طارق الحميدصحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
من يراقب الأخبار في منطقتنا يجد تكرارا ملحوظا لعبارة «اليوم التالي». مثلا، منذ الحرب في غزة، يردد الفلسطينيون، «فتح» و«حماس»، والإسرائيليون، والعرب، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية عبارة «اليوم التالي».
والأمر نفسه يتكرر في بغداد، منذ احتلال صدام حسين للكويت وحتى الاحتلال الأميركي للعراق، ويحدث أيضا في لبنان، وسوريا، واليمن، والسودان، وليبيا، والصومال، وحتى الدول المجاورة لمنطقتنا، مثل أفغانستان، قبل الاحتلال الأميركي وبعده، وبعد الانسحاب أيضا.
وهناك أيضا دول تعاني بانتظار «اليوم التالي»، وإن كانت معاناتها أقل من الدول التي عاثت فيها الميليشيات الإيرانية فسادا، أو «الإخوان المسلمون» الذين أفسدوا كل مكان لهم حضور فيه، وخطرهم لا يقل عن خطر الميليشيات الإيرانية، لأن التضليل لا يقل خطرا عن التنكيل.
وإيران نفسها تعيش على هوس «اليوم التالي» حيث مرحلة ما بعد المرشد الأعلى، وعواقب عدائها وتمدده بالمنطقة حيث لا ثقة تذكر حيال إيران، ومهما قيل ويقال، من العراق إلى لبنان، وكذلك في سوريا، وحتى في دول الخليج، بل وكل المنطقة.
وقصة «اليوم التالي» لا تقتصر على المنطقة فقط، بل حتى على الطرف المؤثر فيها وهي الولايات المتحدة التي تجاهلت خطر «اليوم التالي» في العراق عام 2003، وإلى الآن، وكذلك بأفغانستان منذ اندحار الغزو السوفياتي، وحتى الانسحاب الأميركي من هناك.
كما تجاهلت واشنطن خطر «اليوم التالي» مع الحوثي. والأمر نفسه في سوريا حين تجاهل أوباما الخطوط الحمراء التي رسمها بنفسه هناك. وتتجاهل واشنطن بالأمس، والآن، خطر «اليوم التالي» في حال امتلاك إيران للسلاح النووي ليس على المنطقة وحسب، بل والعالم.
ووقعت تركيا بنفس فخ «اليوم التالي» حين تعاملت آيديولوجياً مع المنطقة، وليس انطلاقا من لغة المصالح، وها نحن نرى الرئيس التركي يزور مصر بعد قطيعة 12 عاما، وبعد أن تخندقت تركيا مع «الإخوان المسلمين» مطولا، وعلى حساب العقلانية السياسية.
وقصص انتظار «اليوم التالي» تطول وتعود بنا إلى لحظة تأسيس الدول العربية المعاصرة، ولم ينج منها إلا الدول العربية التي حسبت فعليا حساب «اليوم التالي»، وعلى رأسها السعودية ودول الخليج العربي.
فمن يخطط فعليا لـ«اليوم التالي» هو من يمتلك رؤية تنطلق أولا، وأساسا، من الإيمان بالوطن وأمنه، ويعلي قيمة الإنسان وحقه في حياة كريمة، ولا ينطلق من منطلقات طائفية أو حزبية، أو تبعية للخارج، سواء إيران أو الولايات المتحدة.
خذ مثلا أحداث غزة، فبقاء «حماس» ونجاة يحيى السنوار هما خلاصة المسعى لـ«اليوم التالي»، وليس الحفاظ على الإنسان أو الوصول للدولة الحلم. وبالنسبة لنتنياهو فإن «اليوم التالي» يعني له إطالة حياته السياسية، ونجاته من السجن، وهو من قسم إسرائيل داخليا قبل أحداث أكتوبر (تشرين الأول) بشكل غير مسبوق.
ولذلك سيطول انتظار «اليوم التالي» وقوائم المنتظرين، لأن اليوم الأول كان أساس الخطأ والبلاء، حيث لا تخطيط ولا استراتيجية ولا تفكير. والعقلانية السياسية تكمن في حسبان العواقب، وتغليب المصالح.
وهذا ما يغيب عن جل منطقتنا، للأسف، التي تحول نصفها، أو أكثر، منتظرا لـ«اليوم التالي».