الحرب تعصف بالموسم الزراعي في السودان… من ينقذ البلاد من المجاعة؟

4

جهود مضنية لإنقاذ الموسم الزراعي في ظل الظروف الصعبة. (تصوير محمد علي طه)

لم يأتِ وصف السودان بـ”سلّة غذاء العرب” من فراغ، فالبلد الواقع ضمن ممرات مائية كبرى يعتمد بدرجة واسعة جداً على الزراعة، وبمساحات صالحة للاستثمار الزراعي يمكن أن تحوّل البلاد لمورد هام للأغذية في العالم العربي. غير أنّ الحرب كانت لها كلمة أخرى، فألحقت ضرراً كبيراً بعصب الاقتصاد الأول، وبالمساعي المتواصلة لإنقاذ الموسم الزراعي. لم تطل نيران المعارك أرض ولاية القضارف شرق السودان، ولكنها تركت آثارها على عبد الواحد سيد، فالمهندس الزراعي الذي يعيش من أرضه وإنتاج محصول الفول السوداني، يبدو محبطاً جراء الخسائر التي ترتبت عليه وعلى باقي المزارعين في الولاية. يروي سيد لـ”النهار العربي” أنّ الرحلة تبدأ من توفير السماد والبذور والوقود منذ بداية موسم الخريف، ليقوم المزارعون بالتبذير ثم الحصاد. ولكن أبواب المصرف الزراعي كانت مغلقة هذه السنة، حسب وصفه. ويضيف: “الثقل الرئيسي هو في موسم الخريف، لأننا نعتمد على الري والأمطار، لكن الإنتاج في أدنى مستوياته والأسعار في تدهور مستمر، لذا كان الموسم خاسراً ولا أظن أنّ الموسم المقبل سيكون أفضل”. أما في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، فيبدو الوضع أفضل نسبياً، كما يصفه معمر أحمد، المزارع القاطن هناك. يتحدث الرجل الأربعيني لـ”النهار العربي” عن وسائل بدائية تُستخدم لاستصلاح الأراضي. يقول إنّ “الكثير من المزارعين يعتمدون على الدواب في حراثة الأرض والري بطرق بسيطة والسماد الطبيعي، لذا تبدو الأوضاع أفضل بما يكفي للاستهلاك المحلي. ولكن التوتر الميداني يجعلنا في خوف دائم”. 

زراعة القمح في الولاية الشمالية. (تصوير شهاب فيصل) الخوف هنا وفق معمر يتجسّد في الفلتان الأمني وانتشار عصابات النهب والسرقة. أما الأخطر، فهو ما يعبّر عنه الصادق عبد الله، وهو طرق النقل إلى الولايات. فتاجر الحبوب وابن ولاية الجزيرة لم يتمكن من نقل محصوله من الفول السوداني بسبب عصابات النهب. ويعلّق قائلاً: “كان دخول الدعم السريع إلى الجزيرة بمثابة الكارثة، فكل الطرق إلى القضارف وسنار والنيل الأبيض مليئة بقواعد تابعة لهم تصادر الحمولات. وقبل ذلك، فإنّ الطريق القومي من الغرب نحو أم درمان والولايات الشمالية ضمن مدينة الأبيض بات مهجوراً ولا يسلكه أحد للسبب ذاته”. أرض الثروات الضائعةعلى رغم أنّ المساحات الزراعية في السودان تُقدّر بـ 200 مليون فدان (ثلث مساحة البلاد)، وذلك بحسب تصريحات سابقة لوزير المالية جبريل إبراهيم، وهي أرقام تؤهل البلاد لتصدير محاصيل مهمة كالقطن والسمسم والذرة، غير أنّ السكان معرّضون لخطر النقص الغذائي بشكل متواصل، حتى في السنوات التي سبقت الحرب. إذ يكشف تقرير صادر عن مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة في السودان، أنّ غمر المياه للأراضي الزراعية قد يفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائي التي يعيشها السودانيون. تقرير الأمم المتحدة كان قد صدر إثر فيضانات تعرّضت لها ولاية الجزيرة ونهر النيل في خريف 2022، أتلفت مساحات ضخمة بالتزامن مع موسم الحصاد، ما أسفر عن خسائر اقتصادية انعكست سلباً على مختلف القطاعات الحيوية في بلد يعتمد، بحسب منظمة العمل الدولية وتقرير للبنك الدولي، على الزراعة بنسبة 30% للناتج المحلي الإجمالي، وتشغل أكثر من 40% من السكان، لتضاف إليها أزمات الحروب والنزوح وعدم القدرة على تأمين المستلزمات الخاصة بالري والأسمدة، وصولاً إلى طرق التصدير. أما منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، فقد أشارت في تقرير إلى مساعٍ لاستهداف أكثر من مليون أسرة زراعية لإنقاذ الموسم الزراعي، من خلال توزيع بذور الذرة والدُخن والبامية، بهدف إنتاج 3 ملايين طن من الحبوب لتغطية احتياجات 13 مليون شخص إلى 19 مليون وفق المنظمة. وقد تكون الإشارة لمدى الضرر الذي أصاب مشروع الجزيرة الزراعي جنوب الخرطوم، أحد أكبر الدلائل على فداحة الخطر الذي يلاحق السودانيين. فالمشروع الممتد حتى ولاية سنار، يُعدّ بحسب القائمين عليه أكبر مساحة مروية في أفريقيا. كان قادراً على إنتاج محاصيل الذرة والقمح والخضار والفول السوداني، مستفيداً من موقعه بين ضفتي النيل الأزرق والأبيض بمساحة 2.2 مليون فدان (تمتلك الحكومة أكثر من نصفها والباقي للقطاع الأهلي). لكن هذا الاستثمار قد غدا في مهبّ الريح إثر امتداد الحرب للولاية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي ونزوح الآلاف من قراهم ومدنهم، إضافة لعمليات السرقة وتوقف عجلة الإنتاج المتعثرة أصلاً، لنقص التمويل، وفق مصادر محلية. 

 “سلّة غذاء العرب” بحاجة لمن يملؤها… بهذه العبارة يستهل المحلّل الاقتصادي منذر ود أحمد حديثه لـ”النهار العربي”، واصفاً أزمة القطاع الزراعي بالكارثة التي لا يلتفت إليها أحد، مضيفاً أنّ “نهضة السودان مرتبطة بالزراعة، واقتصاده يمكن أن يغدو الأقوى في أفريقيا والعالم العربي لو تمّ استثمار الموارد بشكل صحيح، ولكن من أصل ثلث مساحة البلاد الصالحة للفلاحة لم يتمّ استثمار أكثر من 20% من الأراضي، ناهيك بتداخل واسع بين مساحات الزراعة والمراعي المخصّصة للمواشي. أضف إلى ذلك أنّ أكثر من 400 مليار من المتر المكعب هي معدلات هطول الأمطار، لا يتمّ توظيفها للري، بل تتحول لنقمة وكارثة على الحقول، وهو ما يتكرّر سنوياً في غالبية الولايات”. ولهذه الأسباب بحسب ود أحمد، مترافقة مع عدم الاستقرار السياسي والأمني، يفتقد السودان لدعم التنمية الزراعية، ويخسر سنوياً مليارات الدولارات التي كانت ستحسّن الاقتصاد، ما يدفعه للاستيراد واستنزاف الخزينة من أجل سدّ الفجوة الغذائية، وفق تعبيره.

التعليقات معطلة.