اخبار سياسية

​ بغداد توقف تأشيرات العمل للسوريين… “ضاقت الدنيا بنا”

لم تعد بغداد ترحب بالعمالة السورية

قرّرت جمهورية العراق خلال الأيام الماضية إيقاف سمة الدخول (التأشيرة المرتبطة بعقود العمل) للسوريين حصراً، وذلك نظراً الى اكتفاء السوق بالعمالة السورية، وفق قول مصادر عراقية خاصة لـ “النهار العربي”. المصادر رجحت وجود أكثر من 400 ألف سوري في العراق، غالبيتهم دخلوا بطريقة غير نظامية أو لجأوا الى ما يُعرف بـ “كسر الإقامة” واستمرار الوجود غير الشرعي، في حين أنّ الإقامات النظامية للسوريين هناك، بحسب المصادر، تتراوح ما بين 15 و20 ألف إقامة مسجّلة لدى السفارة السورية، والقرار المتخذ أخيراً يشمل بغداد ويستثني أربيل التي لم تتخذ قراراً مشابهاً وفق نظام التقسيم السياسي المعمول به عراقياً والمتفق عليه داخلياً. قرار بغداد جاء غير محدّد بمدة زمنية لإعادة فتح باب الفيزا، كما أنّه غير ذي مفعول رجعي، أي أنّ من امتلك عقد عمل سابقاً هناك فسيظلّ عقده سارياً أو قابلاً للتجديد، ولن يخسر المزايا الاعتمادية، كما استثنى القرار الزيارات والسياحة، ليقتصر على عقود العمل، وهي الأكثر طلباً والتي تمثل مسعى السوريين الذين يحاولون الحصول على العمل قبل السفر، ويكون ذلك عبر قنوات متعددة، بينها مكاتب السياحة وشركات التوظيف، أو حتى عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي كمثل موقع “لينكد إن”. القرار جاء صادماً لمئات وربما آلاف السوريين الذين كانوا يتجهزون للمغادرة نحو بغداد والانخراط في سوق العمل هناك، مفضّلين إياها على اربيل لانخفاض تكاليف المعيشة نسبياً، رغم أنّ عمالة السوري في الخارج عموماً صارت مقابل أجور متدنية للغاية تبعاً لتوافرها المتزايد من دون انقطاع.
“خسرت فرصة عمري”“منذ خمسة أشهر وأنا أتفاوض مع شركة نفطية في العراق، وكدنا ننجز الاتفاق وتتيسر الأمور، فرصة السفر تلك ليست حلماً لأنّها خارج سوريا المحطمة فقط، بل لأنّها في صلب قطاع دراستي الأكاديمية”، تقول مهندسة البترول سميّة زيراني لـ “النهار العربي”، معبّرةً عن خذلانها الشديد من قرار العراق الذي حرمها مما تصفه بـ “فرصة العمر”. وتضيف: “الجميع بات يعلم أنّ دروب أوروبا صارت مغلقة أمام السوريين، جندرما وحرس حدود وجيوش وحروب وعواصف ومخاطر وغابات، قلّت خياراتنا، كان السودان ملجأ عظيماً فاشتعلت الحرب هناك، في ليبيا رواتب جيدة ولكنها خطرة وليست لفتاة، ماذا إذاً؟، العراق القريب، وعقد العمل الجيد جداً، ولكن حظنا وصرنا نعرفه، لا يوجد خيار في الكون إلاّ انتظار السماح لنا بالسفر  إلى هناك من جديد، أو ربما كما قيل لي الدخول بشكل غير شرعي، ولكنّني أكثر عقلانية من أن أغامر”.
خياراتٌ أخرىمحمود ياسين شابٌ سوريٌّ آخر يعمل مدير صالة في مقهى في دمشق، يتقاضى شهرياً نحو 30 دولاراً، كان لديه سعيٌّ متواصل للسفر إلى بغداد والحصول على فرصة عمل في مجاله، إذ لم يوفّر فرصةً للتواصل مع ما أتيح له هناك من مطاعم ومقاهٍ، وكاد الحلم يصير حقيقة أخيراً، إذ عثر على عمل هناك سيتقاضى بموجبه أكثر من 1000 دولار بقليل. يقول: “الآن تبخّر الحلم، الفرق بين راتبي هنا وهناك 970 دولاراً، تخيّل حجم ما نحن فيه، وهناك ساعات العمل أقل، والواجبات أقل، والسكن والطعام مؤمنان أيضاً، وبغداد ليست تلك المدينة التي تستنزف النقود، فيمكنني أن أكوّن نفسي بعد أن صار عمري 35 عاماً وأنا لا أملك غرفة في بلدي”. يقف محمود عاجزاً أمام قرار منع فيز عقود العمل، ولكنّه يستمع من أصدقائه الى خيارات متاحة، يشرح عنها لـ”النهار العربي”: “أشار عليّ بعض الأصدقاء أن أحصل على فيزا سياحية إلى بغداد، وبعد نهاية مدتها أقوم بكسرها (أي أظلّ مقيماً من دون تصريح)، ومن ثم أحظى بفرصة عمل، لا أدري إن كانت ستنجح الفكرة، ربما ثمّة مخاطرة في الأمر، ولكن علمت أنّ مئات آلاف السوريين فعلوا ذلك قبلي”. ويضيف: “في حال كان عقد العمل غالباً تتكفّل جهة العمل بدفع رسوم الحجز والتذاكر والفيزا والإقامة، أما في حالتي هذه وبقية من يشاركني من السوريين في اصطدام فقداننا إمكان السفر لأجل العمل، فسنضطر كما علمت حين سألت، لدفع أكثر من 1000 دولار للوصول من مطار دمشق إلى مطار بغداد، متضمنةً التيكيت والفيزا والإقامة والخ، وهذا الرقم في سوريا مهول، ففي وظيفتي الحالية أحتاج للعمل ثلاث سنوات متواصلة من دون أن أصرف قرشاً لجمعه!”.
رفض الاستسلامميساء إسماعيل فتاةٌ سورية تخرّجت في كلية الآداب وقرّرت السفر الى دبي وإيجاد فرصة عمل تنتشلها من واقعها السوريّ المرير، لكنها لم توفق في إيجاد فرصة عمل. لم تستلم ميساء وعادت إلى سوريا لتشحن طاقتها وتدرس خياراتها كما تصف ثم تعاود الكرّة من جديد ولكن هذه المرّة نحو بلد آخر، بعد أن استبعدت السودان بسبب حربه، ولبنان لمشاكله المالية كما تصف، وتركيا لعوامل متباينة، فظلّ أمامها خياران قريبان، أربيل وبغداد، أربيل أيضاً خضعت للاستبعاد بسبب ارتفاع أجور السكن والمواصلات والنفقات العامة وقلّة فرص العمل، لتظلّ بغداد، شقيقة الشام في مآسيها، كما تقول ميساء وهي تربط الاثنتين بالحاضر المتشابه الذي عزّ فيه سفرها إلى هناك، لولا أنّها تملك نيّة المغامرة.

تقول ميساء: “هل تعتقد أنّ السوريّ الذي خاض الأهوال لينجو من الحرب ويسافر حول نصف الأرض ليصل إلى دول بعيدة، سيعجز عن عبور حدود تقليدية؟، في كل مشكلة هناك حلول، ونحن لطالما برعنا بإيجاد تلك الحلول، لا يريدوننا بعقود عمل؟، سنذهب سياحةً إذاً، وبالمناسبة الدين بالدين، في سوريا بعد حرب العراق عام 2003، ومع مطلع حربنا كان هناك مليون ونصف مليون عراقي في سوريا، لماذا تتمّ معاملتنا هكذا؟ نحن نستحق القليل من المحبة بعدما نجونا كبشر من محرقة لم ينج منها إلّا من كُتب عليه أن يكون مقاتلاً بارعاً”.  
كتف الجواريجيء قرار العراق ليزيد خناق خيارات السفر على السوريين الذين تضج بهم مكاتب السياحة، بعدما صار الوصول إلى أوروبا تهريباً أشبه بمعجزة مقابل وصول آمن من مطار دمشق إلى مطارات المدن في دول الجوار، ومما لا شك فيه وما يعرفه السوريون جيّداً، أنّ قرار العراق لا يندرج ضمن حسابات سياسية لبلد لم يبخل طيلة حربهم في استقبالهم من دون قيود، آملين بانفراجٍ قريب يعيد إليهم حضن الجار القريب.