​مصر تستثمر “خططها العمرانية” لمواجهة الأزمة الدولارية ودعم خطواتها الإصلاحية​

1

جانب من توقيع اتفاقية مشروع "رأس الحكمة"في مصر يوم الجمعة

في خطوة موازية للمحادثات الجارية بين مصر وصندوق النقد الدولي لزيادة قرض البلاد البالغة قيمته 3 مليارات دولار، تواصل الحكومة المصرية توجّهاتها القوية نحو استكشاف بدائل استثمارية جديدة، تُعزز بدورها فرص مواجهة جملة التحدّيات الاقتصادية الراهنة، والتي يتقدّمها عجز الموازنة وأزمة النقص الحاد في العملة الدولارية وإنعكاساتها السلبية على تفاقم معدلات التضخم والمستويات السعرية.

وتعوّل الحكومة المصرية على التنمية العمرانية كأحد الخيارات الهامة لتنشيط تدفق الاستثمارات المباشرة إلى السوق المصرية من جديد، وكبديل حيوي من بدائل برنامج الإصلاح الاقتصادي “المتأخّر” تنفيذه في ضوء تتابع الأزمات الاقتصادية العالمية، في حلّ الأزمة الدولارية والقضاء على السوق الموازية وتنشيط مختلف القطاعات والتوجّهات التصديرية من جديد.

وأطلقت مصر برنامج إصلاح اقتصادي في عام 2016، يتضمن إصلاحات مالية ونقدية، بهدف تحقيق معدلات نمو مستدامة وتنمية شاملة، عبر وضع حلول جذرية لمشكلات اقتصادية هيكلية كان يعاني منها الاقتصاد المصري لسنوات طويلة، إلاّ أنّ تعاقب الأزمات الاقتصادية العالمية وإنعكاساتها المباشرة على مصر تسببت في تعطّل تنفيذ البرنامج وجني ثماره، وذلك في ظلّ تداعيات أزمة كورونا، ثم الحرب الروسية – الأوكرانية، وأخيراً التوترات الجيوسياسية المحيطة.

أكبر صفقة استثمارية لمصر

وضمن خطواتها القوية في مجال التنمية العمرانية، شهد  مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، مراسم توقيع “أكبر صفقة استثمار مباشر”، من خلال شراكة استثمارية، بين وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، و”شركة أبوظبي التنموية القابضة” في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ لتنفيذ مشروع تطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي.

وقال رئيس الوزراء المصري، إنّ الصفقة تُعتبر أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في مصر، وتأتي في إطار مخطط التنمية العمرانية لمصر لعام 2052، الذي تمّ البدء في تنفيذه منذ بدء تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي المسؤولية؛ حيث تمّ العمل على هذا المشروع العملاق بهدف تنمية الدولة بأكملها وخلق وإنشاء “الجمهورية الجديدة”.

وأضاف أنّ الفكر الخاص بمشروع ومخطط التنمية العمرانية المتكاملة لمصر 2052 حدّد منطقة الساحل الشمالي، باعتبارها المنطقة الواعدة الأولى التي تستطيع أن تستوعب القدر الأكبر من الزيادة السكانية في مصر، لما لها من إمكانات واعدة جداً، تشمل أراضي على امتداد الساحل ذات ظروف مناخية وجغرافية ملائمة لأن تستوعب القدر الأكبر من السكان والتنمية، مشيرًا إلى أنّ هذه الصفقة الاستثمارية الكبرى تتمّ بشراكة مع كيانات كبرى تحقق مستهدفات الدولة في التنمية، والتي حدّدها المُخطّط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية، وبداية لصفقات استثمارية عدة، تعمل الحكومة عليها حالياً، لزيادة موارد الدولة من العملة الصعبة.

7 مزايا استثمارية للصفقة

اقتصاديون وخبراء أكّدوا في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي” على أهمية صفقة رأس الحكمة الضخمة، وانعكاساتها الإيجابية الكبيرة المتوقعة على المنظومة الاقتصادية خلال المدى المتوسط.

ورصد الخبراء 7 آثار إيجابية متوقعة للصفقة، والمتمثلة في دعم الموارد الدولارية للدولة، وتحسين التصنيف الائتماني لمصر، وسرعة إنهاء الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتراجع الدين الخارجي، بالإضافة إلى دورها في زيادة طمأنة المستثمرين المحليين والأجانب بجدوى الاستثمار في مصر. كما توقّع الخبراء أن تسهم انعكاسات تلك الصفقة المالية في القضاء على السوق الموازية للعملة خلال الفترة المقبلة، وأخيرًا دعم مختلف القطاعات والأنشطة التصديرية، والتي شهدت توقفاً بسبب أزمة نقص العملة الدولارية.

الاتفاق المالي

ووفقًا لرئيس الوزراء المصري، فإنّ مصر تستهدف التحضير لطرح “مشروعات من العيار الثقيل” على غرار تطوير “رأس الحكمة”، حيث استعرض الاتفاق المالي الخاص بالمشروع، والذي يتضمن شقين، الجزء الأول مالي مقدّم، والثاني جزء حصة من أرباح المشروع.

وأضاف، أنّ المقدّم يتضمن استثماراً أجنبياً مباشراً،  يُدخل للدولة المصرية بإجمالي 35 مليار دولار على دفعتين، موضحاً أنّه “خلال أسبوعين تدخل 10 مليارات دولار سيولة من الخارج و5 مليارات من ودائع من الإمارات في مصر، وخلال شهرين تدخل دفعة ثانية وهي 14 ملياراً سيولة مباشرة و6 مليارات باقي ودائع الإمارات”.

مضاعفة حجم الاحتياطي لمصر

ويؤكّد الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، على أهمية اتفاقية تطوير مشروع رأس الحكمة وعوائدها المالية، التي توفّر 35 مليار دولار خلال شهرين، وهو ما يماثل إجمالي حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر حاليًا.

وأضاف، أنّ الاتفاقية سيكون لها مردود إيجابي أيضًا على تراجع الدين الخارجي بأكثر من 7 إلى 8 بالمئة، فضلًا عن دوره في دعم القدرة على سرعة إنهاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وما يتبعه من تحسّن التصنيف الائتماني لمصر وتوفير الالتزامات الدولارية في الأجل القصير.

وأوضح الإدريسي، أنّ انعكاسات الصفقة أيضًا ستمثل رسالة طمأنة للمستثمرين سواءً محليين أو أجانب، نظرًا لأهمية المشروع، والذي يمثل خطوات تنموية حقيقية لمشروع يتضمن حياً للمال والأعمال ومناطق سكنية وجامعات ومدارس، الأمر الذي يُوفّر ملايين من فرص العمل، لما يمثله من أكبر صفقة في تاريخ الاقتصاد المصري وضخ للاستثمار الأجنبي المباشر.

وأكّد أنّه يجب التعامل مع هذه الاتفاقية على أنّها خطوة مهمّة للتخلّص من التحدّيات، متوقعًا انعكاسها السريع على مستويات سعر الدولار في السوق الموازية، والذي يُتداول حاليًا قرب مستوى الـ55 جنيهاً، لذلك سيكون للاتفاقية دورها في القضاء تمامًا علي المضاربات في السوق الموازية والتي أثّرت على ارتفاع معدلات التضخم.

مدينة رأس الحكمة

وتقع مدينة رأس الحكمة في منطقة الساحل الشمالي، وتمتد شواطئها من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي وحتى الكيلو 220 في مدينة مطروح.

ووفقًا لتقرير وزارة الإسكان، فمن المستهدف أن تكون المدينة مقصداً سياحياً عالمياً، يتماشى مع الرؤية القومية والإقليمية لمنطقة الساحل الشمالي الغربي في مصر، بغرض إنشاء مدينة سياحية بيئية مستدامة ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺣر اﻟﻣﺗوﺳط، تنافس مثيلاتها ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ، كما تمّ تصميم المدينة بحيث تكون مصادر الطاقة فيها “صديقة للبيئة”، وذلك من خلال استخدام طواحين الهواء والألواح الشمسية المنتجة للكهرباء.

كما تزخر المنطقة بمقومات السياحة الثقافية والتاريخية التى تظهر فى مقابر الكومنولث والمقبرة الإيطالية والألمانية من حقبة الحرب العالمية الثانية، وهذا النمط من السياحة يشجع على إقامة سياحة المهرجانات والاحتفالات فى تلك المناطق، ومن المستهدف أن تتحول مدينة “رأس الحكمة” لتصبح أحد أهم الواجهات الأكثر جذبًا حول العالم، نظراً لقربها من مطار مدينة العلمين الجديدة.

تقليل الضغوط التضخمية

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي أحمد معطي، في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، أنّ المشروع الجديد يُعتبر أضخم مشروع في تاريخ مصر، وبداية الطفرة التي قامت بها مصر في البنية التحتية، وخطتها على صعيد الإصلاح الاقتصادي المنفّذ خلال الأعوام الأخيرة.

وأضاف أنّ “المشروع يؤكّد رؤية مصر الجاري تنفيذها، والتي تتضمن ربط الطرق، وهي ما تؤتي بثمارها حاليًا على صعيد جذب الاستثمارات الضخمة في توقيت يشهد استمراراً لأزمة اقتصادية. وبالتالي نتحدث عن مشروع يُعتبر الأضخم في تاريخ مصر باستثمارات تقدّر بنحو 150 مليار دولار طوال فترة المشروع، منها 35 مليار دولار خلال شهرين”

واستعرض معطي أبرز مزايا المشروع، والمتمثلة في استحواذ مصر على نسبة كبيرة من الأرباح بنحو 35 في المئة، فضلًا عن دعم المشروع لجذب أكثر من 8 ملايين سائح عقب انتهائه.

وأوضح أنّ تلك المؤشرات تعكس قدرة المشروع على تنشيط الاقتصاد بالكامل، وقطاعات مختلفة عديدة، فضلًا عن توفير فرص عمل، واستقرار أكبر في سعر الصرف وتخفيض ارتفاعات التضخم المتتالية، متوقعًا تراجع السوق الموازية وإنتهاء أزمة الدولار.

التعليقات معطلة.