اخبار سياسية

القبول بعضويّة السّويد في النّاتو… إشارة تركيّة للتوجّه غرباً

جلسة قبل التصويت على مشروع قانون يتعلق بانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي. (أ ف ب)

بعد مفاوضات استغرقت أكثر من عام ونصف، وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيراً على بروتوكول انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، لتتجه الأنظار الآن إلى المجر، الدولة الأطلسية الوحيدة في الحلف التي لم توقّع على البروتوكول.

دفعت الحرب الروسية على أوكرانيا كلاً من السويد وفنلندا إلى الاستغناء عن سياسات الحياد والاستعجال في الانضمام إلى الناتو، والذي يستوجب موافقة الدول الأعضاء الثلاثين في الحلف.

20 شهراً من المفاوضات التركية-الأطلسية

رفضت تركيا عضوية السويد خاصة، متّهمة إياها “باستضافة منظّمات إرهابية”، وهي التي تفرض حظراً للمبيعات العسكرية على أنقرة منذ عملياتها العسكرية في شمال سوريا. لكن موقف أنقرة المتصلّب بدأ بالتراجع بعد توقيع اتّفاق ثلاثي بين الدول الثلاث (تركيا والسويد وفنلندا) في قمة قادة الناتو في 29 حزيران (يونيو) 2022، حين أبدت تركيا موافقتها المبدئية على عضوية الدولتين الإسكندينافيتين في الناتو، مطلقة مساراً من المفاوضات.

خلال هذه الفترة طالبت تركيا استوكهولم تسليمها 33 شخصاً مقيماً على أراضيها تعتبرهم  “إرهابيين”، ثم رفعت العدد إلى 45، وبعدها إلى 73 مطلوباً.

بالمقابل، أرسلت الحكومة السويدية رسالة من صفحتين إلى الرئيس أردوغان ووزارة الخارجية التركية في 6 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تشرح فيها الخطوات الملموسة التي اتّخذتها من أجل “تسريع جهود مكافحة الإرهاب ضد حزب العمال الكردستاني” في البلاد، مرفقة بالرسالة 14 مثالاً مختلفاً لإظهار التزامها الكامل بالاتفاقية الموقعة في حزيران.

أعقب ذلك دخول تعديل دستوري حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني (يناير) الجاري في السويد يشدد قوانين مكافحة الإرهاب، بما يتناسب كثيراً مع مطالب تركيا.

واعتُبرت موافقة تركيا على مشاركة السويد في مناورة “المدافع الصامد” لحلف شمال الأطلسي، والتي من المتوقع أن تبدأ خلال أيام، إقراراً تركياً بعضوية استوكهولم في الحلف، لتتّجه الأنظار إلى المجر وزعيمها فيكتور أوربان الذي دعا نظيره السويدي أولف كريسترسون لزيارة بلاده لمناقشة عضوية السويد في الحلف، وهو الذي وافق على عضوية فنلندا بعد عشرة أيام من موافقة تركيا.

ويرى الدبلوماسي السابق، والمتدرّج في العديد من الوظائف الوزارية والعسكرية والدبلوماسية التركية قبل عهد “العدالة والتنمية”، إيدين سيزير، في حديث إلى “النهار العربي”، أن “تركيا اتّبعت سياسة خاطئة في مسار انضمام السويد إلى الناتو من حيث المضمون والشكل منذ البداية، وتحوّلت هذه السياسة في نهاية المطاف إلى دبلوماسية ابتزاز بالكامل”.

ويشرح سيزير، مؤلف العديد من الكتب السياسية، أنّه “في إطار اتصالات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الأشهر الأخيرة، والمكالمات الهاتفية التي أجراها أردوغان مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وجهود الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولينبرغ، أصبحت تركيا عالقة تماماً في هذا الملف”.

علاوة على ذلك، خلال زيارته الأخيرة لتركيا وفي المؤتمرات الصحافية التي عقدها قبل مجيئه إلى تركيا، نفى بلينكن وجود علاقة مباشرة بين مناقشات عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي وبيع طائرات إف-16 لتركيا، ليقوم على نحو ما، بإلقاء الكرة إلى ملعب كل من تركيا والكونغرس.

ويصف سيزير سياسات بلاده الخارجية بأنها “لا يمكن التنبؤ بها، وتتغير وفقاً لاتجاه الريح، تم رسم العديد من الخطوط المتعرجة خلال فترة العشرين شهراً من مفاوضات انضمام السويد إلى الحلف”.

من المعسكر الروسي إلى المعسكر الغربي

كان أحد أكبر مكاسب تركيا في خلال فترة التفاوض رفع حظر الأسلحة الذي فرضته السويد على أنقرة، وسبقه إعلان وزارة الدفاع الفنلندية في كانون الثاني (يناير) 2023 رفع بلادها “حظر تصدير المعدات العسكرية إلى تركيا” المعمول به منذ عام 2019، وإصدار تراخيص بالمبيعات. كما كانت مسألة حرق القرآن أحد المواضيع الإشكالية بين السويد وتركيا، حيث أعلن وزير العدل السويدي جونار سترومر أن بلاده ستدرس إمكانية تغيير القانون لمنع حرق القرآن الكريم في الأماكن العامة.

وبعد الاتّفاق في قمة قادة الناتو التي عقدت في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، يومي 11 و12 أيلول (يوليو) 2023، بدأت كندا مفاوضات مع أنقرة لرفع القيود المفروضة على تصدير قطع غيار المسيّرات (الدرونز) التركية، قبل أن يُعلن يوم السبت 27 كانون الأول عن إلغائها للقيود بالكامل ومعاودة تصدير التكنولوجيا الكندية لتركيا. كما رفعت هولندا القيود المفروضة على شحنات الأسلحة إلى تركيا.

يشير قبول تركيا بعضوية السويد في حلف الناتو إلى تحوّل في سياسة التوازن التي انتهجتها تركيا خلال السنتين الماضيتين بين روسيا والغرب، وميول تركية نحو الغرب لدوافع اقتصادية.

حرصت أنقرة على اتّخاذ مواقف وسطية خلال الصدام بين موسكو ومجموعة فاغنر، واتّسم خطابها بالاعتدال، متفادية إبداء لهجة قاسية ضد فاغنر أو الإعلان عن الدعم الصريح للرئيس الروسي. كما واصلت أنقرة دعمها لعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، والتي تعتبر إحدى أكثر النقاط حساسية بالنسبة لموسكو، ثم قام الرئيس التركي بتسليم قادة كتيبة آزوف إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وذلك قبل أن يقرّ أخيراً بعضوية السويد في الأطلسي.

على الرغم من المكاسب الاقتصادية والمالية الكبيرة التي حققتها أنقرة من خلال علاقتها الوثيقة مع روسيا، مستغلّة حاجة الأخيرة الملحّة لتركيا للالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليها على خلفية حرب أوكرانيا، إلا أن العلاقة التجارية مع الغرب تظلّ أولوية قصوى بالنسبة لتركيا.

مع إقرار اتّفاقية الاتحاد الجمركي في 31 كانون الأول (ديسمبر) 1995، اكتسب حجم التجارة بين تركيا والاتحاد الأوروبي زخماً كبيراً وصولاً إلى 196.4 مليار دولار في عام 2022، ليكون الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيسي لتركيا.

ويقول سيزير: “علينا أن نتذكّر بأن إحدى القضايا التي تضغط على تركيا في دبلوماسية الابتزاز هذه هي التطورات الاقتصادية. أعتقد أن وزير المالية التركي محمد شيمشك (الذي يقوم بمهام في سياق إعادة توجيه علاقات تركيا مع الغرب)، كان له دور في قبول أنقرة لعضوية السويد، لأن رفض الحكومة تنفيذ قرارات المحكمة الدستورية (لجهة إطلاق سراح السياسيين والنشطاء) وموقف تركيا العدائي من الغرب وحلف شمال الأطلسي، تسببت بأضرار خطيرة للسياسات الاقتصادية العقلانية التي يرغب شيمشيك في اتّباعها. أعتقد أنّه ربما كان له دور في إقناع الرئيس أردوغان”.

ويبدو أن الرئيس التركي يسعى بعد الانتخابات إلى علاقات أكثر إيجابية مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهو الذي طالب بالعودة إلى محادثات انضمام بلاده إلى الاتّحاد الأوروبي، رغم علمه بعدم وجود قبول أوروبي للخطوة، لكنّ طلبه فسّر كرسالة تركية تظهر رغبة الميل نحو الغرب.

وبرأي سيزير، فإن رفض أنقرة لعضوية السويد بداية “ربما كان كبادرة لروسيا في إطار العلاقات الشخصية للرئيس أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، معتبراً الموافقة “تطوّراً إيجابياً للغاية في ما يتعلق بالسياسة الخارجية التركية، ولكن لسوء الحظ كان علينا تفادي الوقوع في صورة الدولة المبتزة”.