مع الانتشار الهائل لما بات يعرف بخدمات “الشراء الآن والدفع لاحقاً” حول العالم، تتزايد الأسئلة حول ما كانت هذه الخدمات تقدم فوائد حقيقية للأفراد أم أنها ستمثل أزمة كبرى لاحقاً، بل إن التساؤلات امتدت الى أبعاد أكبر حول ما إذا كانت هذه الخدمات قد تهدد الاقتصادات عامةً، بخاصة في ظل حالة عدم يقين كبرى على مستوى القطاع المصرفي عالمياً.
وفي الأيام الأخيرة، أصدر بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك، بحثاً جديداً حول الموضوع، محذراً من أن “الشعبية المتزايدة لبرامج الشراء الآن والدفع لاحقاً (BNPL)، قد تدفع أولئك الذين يعانون بالفعل إلى وضع أسوأ”، بخاصة في ظل وقوع ملايين الأميركيين في دائرة الفشل في تسوية الديون.
وخدمات “الشراء الآن والدفع لاحقاً”، والمعروفة أيضاً باسم “قروض التقسيط عند نقطة البيع”، هي في الأساس قروض قصيرة الأجل ذات دفعات ثابتة. وبحسب تعريفها العام في الولايات المتحدة، فهي “قروض مستحقة السداد على أربعة أقساط أو أقل؛ ولا تحمل أي رسوم مالية”. ويتم تقديمها عموماً للمتسوقين عبر الإنترنت أو في الأسواق، وتشهد كثافة في الاستخدام بدءاً من طلبات البيع بالتجزئة القياسية وحتى توصيل الوجبات السريعة. ومع ذلك، وبسبب الافتقار العام إلى التنظيم الذي يحيط بمثل هذه التقنيات، لا يُعرف إلا القليل عن كيفية استخدام الأسر لهذا النوع من القروض وأسبابه.
ويقول تقرير بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك: “تكشف نتائجنا عن أنماط استخدام مختلفة إلى حد كبير، اذ تميل الأسر الأكثر هشاشة إلى استخدام الخدمة لإجراء عمليات شراء متكررة وصغيرة نسبياً، والتي قد تواجه صعوبة في تحملها بخلاف ذلك. وفي المقابل، تميل الأسر المستقرة مالياً إلى عدم استخدام تلك البرامج تكراراً”.
وبحسب البحث، كان المستهلكون “الضعفاء مالياً”، ممن تم تعريفهم على أنهم أصحاب درجة ائتمانية أقل من 620 أو تأخروا في سداد قرض أو تم رفض طلبهم للحصول على ائتمان في العام الماضي، أكثر بثلاثة أضعاف تقريباً من المستهلكين “المستقرين مالياً” لاستخدام برامج “الشراء الآن والدفع لاحقاً”. علماً أن البحث تناول المستهلكين ممن قاموا بخمس عمليات أو أكثر عبر تلك الخدمات خلال العام الماضي.
كما كانت الأسر الضعيفة مالياً أيضاً أكثر ميلاً إلى الاعتماد على قروض التقسيط القصيرة الأجل بوتيرة أعلى لتحمل نفقات أصغر وغير متوقعة.
وتأتي هذه النتائج في الوقت الذي يعاني فيه ملايين الأميركيين من وطأة ديون بطاقات الائتمان المتزايدة والتضخم العنيد، حيث يجد الشباب بالفعل صعوبة في دفع الفواتير في الوقت المحدد.
وتشير محللة الأسواق غابريلا-كروز مارتينيز، في تقرير لـ”ياهو فاينانس”، إلى أن هذه النتائج أثارت مخاوف بشأن أن إمكان الوصول الواسع النطاق لهذا النوع من الخدمات التي لا تزال “غير منظمة إلى حد كبير حتى الآن”، قد يتسبب في “جعل أولئك الذين يكافحون بالفعل من أجل تغطية نفقاتهم، يبالغون في توسيع نطاق ديونهم”.
وهو ما أشار إليه أيضاً باحثو بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك، الذين قالوا: “لا يمكننا استبعاد المخاطر المحتملة للتوسع المفرط (في هذه الخدمات)، اذ يؤدي الاستخدام المتكرر إلى تراكم مفرط للديون بمرور الوقت”.
وعلى عكس بطاقات الائتمان التي تفرض فائدة على الائتمان المتجدد، تقدم معظم تطبيقات “اشتر الآن وادفع لاحقاً” قروضاً من دون فوائد ما دمت قمت بتقسيم الدفعات على مدار ستة أسابيع أو أربع دفعات متساوية.
وفي بعض النواحي، يمكن أن يكون استخدام هذه الخدمات بديلاً رائعاً لبطاقات الائتمان للبعض. وقال مايكل هيرشفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة “أكرو سايفينغ” لـ”ياهو فاينانس” إن “هناك فرصة لبعض الأميركيين الذين يعانون من نقص الائتمان، للوصول إلى برامج الدفع لاحقاً حتى يتمكنوا من الدفع على أقساط”، موضحاً أنه “على وجه الخصوص، يمكن لجيل الألفية والجيل Z، الذين ربما يرون أن الأجيال السابقة لهم مثقلة بديون بطاقات الائتمان، أن يشاركوا في الائتمان بطريقة مختلفة ليست بطاقة ائتمان. وهذا أمر إيجابي”.
لكن من جهة أخرى، فإن غياب عدد من التقارير المهمة من قبل مقدمي هذه الخدمات يمكن أن يمثل “نقطة عمياء” أمام السلطات المصرفية، بخاصة إذا تقدم شخص معرض لخطر “الإفراط في التوسع” بطلب للحصول على بطاقة ائتمان في المستقبل.
وعليه، يرى هيرشفيلد أن “هذا يخلق الكثير من المخاطر على المستهلك الأميركي، لأنه قد يقوم بتخفيض تصنيفه الائتماني، وقد يغريه لدفع ثمن أشياء قد لا يكون بمقدوره تحملها. إذا كان الأمر يتعلق فقط باستبدال وسيلة اخرى ببطاقات الائتمان فلا مشكلة، لكن إذا كان ذلك يضاعف استخدام الائتمان على الأميركيين، فهذه إشارة سلبية حقيقية للاقتصاد الأميركي ككل”.
ووجد تحليل منفصل أجراه معهد “نورث كارولينا” المصرفي، أن الشركة التي تقدم خدمات “اشتر الآن وادفع لاحقاً” يمكنها استخدام بيانات العملاء لتصميم منتجات جذابة خاصة بالمستهلك من خلال التطبيقات. وهذا قد يجعل من الصعب على المستهلكين التوقف عن استخدام خدماتهم، بخاصة أن هذه الشركات أصبحت متاحة على نطاق واسع.