدين العام فيها.

زيادة النمو الاقتصادي

في الوقت الذي يتوقع أن يشهد فيه الاقتصاد العالمي تباطؤ النمو، يقدر تقرير “موديز” أن الاستثمارات الحالية والمخطط لها خصوصاً بالنسبة إلى المشروعات الكبرى في معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضمن قوة الاستهلاك الخاص بالتالي توسع النشط الاقتصادي وزيادة الناتج، بالتالي تعزز فرص النمو حتى في ظل استمرار أسعار الفائدة مرتفعة.

بالنسبة إلى المنطقة ككل تتوقع “موديز” نمو الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط بنسبة 2.7 في المئة خلال عام 2024، وتعد تلك النسبة بمثابة الضعف مقارنة بمعدل النمو المقدر للعام الماضي 2023 إذ كان عند نسبة 1.1 في المئة. مع استبعاد قطاع الطاقة الذي يشهد تذبذباً، فإن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في المتوسط سيكون مستقراً عند نسبة 3.1 في المئة.

وبحسب التقديرات، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، من دون قطاع الطاقة، للمنطقة باستثناء العراق في عام 2024 يعد أقوى مما كان عليه في عام 2018 – 2019، أي قبل أزمة وباء كورونا.

أما الاقتصادات التي ستشهد نشاطاً اقتصادياً توسعياً، بالتالي زيادة في النمو الاقتصادي، فهي اقتصادات: الأردن والمغرب والسعودية وقطر والكويت وعمان والإمارات.

ويقدر أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي، للقطاعات غير قطاع الطاقة، في دول مجلس التعاون الخليجي ومعها العراق في المتوسط هذا العام إلى نسبة أربعة في المئة، وذلك كفيل بتعويض أي تباطؤ في نمو قطاع الطاقة نتيجة خفوضات الإنتاج.

ويفصل التقرير المشروعات الكبرى، بخاصة المدعومة حكومياً، التي سيعني استمرار الاستثمار فيها الحفاظ على قوة الناتج الاقتصادي بالتالي تعزيز فرص النمو.

ويبقى هناك احتمال أن تزيد الدول النفطية من خفض الإنتاج، مما يعني قيوداً إضافية على نمو قطاع الطاقة، لكن مناخ الأعمال العام ونمو الطلب الخاص بصورة قوية نتيجة الإنفاق الاستثماري كفيل بمعادلة ذلك إلى حد ما.

مشكلات التمويل

حتى في حالة تذبذب أسعار النفط، تظل الأوضاع المالية القوية في الدول التي تعتمد على قدر كبير من دخلها من صادرات الطاقة كفيلة بتعويض ذلك لتوفير التمويل للاستثمارات الضخمة.

ويشير التقرير إلى أن تلك الدول ذات التصنيف الائتماني الجيد ربما لا تتأثر بقوة بارتفاع كلفة الاقتراض نتيجة استمرار أسعار الفائدة مرتفعة حول العالم لفترة أطول.

بالنسبة إلى المنطقة إجمالاً تظل مشكلات التمويل مستقرة، وإن كانت أكثر تأثيراً على دول منخفضة التصنيف الائتماني مثل مصر ولبنان.

وعلى رغم أن التقرير يتوقع زيادة في السفر الإقليمي بالتالي استفادة دول مثل مصر ولبنان من زيادة عائدات السياحة، فإن المشكلات الداخلية في البلدين تمثل ضغطاً على قدرة الوصول لمصادر التمويل الخارجية وتحمل أعباء الديون.

ويتوقع التقرير أن تضطر مصر إلى مزيد من الخفض في قيمة عملتها (الجنيه المصري) الذي شهد خفض قيمته بمقدار الربع (نسبة 25 في المئة) العام الماضي 2023 من سعر صرفه بنهاية عام 2022، ويقدر التقرير أن تظل معدلات التضخم مرتفعة في مصر، بينما تتجاوز نسبة 100 في المئة في لبنان.

يشير التقرير إلى أنه في بقية دول المنطقة، لن تشهد معدلات التضخم ارتفاعاً كبيراً مع استقرار أسعار صرف العملات نسبياً، وينطبق ذلك بصورة خاصة على الدول التي تربط عملتها بسعر صرف الدولار الأميركي، وأن استمرار دعم الأسعار في دول مثل العراق والمغرب سيسهم أيضاً في الحفاظ على ارتفاع معدلات التضخم عند مستويات متدنية.

رغم أن العجز في الموازنات سيستمر، فإنه في الأغلب لن يتسع في الدول عالية التصنيف الائتماني، بالتالي يظل مناخ الأعمال والاستثمار فيها جيداً مما يساعد على تفادي التأثير السلبي لاستمرار أسعار الفائدة عالمياً.