حسم الرئيس التونسي قيس سعيّد الجدل بشأن موعد الانتخابات الرئاسية بعدما قال إنها قائمة في موعدها.
ويأتي تصريح سعيّد بعدما ساد جدل داخل الأوساط السياسية التونسية بشأن موعد هذا الاستحقاق الانتخابي، إذ شكك جزء من المعارضة بإمكانية تنظيم الانتخابات هذا العام بسبب عدم التصريح الحاسم بموعدها.
وقال سعيّد خلال لقائه رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر إن كل الانتخابات المقبلة ستتم في موعدها، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية، مذكراً بأنه تم احترام مواعيد كل الاستحقاقات الانتخابية المنصوص عليها في الدستور التونسي. وتنظم تونس انتخابات كل خمس سنوات، آخرها أُجريت عام 2019 وفاز بها الرئيس سعيّد بنسبة فاقت 70 بالمئة، وهي أعلى نسبة يحصل عليها رئيس تونسي منذ 2011.
وعدّل دستور 2022 الذي عوّض دستور 2014 بعض شروط الترشح للرئاسة في تونس، واستبعد من يحملون جنسية ثانية من هذا الاستحقاق. ويقول المحلل السياسي أيمن الزمالي إن تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها قبل نهاية السنة الجارية 2024 كان متوقعاً، وذلك وفق ما ينص عليه دستور 25 تموز (يوليو) 2022. ويضيف في تصريح لـ”النهار العربي” أن “الخريطة السياسية التي طرحها الرئيس المتعلقة بإعادة هيكلة الإطار القانوني والمؤسساتي في تونس، تم تطبيقها وفق مواعيدها المقررة مسبقاً بدءاً بصياغة دستور جديد للبلاد وتنظيم انتخابات تشريعية وأخرى محلية”. البحث عن مشروعيةووفق الزمالي “يمكن تقدير أن الرئيس قيس سعيّد يعوّل على الانتخابات الرئاسية كثيراً لإعادة تثبيت شرعيته في قيادة البلاد، والحصول على أرقام دسمة من الأصوات في هذا الاستحقاق، خصوصاً أن الانتخابات التشريعية والمحلية شهدت عزوفاً ونسباً ضئيلة من الناخبين”. وكانت تونس قد أجرت انتخابات الدورة الثانية للانتخابات المحلية الأسبوع الماضي، ولم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 11.8 بالمئة، وهي نسبة مقاربة لنسبة الدورة الأولى ولنسبة الاقتراع في الانتخابات التشريعية العام الماضي. واعتبرت المعارضة أن مسلسل العزوف المتواصل عن المشاركة في الانتخابات هو نتيجة طبيعية لسياسة سعيّد “القائمة على إقصاء الخصوم والمعارضين”، متوقعة أن يرفض تنظيم انتخابات رئاسية للسبب نفسه، لكن الرئيس التونسي ردّ على ذلك قائلاً “من دعوا إلى مقاطعة انتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب وانتخابات مجلس الجهات والأقاليم يعدّون العدّة بكل الوسائل للموعد الانتخابي المقبل؛ لأن لا همّ لهم سوى رئاسة الدولة، متناسين ماضيهم القريب والبعيد الذي لم ينسه الشعب، ومواصلين في غيّهم وفي أحلام اليقظة والنوم، وفي الاجتماعات المعلنة والسرية، متناسين أن المسؤولية مهما كانت درجتها داخل الدولة أو خارج مؤسساتها هي ابتلاء ووزر ثقيل، وليست كرسياً أو جاهاً زائفاً كما يحلمون”. في انتظار موقف المعارضةغير أن احترام موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية لن ينهي الجدال في البلد، فالأزمة السياسية متواصلة بين الرئيس سعيّد والمعارضة التي تتوسع دائرتها يوماً بعد آخر لكن دون أن تتّحد. ولم تعلن بعد أحزاب سياسية نيتها ترشيح أسماء لهذه الانتخابات، بما في ذلك “حزب النهضة” الإسلامي الذي حكم تونس منذ 2011 إلى 2021 وكانت له دائماً الكلمة العليا في كل الاستحقاقات الانتخابية، وقبل أيام صرح رئيس الحركة العجمي الوريمي لوسائل اعلام محلية مؤكداً أن حزبه لا يعتزم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، لكنه قد يبحث اسم مرشح مع بقية الأحزاب التي يتحالف معها. ودائماً ما تقول المعارضة إنها لا تعترف بكل المسار السياسي الذي رسمه سعيد وسبق لها أن قاطعت كل المحطات الانتخابية السابقة. ولا يعلم بعد في تونس من سيترشح لانتخابات الرئاسة المتوقع تنظيمها في بداية الخريف المقبل. وكانت عبير موسي، وهي رئيسة “الحزب الدستوري الحر”، من أبرز الأسماء المرشحة بقوة لهذا الاستحقاق لكنها تواجه حالياً ملاحقات قضائية. وكموسي يواجه عدد من الأسماء السياسية الأخرى البارزة تهماً مختلفة، ما يزيد الشكوك بشأن إمكانية ترشحهم لانتخابات الرئاسة المقبلة. ولم تظهر استطلاعات رأي في تونس تتحدث عن نيات التصويت للرئاسيات في تونس في الأشهر الأخيرة. ويتوقع أن تجتمع الأحزاب المعارضة لسعيد في غضون الأيام المقبلة لحسم موقفها، في انتظار أيضاً موقف الأحزاب الموالية له وهل ستدعمه أم ستتقدم بمرشح مستقل. طريق مفتوحويجعل غياب أسماء لها ثقلها السياسي عن السباق نحو قصر قرطاج طريق سعيد مفتوحاً لمواصلة حكم البلد. وتقول المعارضة إن نتائج الانتخابات الرئاسية في مثل هذه الأوضاع التي تغيب عنها المنافسة “في حكم المحسومة”. ولا يعرف بعد إن كان سعيد سيترشح أم لا لعهدة ثانية، غير أن عدداً من المراقبين يؤكدون أنه بدأ حملته الانتخابية مبكراً، مستشهدين بالزيارات الميدانية التي بات يقوم بها لمناطق مختلفة في تونس. ويرى هؤلاء إن ما يفعله الرئيس يدخل في إطار الحملة الانتخابية الميدانية.
ويرى الزمالي أن سعيّد يدخل الاستحقاق الانتخابي برصيد شعبي كبير، وبحظوظ وافرة للظفر بعهدة رئاسية جديدة، يقابلها انحدار متواصل لرصيد المعارضة بمختلف تلويناتها، ويقول: “إضافة إلى حالة التشتت والخلافات الجذرية التي تشق هذه المعارضة، فإن الملاحقة القضائية التي طالت جزءاً واسعاً من النخب السياسية تجعل من بقاء الرئيس قيس سعيّد في قصر قرطاج أمراً يكاد يكون متوقعاً”.
لكنه يستدرك مؤكداً أن “القانون المنظم للانتخابات الرئاسية التونسية لم يتم تعديله منذ 2014، باستثناء الشرط المتعلق بالجنسية، ما يتيح للتونسيين من مختلف الشرائح والأطراف السياسية والكتل المكونة للمجتمع، أن تخوض غمار هذه الانتخابات، وهو أمر هام قد يكون منطلقاً للنقاش الدائر بين المكونات السياسية المعارضة للبحث عن تصورات مشتركة تدخل بها غمار هذا الاستحقاق، أو بدائل مؤثرة تقنع التونسيين، وتقطع مع توجهها القائم على عدم الاعتراف بالمنظومة الجديدة التي تدير البلاد، الأمر الذي كلفها مزيداً من الهوّة بينها وبين عموم المواطنين”.