أعلن البرلمان الليبي اليوم مدينة زليتن على الساحل الغربي للبلاد مدينة منكوبة بعدما تصدرت المشهد المحتقن في البلاد خلال الأسبوع الماضي، ليس بسبب وفرة قياسية في إنتاجها الزراعي لما تشتهر به من مزارع، خصوصاً النخيل، أو على خلفية معدلات غير مسبوقة في تصدير الإسمنت، وفيها أكبر مصانع ليبيا، ولا لاكتشاف أثري نادر يعود إلى العصر الروماني، بل بسبب ارتفاع كبير في منسوب المياه الملوثة أدى إلى غرق منازل وإجلاء قاطنيها، فيما فشلت السلطات المحلية في التعاطي مع تداعيات الأزمة رغم إعلانها حالة الطوارئ القصوى في المدينة، فاستدعت خبراء أجانب للبحث في الأسباب التي أدت إليها. وفتحت الكارثة الباب واسعاً للحديث مجدداً عن تهالك البنى التحتية في ليبيا والفساد الذي يضرب المؤسسات المحلية، وسط تحذيرات من تلوث بيئي بدأت إرهاصاته تظهر مع الإعلان عن إصابات بأمراض بين سكان المدينة التي تطل على ساحل المتوسط وتبعد عشرات الكيلومترات من العاصمة طرابلس. وما يفاقم الأزمة إعلان مسؤولين محليين تصدع مبان وانهيار أخرى، منها مبنى المنطقة الحضارية، بالإضافة إلى 11 مؤسسة تعليمية، وانتشار البعوض والحشرات في البرك والمستنقعات بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية الذي يتمدد إلى مدن مجاورة لزليتن، على رأسها مصراتة. تعدّدت الأسباب…وفيما عزا وزير البيئة في حكومة الوحدة الوطنية إبراهيم العرابي الكارثة إلى تهالك شبكات الصرف الصحي في زليتن، اشتكى رئيس لجنة الأزمات والطوارئ مصطفى البحباح من تأخر الحكومة في صرف الموازنة التي طلبتها البلدية لمواجهة الأزمة، كاشفاً عن نزوحِ عشرات العائلات بعد تضررِ مساكنها. وتداول ناشطون في زليتن على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوات لمساحات زراعية واسعة أغرقتها المياه الجوفية الملوثة، وشوارع غارقة في مياة البرك، وجدران مبان أصابتها الشقوق والتصدعات، فيما عاد الصراع بين الحكومتين إلى الواجهة بعدما وجه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح رئيس حكومته المكلفة أسامة حماد، بالتدخل لمعالجة الأزمة، رغم أن زليتن تقع ضمن مناطق سيطرة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. ⬅️ مدينة زليتن الليبية مهددة بالنزول تحت وقع خروج مياه جوفية من باطن أرضها لا تنقطع 🤔😳👇
ودخلت المؤسسة الوطنية للنفط على الخط، بعد تعليمات من رئيس مجلس إدارتها فرحات بن قدارة إلى مركز بحوث النفط بالتوجه إلى زليتن وإجراء دراسات عاجلة لوضع حلول بشأن ارتفاع منسوب المياه الجوفية. كما أعلنت المؤسسة عن اجتماع مع كبريات شركات القطاع بحضور مسؤولي بلدية زليتن وعدد من الخبراء الجيولوجيين لمناقشة دعم المدينة في مواجهة الكارثة البيئية. نزوح مستمر وحلول عاجلة مطلوبةالناطق باسم المجلس البلدي في زليتن إسماعيل الجوصمي كشف عن “استمرار نزوح العائلات في المناطق المتضررة بعد إعلانها منكوبة، فيما تعمل شركة المياه والصرف الصحي على شفط المياه وردم المناطق المتضررة، وهي حلول مبدئية لا تمثل حلاً جذرياً للأزمة بل لها تداعيات على المباني السكنية”، مؤكداً لـ”النهار العربي” تمدد ارتفاع المياه الجوفية إلى مناطق أخرى، داعياً الحكومة إلى “الإسراع في وضع حل للأزمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم وننتظر وصول فريق استشاري دولي وفقاً لما وعدت به الحكومة”.
لكن رئيس مديرية الإصلاح البيئي محمد فرج أكد أن الإجراءات المحلية “غير كافية، ففي حالة سقوط أمطار سيعود منسوب المياه إلى الارتفاع مجدداً، كما لوحظ أنه مع ردم مناطق تعود المياه لترتفع مجدداً في مناطق أخرى”. وقال: “ارتفاع المياه الجوفية تسبب في تلف أراض زراعية ومحاصيل، كما أثر على البنية التحتية للمباني السكنية”. وأوضح فرج لـ”النهار العربي” أن السلطات الليبية تعول على وصول خبراء شركة استشارية إنكليزية متخصصة إلى ليبيا، وقد بدأت إجراءات فحص التربة، وعلى إثر ذلك ستضع تقييماً للوضع والكشف عن اأسباب الأزمة ووضع حلول لها. مخاوف من تلوث بيئيوبخصوص المخاوف من تلوث بيئي، أشار فرج إلى أن بلدية زليتن عمدت إلى تحليل المياه لكشف معدلات التلوث، وتحذير السكان من استخدام مصادر المياه الملوثة، كما قامت برش المبيدات للحد من انتشار الحشرات التي أدت إلى إصابات بأمراض جلدية، مطالباً بتدخل السلطات الحكومية وأجهزتها لإجلاء سكان المناطق المتضررة وتوفير سكن بديل لهم لحين حل الأزمة التي باتت أكبر من قدرات أجهزة البلديات.
أما الأكاديمي الليبي المتخصص في التغيرات المناخية سامي الأوجلي فلفت إلى أن “ما يحدث في زليتن يعود إلى عام 2014 من دون تدخل الأجهزة الرسمية. كان يجب منذ بدء ظهور ارتفاع في المياه الجوفية وضع الدراسات للبحث في أسبابه وتدبير الموازنات لمعالجته، قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة لها تداعيات مادية وبشرية”، مشدداً لـ”النهار العربي” على أنه “من دون معرفة أسباب الظاهرة لن تتم معالجتها بسيارات شفط ومعدات الردم”، كما توقع امتداد الأزمة إلى مدة ليبية عدة، مرجحاً أن تفاقم الكارثة “يعود إلى العبث بالنظام البيئي والتلوث المتفشي، بالإضافة إلى توقف عمل بعض السدود القائمة على الأودية الطبيعية، ما أدى إلى تشبع باطن الأرض بالمياه. وثمة عامل لا نستطيع إهماله يكمن في تأثير التغيرات المناخية على ارتفاع مستويات منسوب المياه، وهو ما يطرح السؤال عن تجاهل الدراسات البيئية في المناطق المتوقع حصول أزمات فيها قبل حدوثها”. وقال: “للأسف السلطات الرسمية لا تعتني بأبحاث الخبراء، فقد حذرنا منذ سنوات وقبل كارثة مدينة درنة، ولا نزال نحذر من كوارث طبيعية قد تضرب مناطق عدة في ليبيا”.