تعيش أوروبا حالاً من الترقب مع تزايد التوقعات في الولايات المتحدة الأميركية بعودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والذي يكاد يكون من المؤكد أنه سيكون مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية. فماذا يعني ذلك لأوروبا في غياب استراتيجية منسقة بين رؤساء الدول والحكومات فيها لبقاء حلف الناتو، الذي هدد ترامب سابقاً بالانسحاب منه، كما فرض ضرائب عقابية على المنتجات المستوردة من الاتحاد الأوروبي؟وما هي التداعيات المحتملة لنيته إنهاء الدعم العسكري لأوكرانيا، وهل يتمتع الاتحاد الأوروبي بالقدر الكافي للصمود اقتصادياً وأمنياً؟ ذعر وحيرة في بروكسلتشير قراءات سياسية إلى أن فكرة أن يصبح ترامب مجدداً رئيساً للولايات المتحدة تثير الذعر والحيرة في الاتحاد الأوروبي، بحكم أن سياسته ستخلّف عواقب وخيمة على أمن أوروبا، وبخاصة إذا ما انشغلت أميركا مع إيران والصين، وتركتها عارية تماماً، وعندها ستكون الصواريخ الروسية على بعد دقائق من العواصم الأوروبية.وتعرض التكتل خلال ولاية ترامب الأولى للكثير من المهانة والابتزاز، وكان تعامله مع بروكسل مدفوعاً في المقام الأول بالمصالح والصفقات وبعيداً من القيم المشتركة، بعدما تجاوز الأعراف والعادات، وألغى العديد من الاتفاقيات الدولية، إلى تعريفات عقابية على بعض السلع، بينها الصلب والألومينيوم، وإمعانه في التشدد في رفع نسبة الإنفاق الدفاعي على الناتو لأكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك بتحريضه على الصراعات التجارية مع الصين. وترامب رافض لمنح المزيد من المساعدات الأميركية لكييف، ووفق وجهة نظره فإن على الدول الأوروبية أن تتكفل بالدفع. وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق قبل أيام على منح أوكرانيا 50 مليار يورو. وبحكم ترديده دائماً أنه ينسجم جيداً مع المستبدين، وادعاءاته بأنه يستطيع حل أزمة حرب أوكرانيا خلال 24 ساعة، وأنه كقطب سابق في مجال العقارات وسيد المفاوضات، يشدد مراقبون على أنه إذا عاد ترامب فسيكون أكثر ثقة باعتباره الشخص الذي يكون تجاوز كل المطبات والاتهامات ضده، وبالتالي، فإن طبيعة العلاقات عبر الأطلسي سوف تتغير في العهد الجديد، وانسحابه من الناتو سيكون انتصاراً لبوتين. حتى أن هناك بعض التحليلات ذهبت أبعد من ذلك، ووصلت إلى حد الخشية من أن يستخدم ترامب قوى موثوقة مثل روسيا لمحاولة تنفيذ سياسات مناهضة لأوروبا من أجل زعزعة الاتحاد الأوروبي، مشيرين مثلاً إلى بريطانيا العظمى وإلى أن الدولة القومية في أوروبا من الممكن أن تؤدي إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية كبرى، وهذا ما يزيد من الضغوط الداخلية والخارجية على الديموقراطيات فيها. وعما إذا كان يعني أن الأميركيين لن يعودوا مسؤولين عن أمن أوروبا، كان للباحثة السياسية في مركز أبحاث مستقل في واشنطن ليانا فيكس رأي مغاير نسبياً، إذ أشارت إلى أنه من أجل إضعاف الناتو، لا تحتاج الولايات المتحدة إلى الانسحاب رسمياً من الحلف، بل سيكون خرق الثقة كافياً، وعلى سبيل المثال، من خلال سحب كل القوات الأميركية من أوروبا، والتشكيك في المادة الخامسة المتعلقة بتقديم المساعدة. وبالرغم من أن الكونغرس قد يحاول التدخل، إلا أن الرئيس يتمتع في النهاية بالقيادة العسكرية ويقرر وجود القوات خارج البلاد واحتمال انسحابها. ويتمركز حالياً نحو 100 ألف جندي أميركي في دول الناتو، بينهم 35 ألفاً في ألمانيا. ألمانيا والدور القيادي ورغم أنه لا جدال في بروكسل في أن على أوروبا أن تفعل المزيد من أجل الدفاع عن نفسها، مع التوقعات بما سيسببه ترامب من فوضى في عالم يبدو أنه يتفكك بالفعل، اعتبر النائب عن الحزب المسيحي الديموقراطي في البرلمان الأوروبي ميشائيل غاهلر، أن “على الأوروبيين كشركاء في الناتو أن يقوموا بالاستعدادات اللازمة لوصوله، وليس من الحكمة عدم أخذ احتمال عودته على محمل الجد، بمجرد أننا لا نتناغم مع أطروحاته”. ويفترض غاهلر الملمّ بالسياسية الخارجية والدفاعية الأوروبية أنه وفق ما تبرزه مراكز الأبحاث والفكر المقربة من ترامب، فإن الدرع الواقية النووية الأميركية لأوروبا ستبقى على حالها. هذا في وقت حذر الباحث السياسي ونائب مدير المجلس الألماني للعلاقات الخارجية كريستيان مولينغ من أن يتزايد النهم لدى بوتين الإمبريالي بتهديده الأوروبيين، وبخاصة الشرقيين مع تراجع الدور الأميركي في أوكرانيا، وهذا بدوره يعني أن ألمانيا وأوروبا الغربية ستكونان أكثر طلباً للمساعدة والحماية، وهذا مكلف جداً. وعن مدى تأثير ذلك، اعتبر محللون أنه مع وجود ترامب أو من دونه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتعلم كيفية التعامل مع مهماته باستقلالية وإيجاد الحلول بما يخدم مصالح مواطنيه، رغم كم المليارات الإضافية المطلوب جمعها من الموازنات الوطنية للدول الأوروبية، وهذا ما سيفقد دوله القدرة على الصرف على قطاعات أخرى. وكل ذلك على وقع الترجيحات بأن يتزايد اللوم في القارة العجوز في ما يتعلق بالمسؤول عن نقص الدعم، والأمور ستصبح محفوفة بالمخاطر. وأعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في وقت سابق، خلال مقابلة مع شبكة “إيه أر دي”، عن رغبته في أن يتدخل الألمان إذا تراجعت أميركا عن دورها بدعم بلاده، مع عرقلة حزم الدعم المهمة في الكونغرس. دفع الأميركيون حتى الآن وحدهم ما يقرب من نصف إجمالي المساعدات العسكرية لكييف. من جهة ثانية، برزت تعليقات بأن على فرنسا، القوة العسكرية الكبرى في أوروبا، وألمانيا القوة الاقتصادية الخالصة، أن تتخذا قراراً بعدم السماح لنفسيهما بطلب الحماية من الخارج، في إشارة إلى الولايات المتحدة. ونظراً إلى حالة التهديد الحالية من روسيا، فإن مع هاجس عودة ترامب ينبغي أن تصبح أوروبا أكثر اتحاداً وإنفاقاً على السياسة الدفاعية، توازياً مع الكثير من تأثيرات التآزر في أوروبا حيث تقوم العديد الدول بتطوير أنظمة الأسلحة الخاصة بها وإنتاجها.
التعليقات معطلة.