شكَّلَ يوم السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، نقطة تحوّل مُزلزلة في تاريخ قطاع غزة؛ حيث اندلعت الحرب التي تدور رحاها منذ أربعة أشهر، مع فاتورتها باهظة التكلفة؛ سواءً بالنظر إلى الخسائر المباشرة وغير المباشرة على القطاع، الذي تعرّض لتدمير شبه كلّي في البنى الأساسية، بخلاف الخسائر الممتدة خارج نطاق الحرب، والتي تلقي بظلالها الوخيمة على الاقتصاد العالمي.
تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أنّ اقتصاد غزة يحتاج إلى ما يصل لسبعة عقود؛ من أجل العودة لمستويات العام 2022، وذلك بافتراض حالة انتهاء الحرب وبدء الإعمار ومع عودة معدلات النمو إلى 0.4 في المئة.
وفي سيناريو أكثر تفاؤلاً، يمكن العودة لمستويات ما قبل الحرب لجهة نصيب الفرد من الناتج الإجمالي بحلول العام 2035، وذلك بافتراض نمو بنسبة 10 في المئة.
وإلى ذلك، تشير تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، إلى أنّ خسائر اقتصاد فلسطين تصل إلى 25 في المئة من قيمته في 2023. ومع تراجع نصيب الفرد من الناتج الإجمالي بنحو 26.1 في المئة خلال العام الماضي.
معدلات البطالة ارتفعت إلى 79.3 في المئة بنهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مع “تدمير كلّي” لـ 37,379 مبنى، أو ما يعادل 18 في المئة من إجمالي المباني في قطاع غزة، جراء العملية العسكرية، وفق المنظمة الأممية.
ووفق تقديرات الـ”أونكتاد”، فإنّ عملية التعافي تتطلّب “عدة أضعاف المبلغ الذي كان مطلوباً للتعافي بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة عام 2014، وهو 3.9 مليارات دولار”.
وتعكس تلك التقديرات، جانباً من حجم الخسائر الاقتصادية التي مُني بها القطاع، والتي من المرشح أن تتفاقم بشكل أسرع مع استمرار الحرب ودخول شهرها الخامس.
حجم الدمار
من جانبه، يقول مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، رئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث، أبوبكر الديب، في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، إنّ قطاع غزة بالأساس قبل بدء الحرب كان يحتاج إلى إعادة الإعمار، إذ كان العديد من المباني والبنى الأساسية مُدمّراً أو خارج الخدمة منذ حرب 2014، والآن وبعد 4 أشهر من الحرب الأخيرة؛ “لم يبق حجر على حجر في القطاع”.
وأفاد الديب بأنّ نسبة ما بين 70 إلى 80 في المئة من مباني غزة دُمّرت تدميراً كلياً أو جزئياً، مع انهيار البنى الأساسية على المستويات كافة، ولا سيما الخدمية منها، بما في ذلك محطات المياه والصرف الصحي والمشافي والمساجد والأبنية القديمة والمدارس، مع تضرّر أو انهيار القطاعات الرئيسية بما في ذلك القطاع الزراعي ومختلف القطاعات.
خسائر مباشرة وغير مباشرة
ويُشار هنا إلى تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، والتي كشفت عن أنّ حجم الخسائر الاقتصادية الأولية قد تصل إلى 11 مليار دولار حتى نهاية 2023، وذلك بخلاف الخسائر غير المباشرة المقدّرة بحوالى 12 مليار دولار.
وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإنّ خسائر قطاع غزة يمكن أن تصل إلى نحو 20 مليار دولار.
تضمنت فاتورة الخسائر دماراً شبه كلّي في البنى التحتية، مع تدمير أكثر من 305 آلاف وحدة سكنيه، ما بين تدمير كامل أو جزئي، بخسائر تقدّر بما يصل إلى 7.5 مليارات دولار، مع خسائر أخرى موزعة على شتى القطاعات الاقتصادية، بداية من القطاع التجاري الذي يصل مجموع خسائره إلى نحو 650 مليون دولار، بحسب تقديرات نشرتها تقارير إعلامية، بخلاف 230 مليون دولار خسائر القطاع الصحي، و720 مليون دولار خسائر القطاع التعليمي.
وإلى ذلك، أشار الديب في الوقت نفسه إلى الآثار الممتدة لمنع دخول المساعدات الإنسانية، وتوقف حركة التبادل التجاري مع القطاع بشكل أو بآخر، على اعتبار أنّ غزة كان يدخلها حوالى 500 شاحنة محمّلة بالبضائع كافة.. وبالتالي فإنّ “الخسائر تحتاج عقوداً من أجل عودة القطاع إلى وضعه الاقتصادي من جديد في ضوء حجم الدمار الذي خلّفته الحرب”.
إعادة الإعمار
وشدّد الديب على أنّ قطاع غزة “يحتاج إلى تكاتف عالمي، ومؤتمر عالمي عام لإعادة الإعمار تُنفق فيه مليارات الدولارات”، موضحاً أنّ التقديرات تشير إلى قرابة الـ 200 مليار دولار من أجل إعادة الإعمار بشكل جزئي وليس كلياً.
وفي خطٍ متوازٍ مع الفاتورة الباهظة للحرب على اقتصاد غزة، فإنّ تصاعد الحرب شكّل في سياق متصل “صدمة” جديدة بالنسبة لاقتصادات المنطقة، لا سيما دول الجوار، بحسب تقرير حديث صادر عن صندوق النقد الدولي، عن أثر الصراعات والتحدّيات الاقتصادية في المنطقة، وبما دفع الصندوق إلى خفض توقعاته لنسبة النمو المتوقعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2024 بنصف نقطة مئوية، لتسجّل 2.9 في المئة، بعد عام شهد نمواً متواضعاً في حدود 2 في المئة.
ويرتبط ذلك بحالة عدم اليقين التي تواجهها تلك الاقتصادات في ظلّ تصاعد التوترات الجيوسياسية على نحو واسع، وأثر الحرب في غزة عليها، بما في ذلك انعكاسات الاضطرابات في البحر الأحمر وتأثيراتها.
وتتباين السيناريوهات المحتملة بتباين مصير الحرب، ذلك أنّ عوامل مثل استمرار الحرب لفترات زمنية أطول أو امتدادها لتشمل محاور أخرى خارج نطاقاتها الحالية داخل غزة، من شأنها أن تلقي بظلال اقتصادية وخيمة على المنطقة والعالم.