اخبار سياسية

الجبّة التقليديّة تلازم الرّجل التّونسي… عنوان لهويّته وأصالته

الجبة التونسية

 تعتبر الجبة التونسية التي تمثل القطعة الأساسية من اللباس التقليدي الرجالي التونسي، أحد أهم مكونات الهوية التونسية التي حافظ عليها شعب البلاد على مر العصور وتوارثتها الأجيال وطورتها وثمنتها وأقبلت على اقتنائها. وتؤكد التحف والتماثيل واللوحات التاريخية أن الرجل التونسي ارتدى الجبة في مختلف العصور ومع مختلف الحضارات التي مرت بها تونس، بما في ذلك الحضارة القرطاجية ودولتها.  اللباس الرسميوالجبة هي عباءة تغطي الجسم، ما عدا الساقين واليدين، ما يقتضي أن يلبس الرجل تحتها من الأعلى قميصاً ومن الأسفل جوارب وحذاءً، ويمكن ارتداء سروال تقليدي تحت الجبة لمن يرغب في ذلك. وللجبة فتحة مطرزة بأشكال ورموز محددة يعرفها الحرفيون، ثبت أن بعضها مقتبس من التراث القرطاجي وبعضها من التراث الإسلامي العتيق، وذلك من جهة الرقبة، بالإضافة إلى فتحتين تخرج منهما اليدان وأخرى كبيرة سفلية تخرج منها الساقان.  وتتم حياكة الجبة من القماش والحرير إضافة إلى خيوط التطريز، ويقبل عليها التونسيون من كل الأجيال، وذلك في الأعياد والمناسبات الدينية على وجه الخصوص، وكذلك في حفلات الزواج والختان، وأيضاً في اليوم الوطني للباس التقليدي. ويرتديها رجال الدين في تونس باستمرار وكذلك رؤساء الجمهورية وأعضاء الحكومة في المناسبات الدينية وأحياناً عند استقبال رؤساء أجانب، وارتداها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة في زيارته المسجد الأقصى سنة 1965، أي قبل سنتين من احتلال مدينة القدس والضفة الغربية.  

 وقد لعب الحرفيون دوراً بارزاً في الحفاظ على الجبة التونسية، وذلك من خلال توريثها إلى أولادهم وأحفادهم في ظل عزوف الشباب التونسي عن تعلم خياطتها وانصرافهم إلى مهن أخرى بدت لهم أكثر مواكبة للعصر. وهذا التوارث تحديداً إضافة إلى الإقبال على اقتنائها من قبل رجال تونس هو الذي حافظ عليها على مر العصور، وجعلها رمزاً للجاه والوقار والتمسك بالأصول والحفاظ على الجذور.  

انتماء إلى تونسويرى الكاتب والباحث التونسي في علم الاجتماع هشام الحاجي، في حديث إلى “النهار العربي”، أن “الجبة هي أحد عناوين الهوية بالنسبة إلى الرجل التونسي، ولا أبالغ إذا قلت إنها في وجدان التونسي أحد عناوين انتمائه إلى هذا الوطن. ولعل ذلك ما يفسر أن هذه الجبة لم تندثر بمرور الزمن وتطورت وحافظت على وجودها رغم انتشار اللباس الغربي الوافد على البلاد بفعل الاستعمار الفرنسي الذي استمر لعقود طويلة أثرت في حياة التونسيين”. ويضيف الحاجي: “لقد شجعت الدولة مواطنيها خلال عقد التسعينات من القرن الماضي على العودة إلى اللباس التقليدي، ومن ذلك الجبة والشاشية، أي غطاء الرأس الأحمر اللون، وذلك من خلال تطوير هذا اللباس والابتكار فيه ليواكب العصر، فظهرت أشكال متعددة للجبة التونسية وحافظ كثير من الحرفيين على مورد رزقهم. لكن عناية الدولة باللباس التقليدي تراجعت في العقد الماضي، ولم تعد كما كانت عليه في السابق، وهو ما أثر سلباً على هذا القطاع الذي أثر عليه أيضاً الركود الذي عرفه سوق السياحة والصناعات التقليدية بفعل جائحة كورونا”. ويضيف: “أما اليوم، ومع انتعاش قطاعي السياحة والصناعات التقليدية ومع هذه الهجمة الشرسة من البعض للسطو على التراث المادي واللامادي للتونسيين، يعود أبناء تونس إلى موروثهم التقليدي وتراثهم المادي واللامادي لحمايته وتثمينه. وبالتالي يتوقع أن يزداد الإقبال عليها والاهتمام بها أكثر وحمايتها من الاندثار على غرار صناعات تقليدية عديدة، بخاصة أن الجبة وباتفاق الجميع جميلة وتضفي على صاحبها الكثير من الوقار والهيبة والذوق الراقي وحتى الوسامة”. إقبال موسميالحرفي في مجال صناعة الجبة سيف الدين الشواشي ورث هذه الحرفة عن أجداده، يقول لـ”النهار العربي” إن سعر الجبة يختلف بحسب نوع القماش ونوع التطريز والخيوط المستعملة في عملية التطريز، خصوصاً على مستوى الصدر، فمثلاً الجبة المصنوعة من الحرير الطبيعي تكون أغلى من تلك التي حيكت من قماش بالحرير الصناعي أو الصوف. كما يكثر الإقبال على الجبة التونسية، بحسب الشواشي، في فصل الصيف حيث تكثر حفلات الزواج وحفلات ختان الأولاد والعروض الفنية للفرق الصوفية وغيرها، فيما يتراجع الإقبال عليها في فصل الشتاء مع تراجع الاحتفالات العائلية والأنشطة الفنية.   ومع أن إقبال التونسيين على ارتدائها كبير، إلا أن الجبة التونسية تعاني من ندرة الحرفيين القادرين على حياكتها، بما أن الأجيال الجديدة لا تُقبل على تعلمها من قدماء الحرفيين الذين تقدموا في السن وأدوا دورهم على أكمل وجه في الحفاظ عليها وإنقاذها من الاندثار. فهذه الصناعة التقليدية معقدة والمتعلم بحاجة إلى ملازمة المعلم في دكانه حتى يلمّ بأصولها وأسرارها.