ألمانيا تواجه أكبر أزمة اقتصادية منذ عشرين عاماً

1

العمالة الماهرة حاجة المانية

خفضت الحكومة الألمانية في تقريرها السنوي الذي نشر في وقت سابق من هذا الأسبوع، توقعاتها الكبيرة للنمو لعام 2024، وبمعدل 0,2 في المئة فقط بدلاً من 1,3 المقدرة سابقاً، وهذا ما خلق توجساً لدى الساسة والخبراء في البلاد لما سيشكله من ضغط على الاقتصاد الألماني، إذ من المرجح أن يكون أساساً واضحاً لمرحلة انكماش اقتصادي مرير لعامين متتاليين للمرة الثانية فقط في تاريخ ما بعد الحرب، وهذا محرج وخطير اجتماعياً. المزاج سيئ لدى الشركاتأمام هذا الواقع، توقعت غرفة التجارة والصناعة الألمانية، بعد إجرائها مسحاً شمل أكثر من 27 ألف شركة من كل القطاعات والمناطق، أن ينكمش الاقتصاد الألماني، وأن يصبح المزاج السيئ لدى الشركات أكثر رسوخاً. وبحسب المدير التنفيذي للغرفة مارتن فانسليبن، فإن على الحكومة الاتحادية أن تبدأ على الفور مواجهة المشكلات الموجودة لجعل طبيعة عمل الشركات أسهل ومن دون زيادة التضخم في الوقت نفسه.  ومع التباطؤ الملحوظ للاقتصاد، اعتبر رئيس “معهد إيفو” في ميونيخ كليمنس فويست في حوار أخيراً، أن النمو الضعيف يمكن تفسيره، ليس فقط بعوامل تأتي من الخارج، ولكن أيضاً بمشكلات محلية الصنع، ويشمل ذلك المستوى العالي من عدم اليقين بشأن المسار المستقبلي للسياسة الاقتصادية والمناخية، مشدداً على أن المشكلة المركزية تتمثل في أن الحكومة لا تمتلك استراتيجية مقنعة للنمو في الأمد المتوسط، ويتعين على ائتلاف “إشارات المرور” الحاكم التغلب على الخلافات الداخلية، وأن تعمل على إعفاءات وتخفيضات ضريبية مفروضة على الشركات، كما الحد من البيروقراطية وزيادة الاستثمار العام. من جهة أخرى، بيّنت تعليقات صحافية بينها للكاتب غيرالد براونبرغرن أن العديد من القطاعات الواعدة لا تحتاج إلى الإعانات والدعم أو توجيه الأفكار من الوزارات، بل إلى أطر تنظيمية تسمح للشركات بالتكيف بمرونة مع عالم متغير تكنولوجياً وجيوسياسياً ويمنحها الفرص للمنافسة من دون عيوب يتكبدها داخلياً.  وفي السياق، أوردت صحيفة “راينشه بوست” أخيراً أنه في دراسة أجراها معهد الاقتصاد الألماني المرتبط بأرباب العمل، أعربت الشركات عن انتقاداتها الاقتصادية الحالية، وقالت إن التوجه الأساسي غير الكافي للسياسة الاقتصادية في كل القطاعات يمثل خطراً على الاستثمار، وأن ما يقرب من اثنتين من كل ثلاث شركات تواجهان مخاطر في قراراتهما الاستثمارية في ألمانيا. وبالتالي، فإن هذه الحجج تحتل مرتبة عالية في قائمة العوائق التي تحول دول الاستثمار، وكأمثلة ملموسة هناك العديد من القواعد التنظيمية وارتفاع مستوى ضرائب الشركات، والتأخر في توسيع البنية التحتية الرقمية والنقل. ووفقاً للدراسة فإن أكثر من 90% من الشركات تعاني ارتفاع تكاليف العمالة بسبب زيادة الأجور وتكاليفها الإضافية باعتبارها السبب الرئيسي لإحجامها عن الاستثمار، ناهيك  بذكر النقص في العمال المهرة وعدم توافر العمال عامةً. كباش سياسي وفي ظل هذه الصورة القاتمة وعدم اليقين للاقتصاد الألماني وإعلان وزير المالية كريستيان ليندنر أن الاستمرار على هذا الوضع سوف ينتهي بألمانيا في أسفل مجموعة الدول الصناعية لتصبح أكثر فقراً، وينبغي اعتماد إجراءات لعدم تخلف البلد عن الركب. ولا تزال المناكفات قائمة بين الفرقاء السياسيين المعنيين وسط تخمر أكبر أزمة اقتصادية متوقع أن تشهدها البلاد منذ أكثر من 20 عاماً، إذ لم تتوصل الأحزاب الممثلة في البوندستاغ إلى الاتفاق على حل الخلاف المتعلق بمشروع قانون فرص النمو، والذي تعتبره الحكومة حزمة إغاثة للاقتصاد الضعيف ورحلت المقترحات ليوم 22 آذار (مارس) المقبل، مع رفض أكبر أحزاب المعارضة الاتحاد المسيحي التسوية التي طرحها “ائتلاف إشارات” المرور الحاكم، وتقضي بتقليل نسبة تقليص الدعم من 7 مليارات يورو كما كان مخططاً في الأصل إلى 3 مليارات يورو فقط، رابطاً موقفه بإلغاء الحكومة المخطط لتخفيضات وقود الديزل للمزارعين، وهذا ما يرفضه وزير المالية الذي يشدد على أن الاقتصاد الألماني بحاجة ماسة إلى تحفيز.  في المقابل، قال السياسي عن الحزب المسيحي الديموقراطي تورستن فراي في حديث إلى القناة الثانية في التلفزيون الألماني إنه يجب أن تستمر المناقشات مع الحكومة الفدرالية حول كيفية تحقيق الإغاثة الشاملة للاقتصاد. وهذا لا ينطبق فقط على الاقتصاد ككل، ولكن أيضاً على قطاع مهم من الاقتصاد وهو القطاع الزراعي الذي يستحق تعويضاً عادلاً، مع العلم أن الحكومة لا تعتبر أن هناك ارتباطاً ذا صلة لأنه للوهلة الأولى لا علاقة لمحتوى المشروعين بعضهما ببعض.  إلى ذلك، اعتبر حزب الخضر أن تعنت الاتحاد المسيحي ما هو إلا محاولة لتثمير موقفه أمام الناخبين، إذ اعتبر نائب رئيس كتلة الخضر في البونسدتاغ أندرياس أودرتش أن الألعاب التكتيكية للمسيحي الديموقراطي لن تكون محل تفهم للاقتصاد الألماني على الإطلاق. تجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون تمت الموافقة عليه في الحكومة في آب (أغسطس) الماضي، وفي البوندستاغ خلال تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، لكن تم تجميده في مجلس الولايات (يضم رؤساء حكومات الولايات 16 الألمانية) مع الانتقادات التي يطلقها ممثلو الاتحاد المسيحي لما يحمله المشروع من خسائر ضريبية تخشى البلديات أن تتحملها.  نقص العمالة ورغم كل التطمينات حول كل ما يتعلق بتراجع مستوى التضخم وتوافر إمدادات الطاقة تقريباً بأسعار ما قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، تشكل أزمة العمالة هاجساً لدى الاقتصاديين الألمان، حتى أن وزير الاقتصاد هابيك نفسه شدد على أن الفجوة أصبحت كبيرة للغاية، وعلى أنه لا يمكن إنجاز أعمال في ظل اقتصاد يعاني الركود فعلياً، وأن مشكلة النمو ستصبح أكبر من المحتمل في السنوات القليلة المقبلة.  وتماشياً مع ما تم ذكره، يفيد خبراء بأن نقص العمالة الماهرة يهدد الهيكل الرئيسي للازدهار والنمو مستقبلاً في ألمانيا ويجب العمل على سدها من خلال استقدام العمالة المتخصصة واعتماد بعض المزايا التفاضلية لجذبها، لا سيما أن هناك منافسة عليها من الأوروبيين، والمطلوب من أجل تحفيز الاقتصاد الإنفاق وبسرعة على مزيد من الاستثمارات، لافتين إلى أن المفوضية الأوروبية تتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو بنسبة 0,8% في العام 2024 والتوقعات بالنسبة إلى ألمانيا عند 0,3 %، أي أقل من أي دولة أخرى في منطقة اليورو. ودعت غرفة التجارة والصناعة الألمانية إلى “نقطة تحول” وأجندة إصلاحات في ظل تباطؤ الاقتصاد في البلاد، داعية السلطات إلى العمل على تغيير جوهري في السياسة الاقتصادية الألمانية، مع ما تتكبده الشركات من أعباء وتكاليف وضرائب، وما لذلك من تأثير على خططتها الاستثمارية. ومع إدراك الجميع مدى ضعف الاقتصاد وحجم الأزمة وإمكانات النمو المتندية التي لها عواقب اقتصادية هائلة ومشكلات مالية على صناديق الضمان الاجتماعي، يعتبر محللون أنه حان الوقت لجعل الإصلاحات أولوية، لا سيما أن السياسة تبدأ بالنظر إلى الواقع حتى ولو كان مربكاً ومخيفاً رغم كل المجهودات لعودة النشاط للشركات بكامل طاقتها، وهذا ما لم تشهده البلاد في العقد الذي سبق بدء الأزمة المستمرة منذ جائحة كورونا، وإذ كان لا يزال معدل النمو عند 2 % سنوياً. 

التعليقات معطلة.