اخبار سياسية

​ تونس تعزّز تقاربها مع الصين… قطيعة مع الحلفاء التقليديّين؟

الرئيس التونسي قيس سعيد ووزير الخارجية الصيني وانغ يي في افتتاح الأكاديمية الدبلوماسية في تونس.

تشهد العلاقات التونسية – الصينية زخماً لافتاً في الفترة الأخيرة، يتجلى في زيارات مسؤولين صينيين لتونس، ومن خلال تدشين بعض المشاريع الصينية في تونس والاتفاق بين الطرفين على إنجاز المزيد. ومن بين المشاريع المنجزة التي تحظى بأهمية كبرى لدى الطرفين، الأكاديمية الدبلوماسية الدولية التي دشنها الرئيس التونسي قيس سعيد في حضور وزير خارجية الصين وانغ يي الذي زار تونس أخيراً. إنجازات ومشاريعوكانت الصين قد أنجزت في وقت سابق مستشفى جامعياً في مدينة صفاقس جنوب البلاد ومجمعاً رياضياً شبابياً متطوراً في تونس الكبرى ومشروع توسعة قناة وادي مجردة لإيصال كميات أكبر من المياه إلى المناطق الفلاحية السقوية. وتستعد الصين لإنجاز الجسر العملاق على قناة بنزرت الرابط بين مدينة بنزرت والطريق السيارة تونس – بنزرت. وتم الاتفاق أيضاً على التعاون في مجال استغلال احتياطي فوسفات منطقة “سراورتان” من ولاية الكاف. ويأتي هذا التقارب بين الطرفين في وقت تشهد العلاقات بين التونسيين وشركائهم التقليديين، أي أوروبا والولايات المتحدة، الكثير من الجفاء بسبب ملف الانتقال الديموقراطي وعلاقة السلطة بالمعارضة، وملف الهجرة والموقف من القضية الفلسطينية وغيرها. كما في وقت تسعى الصين للتغلغل في القارة الأفريقية من خلال قوتها الناعمة ومشروعها الاستراتيجي الكبير الذي رصدت له إمكانات هائلة، وهو مشروع مبادرة “الحزام والطريق”.تغيير البوصلةيرى الباحث السياسي التونسي مرسي التلمودي، في حديث إلى “النهار العربي”، أن “تونس بعدما أُغلقت بوجهها جميع الأبواب لمساعدتها على الخروج من أزمتها الاقتصادية، وبعدما رفض صندوق النقد الدولي الموافقة النهائية على قرض تقدمت بطلبه وحظي بموافقة مبدئية على مستوى الخبراء، وذلك رغم إيفائها بالتزاماتها تجاه الصندوق، يبدو أنها وجهت البوصلة نحو وجهات أخرى. وتؤكد ذلك الزيارة التي قام بها وزير خارجيتها نبيل عمار لموسكو قبل أشهر قليلة والتي تلتها مباشرة زيارة وزيرة خارجية روسيا سيرغي لافروف لتونس محملاً بمشاريع للتعاون بين البلدين”. 

 ويضيف: “لم تمض فترة طويلة على زيارة الوزير الروسي حتى حل وزير الخارجية الصيني في تونس لتدشين الأكاديمية الدبلوماسية الدولية، والتي ستقوم بتكوين دبلوماسيين تونسيين وصينيين وغيرهم وبإشراف من الدولتين في سابقة في التعاون على مستوى السياسة الخارجية لم يسبق لها مثيل في تونس. كما تدل المشاريع التي تم الاتفاق على إنجازها إلى حاجة الطرفين التونسي والصيني كلاهما إلى الآخر، باعتبار أن تونس بحاجة إلى الدعم الاقتصادي والصين بحاجة إلى الوجود الاقتصادي في مضيق صقلية مفتاح البحر الأبيض المتوسط والذي يقسمه إلى حوضين وتشرف عليه كل من تونس وإيطاليا وتمر منه حركة ملاحة استثنائية بين مضيق جبل طارق وقناة السويس”. ويلفت المتحدث إلى أن حاجة كل طرف، سواء التونسي أم الصيني، إلى الاستفادة من الآخر هي التي دفعت إلى هذا التقارب بين الجانبين، والذي يبدو أنه سيتطور إلى تعاون استراتيجي في السنوات القليلة المقبلة إذا استمر نسق المشاريع بهذه الوتيرة. ويضيف: “يبدو أنه ليس أمام تونس من خيار سوى التوجه شرقاً وتنويع الشركاء واستقطاب التنين الصيني والدب الروسي وقوى أخرى في ظل ذهاب مواردها لسداد ديون عشرية الخراب التي تمت فيها الاستدانة من دون إنجاز المشاريع التنموية”.تنويع الشراكاتوتشير الصحافية التونسية سامية حرار إلى أن تونس وقعت سنة 2018 اتقاقية تعاون مع الصين في إطار مشروع “الحزام والطريق”، وأثمرت الاتفاقية إنجاز مشاريع تنموية عديدة على غرار الأكاديمية الدبلوماسية ومستشفى صفاقس وغيره. وبالتالي فإن ما يحصل اليوم من تعاون، هو نتيجة طبيعية للاتفاقيات السابقة ولا علاقة له بمسألة رفض صندوق النقد الدولي منح تونس القرض بدفع من بعض أعضائه الفاعلين والحاسمين. وتقول لـ”النهار العربي”: “في الحقيقة أن هذا التقارب التونسي – الصيني هو خطوة عادية وطبيعية بين طرفين موقعين على اتفاقية تعاون، وهو لا يعني أن تونس قد تخلت عن حلفائها التقليديين، أي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كل ما في الأمر أن هناك تنويعاً محموداً في الشراكات لبلد عرف عبر تاريخه بانفتاحه على العالم ورفضه التقوقع والانكفاء على الذات وكانت له صولاته منذ الحقبة القرطاجية في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي”. لذلك فإن “التحليلات التي تربط بين تلكؤ صندوق النقد الدولي في منح تونس القرض الذي طالبت به وعدم إيفاء الأوروبيين بالتزاماتهم المالية حيالها وبين تقارب تونس مع التنين الصيني جانبت الصواب. فالصدفة وحدها هي التي جعلت بعض المشاريع الصينية التي تم الشروع في إنجازها منذ سنوات تجهز في هذه الفترة التي يحصل فيها الجفاء بين تونس وشركائها التقليديين”.