اقتصادي

السياحة وصناعة السّيارات… “فرسا رهان” المغرب في مواجهة التحديات الاقتصاديّة

الملك محمد السادس يعاين أول سيارة مغربية الصنع تعمل بالهيدروجين

محمد خالد

“أظهر المغرب مراراً وتكراراً قدرته القوية على الاستجابة بفعالية للصدمات في السنوات الأخيرة… فزلزال الحوز الذي وقع في 8 أيلول (سبتمبر) 2023، كان الأخير في سلسلة من الصدمات التي ضربت البلاد منذ جائحة كورونا”، هذا ما ذكره البنك الدولي في تقرير له قبل نهاية العام الماضي، سلط فيه الضوء على قدرة الاقتصاد المغربي على الصمود رغم تتابع التحديات.

كغيره من الاقتصادات حول العالم، واجه الاقتصاد المغربي تحديات واسعة خلال السنوات الماضية، بداية من تبعات جائحة كورونا وانعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على مختلف القطاعات ومعدلات النمو الاقتصادي، وما فرضته من إجراءات خاصة، ومروراً بالحرب في أوكرانيا منذ الرابع والعشرين من شهر شباط (فبراير) 2022، وما صاحبها من أزمات مستعرة، بما في ذلك أزمات الطاقة والحبوب وسلاسل الإمداد وغيرها.

لكن علاوة على تلك التحديات المشتركة، كانت للمغرب خصوصية خاصة، لجهة ما عرفه من إشكالات داخلية حادة، من بينها الزلزال وما خلفه من خسائر هائلة، علاوة على أزمة الجفاف التي يشهدها البلد منذ سنوات، وتنعكس مباشرة على القطاع الفلاحي الذي يواجه تحديات هائلة.

شكلت تلك التحديات مُجتمعة صعوبات واسعة المدى أمام اقتصاد المغرب الذي لا يزال قادراً على إبداء الصمود في مواجهتها على نحو واسع، بينما يتبنى مجموعة من الإجراءات والمشاريع الطموحة لمضاعفة الناتج المحلي والتعامل مع التحديات القائمة، لا سيما ما يرتبط بأزمة المياه التي تعصف بالقطاع الفلاحي وتقوض فرص النمو الاقتصادي بالبلاد.

مدير مرصد العمل الحكومي في المغرب، محمد جدري، يحدد في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، ثلاثة تحديات رئيسية، يواجهها الاقتصاد المغربي، على النحو التالي…

التحدي الأول: إشكالية المياه

يقول الاقتصادي المغربي إن بلاده لا تزال مرتهنة لـ”سخاء السماء”. وقد خصص المغرب في هذا الصدد 14 مليار دولار من أجل ربط الأحواض المائية في المملكة وبناء مجموعة من محطات تحلية المياه في أفق 2030 علاوة على بناء السدود الصغيرة والمتوسطة، وكذلك بناء مجموعة من محطات المعالجة التي يمكن استخدامها في الصناعة وسقي المساحات المختلفة.. وإذا تم السير لأبعد مدى في هذه الاتجاهات فلن يبقى المغرب مرتهناً لهذه الإشكالية.

بحسب البيانات التي ذكرها وزير الماء والتجهيز المغربي، نزار بركة، في وقت سابق، فإن سدود المملكة لا تتجاوز نسب امتلائها 23,5 في المئة. في الوقت الذي تشير فيه بعض التقارير إلى تراجع الموارد المائية في البلاد بنسبة تصل إلى 67 في المئة، بينما دخل المغرب عامه السادس على التوالي في ظل تلك الأزمة.

التحدي الثاني: الفاتورة الطاقوية

بحسب جدري، فإن فاتورة الطاقة من بين أبرز التحديات التي تواجه المغرب، لا سيما مع تجاوزها 15 مليار دولار، وبالتالي تمثل كلفة باهظة بالنسبة لاقتصاد صاعد كالاقتصاد الوطني المغربي، ومن هنا يتم العمل على الاستثمار في الطاقة المتجددة، الرياح والطاقة الشمسية، من أجل وصول مزيج الطاقة الكهربائية إلى 52 في المئة في أفق عام 2035.

وتبعاً للبيانات التي كشفت عنها وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في المغرب، ليلى بنعلي، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، فإن بلادها بحاجة إلى استثمارات بأكثر من مليار دولار سنوياً من أجل التحول الطاقي.

التحدي الثالث: البطالة

يسعى المغرب إلى جذب مجموعة من المستثمرين الأجانب؛ لتحقيق مجموعة من مناصب الشغل في قطاعات أساسية مثل صناعة السيارات والطائرات والنسيج والألبسة والجلد، وكل ما يتعلق بالصناعات الغذائية، وكذلك السياحة والصناعات التقليدية وقطاعات أخرى خدمية، وبهدف تقليص معدلات البطالة إلى ما دون الـ10 في المئة.

وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي، إلى أن معدل البطالة في المغرب من المتوقع أن يرتفع من 11.8 في المئة في عام 2022، إلى 12 في المئة في 2023، قبل أن يتراجع إلى11.7 في المئة في 2024.

رؤية المغرب

وبموازاة تلك التحديات، يشير مدير مرصد العمل الحكومي في المغرب، في معرض حديثه مع “النهار العربي” إلى أن الاقتصاد الوطني المغربي لديه رؤية محددة وهي رؤية 2035 التي يبتغي من خلالها تطبيق النموذج التنموي الجديد؛ لمضاعفة الناتج الداخلي من 130 مليار دولار إلى 260 مليار دولار في أفق عام 2035.

ويضيف: “لدينا مجموعة من المشاريع الهيكلية التي يقوم المغرب بتطبيقها منذ عام 2021، أبرزها ما يتعلق بالحماية الاجتماعية التي سوف تساعد جميع المغاربة على  الحصول على تأمين صحي إجباري وتعويضات عائلية ومعاشات الشيخوخة وفقدان الشغل.. كذلك هناك مجهود استثماري كبير في ما يتعلق بالبنية التحتية من مسالك طرقية ومدارس ومستوصفات ومراكز استشفائية جامعية، بحيث تتوافر في كل منطقة من مناطق المملكة على مركز استشفائي جامعي”.

ويشير إلى أن المغرب “يريد أن يحول اقتصاده من اقتصاد يهيمن عليه الاستثمار العمومي إلى اقتصاد يهيمن عليه الاستثمار الخاص بنحو الثلثين، بينما يبقى الاستثمار العمومي مكملاً للأمن الغذائي والطاقوي وكذلك الدوائي والطبي بالنسبة لجميع المغاربة.. ومن أجل ذلك لدينا ميثاق جديد للاستثمار سوف يقدم مجموعة من التسهيلات والمنح القطاعية والمشتركة لمجموعة من المستثمرين المغاربة والأجانب”.

والعام الماضي 2023، فعّل المغرب ميثاق الاستثمار ونظام الدعم الأساسي للاستثمار ونظام الدعم الخاص المطبق على مشاريع الاستثمار ‏ذات الطابع الاستراتيجي.

وتشير تقديرات وكالة الإحصاء المغربية، إلى أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 3.2 في المئة خلال العام الجاري 2024، مقابل نمو بنسبة 2.9 في المئة في عام 2023.

بنت الوكالة تقديراتها بناءً على توقعات بزيادة الصادرات مع تحسن الطلب على السلع المغربية، علاوة على انخفاض محتمل بمحاصيل الحبوب عن المتوسط بسبب أزمة الجفاف التي تعرفها البلاد.

صدمات كبيرة

رئيس المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة في المغرب، رشيد ساري، يقول في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، إن “الاقتصاد المغربي يواجه صدمات كبيرة جداً” سواء لجهة العوامل الداخلية وكذلك المؤشرات السلبية على المستوى العالمي، وبما في ذلك أزمة “التغيرات المناخية” وانعكاساتها الاقتصادية على البلاد. بينما تظل هنالك مجموعة من المؤشرات الإيجابية الواضحة بموازاة ذلك.

في ما يتعلق بالتحديات، يشير ساري إلى أن قانون المالية لعام 2024 قد أوضحها بوضوح، مردفاً: “نتحدث عن إعادة التأهيل والإعمار بالنسبة للمناطق التي ضربها الزلزال، بما في ذلك 22 مليار درهم (2.2 مليار دولار) للإعمار، و98 مليار درهم (9.8 مليارات دولار) للتأهيل، علاوة على برنامج الدعم الاجتماعي وما يتطلبه في مرحلته الأولى بقيمة 94 مليار درهم (9.4 مليارات دولار)، وفي أفق عام 2026 يتعين الوصول إلى 40 مليار درهم (4 مليارات دولار)”.

ويضيف: “علاوة على ذلك يتعين أن نُسجل أيضاً أن المغرب يواجه تحدياً كبيراً جداً، مرتبطاً بالتقلبات المناخية التي ضربت البلاد بشكل كبير”.

وشهد المغرب خمس سنوات متتالية من الجفاف “غير المسبوق” ودخل السنة السادسة، ومع تفاقم الإجهاد المائي بالبلاد بارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي أدى لزيادة معدلات تبخر المياه في السدود، وهو ما أثر مباشرةً على القطاع الفلاحي وإنتاجية المحاصيل.

وفي الوقت نفسه، يسعى المغرب – ضمن حلول للتغلب على هذا التحدي – لإقامة سبع محطات لتحلية مياه البحر في أفق عام 2027، تصل طاقتهم الإنتاجية إلى 143 مليون متر مكعب سنوياً، ليضافوا إلى 12 محطة تحلية قائمة بطاقة إجمالية 179.3 مليون متر مكعب.

على الجانب الآخر، يُسلط رئيس المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة في المغرب، الضوء على مجموعة من المؤشرات الإيجابية التي يشهدها اقتصاد المغرب، بما في ذلك تقدم المنظومة الصناعية، وصناعة السيارات والصناعات المرتبطة بالفوسفات، علاوة على التقدم المحرز بالنسبة للقطاع السياحي بالبلاد.

القطاع السياحي

بالنسبة لقطاع السياحة الذي خصّه ساري بالذكر لدى حديثه مع “النهار العربي” كمؤشر إيجابي بموازاة التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، تشير بيانات الوزارة، إلى ارتفاع نسبته حوالي 17 في المئة في معدلات السياحة الوافدة إلى المغرب خلال العام المنصرم 2023، بعدما بلغ عدد السائحين أكثر من 14 مليون سائح، وبما يشكل زيادة بما يزيد عن ثلاثة ملايين زائر مقارنة بمعدلات عام 2022.

وبحسب ما ذكرته وزيرة السياحة المغربية، فاطمة الزهراء عمور، الأسبوع الماضي في مجلس النواب، فإن عائدات البلاد من القطاع بلغت قرابة الـ 100 مليار درهم، أي ما يعادل 10 مليارات دولار، في معدل قياسي يعكس نمو القطاع بالبلاد، على الرغم من الزلزال الذي ضرب البلد في أيلول (سبتمبر) الماضي.

أما بالنسبة للمنظومة الصناعية، فيُشار إلى دخول المغرب نادي مُنتجي السيارات عالمياً، وهو قطاع تُعول عليه البلد تعويلاً واسعاً، وقد قدّرت وزارة الصناعة والتجارة العوائد السنوية المحتملة في العام الماضي من صادرات السيارات بحوالي 13.8 مليار دولار، مع نمو بنسبة 40 في المئة في الصادرات خلال العام، في وقت يستحوذ فيه القطاع على نسبة أكثر من ربع إيرادات صادرات المغرب.

وتشير تقديرات البنك الدولي، التي نشرها عبر موقعه الإلكتروني باللغة العربية، في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إلى نمو الاقتصاد المغربي بنسبة 2.8 في المئة في 2023 مدفوعاً بالتعافي الجزئي للإنتاج الفلاحي والخدمات وصافي الصادرات، وذلك بعد التباطؤ الحاد الذي شهده عام 2022، والذي نجم عن مختلف الصدمات السلعية والمناخية المتداخلة.

قدرة على الصمود

وبحسب تقرير البنك “من القدرة على الصمود إلى الرخاء المشترك”، فمن المتوقع أن يتعزز هذا التعافي في المدى المتوسط، وأن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 3.1 في المئة في 2024، و3.3 في المئة في 2025، و3.5 في المئة في 2026، مع تعافي الطلب المحلي تدريجياً من الصدمات الأخيرة.

ووفق تقرير البنك الدولي، تتجلى قدرة المغرب على الصمود الخارجي أيضاً في الطلب الخارجي القوي على سلع وخدمات البلاد، على الرغم من التباطؤ الاقتصادي على المستوى العالمي. وبالمثل، لا تزال تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر قوية وموجهة بشكل متزايد نحو قطاع الصناعات التحويلية. وظهرت مجالات صناعية حديثة مختلفة، ترتبط جيداً بسلاسل القيمة العالمية، كما حافظت البلاد على إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، على الرغم من التشديد المستمر للأوضاع المالية العالمية.

وبحسب تقديرات وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، فإن الاقتصاد المغربي من المرجح أن ينمو بنسبة 2.8 في المئة خلال عام 2024. وأعزت الوكالة ذلك إلى الإنفاق على البنية التحتية وأداء القطاع الصناعي الذي وصفته بـ”الجيد” في البلاد، جنباً إلى جنب وأداء القطاع المصرفي، على الرغم من التحديات على مستوى الاقتصاد الكلي.