هل يجد عاشقو الشوكولا أنفسهم محرومين منه قريباً؟ الإجابة للأسف أن الأمر “محتمل للغاية”، وسط أزمات كبرى تضرب أساس الصناعة، وهو محصول الكاكاو.
تتركز زراعة الكاكاو عالمياً في المناطق الاستوائية، وتنتشر في 3 قارات هي على الترتيب حسب الإنتاجية أفريقيا (الغرب) وأميركا الجنوبية (الشمال الغربي) وآسيا (الجنوب الشرقي). وتعد كوت ديفوار الدولة الأكثر إنتاجية عالمياً بمحصول يصل إلى نحو 2.2 مليون طن سنوياً، وبإضافة جيرانها غانا ونيجيريا والكاميرون يكون المجموع أكثر من 3 ملايين طن سنويا، تكفي نحو ثلثي الاحتياج العالمي (المقدر بنحو 4.7 مليون طن سنويا)، تليهم في حجم الإنتاج عالميا إندونيسيا.
لكن في سبيل زيادة الإنتاجية، جرت إزالة ملايين الهكتارات من الغابات بشكل سنوي على مدار العقود الماضية، ما أسهم في تفاقم أزمة المناخ العالمية. وبحسب التقارير الدولية والأممية، كان الجور على الغابات متأتياً بالأساس بسبب الزراعة في نحو 80 بالمئة من حالات إزالة الغابات المدارية حول العالم. وكان الكاكاو على رأس المحاصيل المستهدفة في هذه العملية، إضافة إلى فول الصويا وزيت النخيل والأخشاب.
وبينما ترتكز الإنتاجية في دول الجنوب المدارية، فإن الصناعة ترتكز في دول الشمال، وعلى رأسها أوروبا ثم أميركا الشمالية فشمال آسيا. وغالبا ما تكون مسارات التجارة مستقيمة من أسفل إلى أعلى، من أفريقيا إلى أوروبا عبر الأطلسي، ومن أميركا الجنوبية إلى جارتها الشمالية برا أو بحرا عبر الأطلسي أو الهادئ، ومن جنوب آسيا إلى شمالها.
ومع نهاية الأسبوع الأول من شباط (فبراير) الجاري، سجلت أسعار الكاكاو العالمية مستويات قياسية جديدة مع استمرار التجار في التدافع للحصول على الإمدادات، وتوقعات بعجز أوسع نطاقاً هذا الموسم ومع تزايد المخاوف في الموسم المقبل.
وسجلت العقود الآجلة للكاكاو في لندن رقمًا قياسيًا عند 4,670 جنيهًا إسترلينيًا للطن المتري خلال جلسة الخميس، مرتفعة 7.3 بالمئة خلال التعاملات، وبما يمثل نحو ضعف السعر تقريباً منذ بداية العام الماضي.
وفي نيويورك، وصلت العقود الآجلة للكاكاو القياسية إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 5,874 دولارًا للطن، لتغلق مرتفعة بنسبة 7.3 بالمئة، بعد أن ارتفعت بنحو 90% منذ بداية العام الماضي.
ويوضح محللو الأسواق والتجار أن الارتفاعات الهائلة قد تستمر لمدة شهر أو شهرين آخرين، وأن السبب الأساسي هو الأضرار الكبرى التي لحقت بمحصول الكاكاو بسبب رياح هارماتان القوية في منطقة غرب أفريقيا التي تعد أكبر منتج للكاكاو.
وقال المصدرون وتجار الحبوب في غانا، ثاني أكبر منتج للكاكاو، لرويترز، إن الإنتاج للموسم الحالي في البلاد من المتوقع أن يصل إلى ما بين 475 إلى 500 ألف طن فقط، مقابل 655 ألف طن في العام الماضي.
وفي الأسبوع الماضي، توقع استطلاع أجرته رويترز عن الكاكاو عجزاً عالميا قدره 375 ألف طن في موسم 2023-2024، أي أكثر من مثلي متوسط التوقعات في الاستطلاع السابق في آب (أغسطس) الماضي، مما يشير إلى ثالث عجز سنوي على التوالي في الإمدادات في السوق.
وقال مصدر في الصناعة لرويترز إن التجار يخشون أن يمتد النقص إلى العام المقبل، مع ضرورة تعويض الكميات المفقودة من محصول هذا الموسم برفع انتاجية الموسم التالي… فإذا كان المحصول سيئاً في الموسم المقبل أيضا فستكون أزمة كبرى.
ويشير الخبراء إلى أن أحد أهم أسباب تراجع الإنتاجية هو موجات متوالية ومتداخلة من العواصف والأعاصير والأمطار والجفاف، ويرجعون جذور المشكلة إلى التغير المناخي، وأحد أسبابها هو القضاء على الغابات من أجل زيادة رقعة الزراعة، قائلين “إنه عقاب الطبيعة”.
ومن جهة أخرى، فإن عاملاً آخر ربما يعقد الأزمة، حيث دخل “قانون إزالة الغابات” الأوروبي حيز التنفيذ في حزيران (يونيو) الماضي، وهو قانون يحظر الواردات إلى دول الاتحاد من الدول المدانة بإزالة الغابات، بما يشمل سلع مثل الكاكاو وفول الصويا والقهوة والمطاط وغيرها.
وبينما يواجه المنتجين والتجار أزمتهم، فإن الصناع بدأوا يستشعرون القلق لأسباب أخرى. فشح الكاكاو وارتفاع أسعاره انعكس على المنتجات النهائية للشوكولا، وذلك في وقت يسعى فيه مختلف المستهلكون حول العالم لإعادة صياغة وتوزيع موازناتهم الشخصية على الأولويات، والتي قد لا تشمل بحال “رفاهية الشوكولا”… بما قد ينعكس في صورة ركود عام للصناعة خلال العامين الجاري والمقبل على أقل تقدير.
وفي نتيجة طبيعية لهذه التوقعات، تراجعت أسهم عملاق الصناعة الأميركية “هيرشي” على سبيل المثال بنسبة 30 بالمئة عن الذروة التي سبق وأن بلغتها في أيار (مايو) الماضي، مع توقعات محبطة بشأن الأرباح هذا العام.