في رفح في جنوب قطاع غزة حيث يتكدّس مئات آلاف النازحين الى جانب سكان المدينة، ظهرت “لجان الحماية الشعبية” المؤلفة حسب عناصرها من “متطوعين” يحاولون الحفاظ على النظام العام بعد خمسة أشهر من الحرب. وأوقعت الحرب دمارا كبيرا في كل أنحاء القطاع. ولا يعرف الكثير عن عمل المؤسسات وأجهزة الأمن التي تسيطر عليها حركة “حماس” المنشغلة في معارك دامية مع الجيش الإسرائيلي الذي دخل الى مناطق عدة في القطاع الفلسطيني. ويقوم أعضاء “لجان الحماية الشعبية” مثلا بتنظيم حركة المرور وبدوريات لمراقبة انفجار أسعار المواد الغذائية في المدينة. ويقول عناصرها الملثمو الوجوه إن اللجان “كوّنت نفسها بنفسها”. في المنطقة المتاخمة للحدود مع مصر والتي يبلغ عدد سكانها حاليا حوالى مليون ونصف مليون، وفقاً للأمم المتحدة، يقول أبو محمود (28 عاماً): “نحن مئات المتطوّعين للحفاظ على الأمن وحماية المواطنين في مواجهة الأسعار العالية، وتنظيم الأسواق الشعبية والمواصلات”. وارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير حيثما تتوافر، في ظل شح كبير في المواد الغذائية والمساعدات التي تراجع عدد القوافل المحملة بها الى حد كبير بسبب قيود إسرائيلية، وفق منظمات الإغاثة.
وتضع وزارة الاقتصاد التابعة لحركة “حماس” قائمة أسعار يومية للمواد الغذائية الأساسية مثل الخضروات. وتحكم “حماس” قطاع غزة منذ العام 2007، وتعهّدت إسرائيل “القضاء” عليها بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على أراضيها. وتسعى “لجان الحماية الشعبية” إلى فرض احترامها. ويقول أبو إسلام (29 عاماً)، وهو عضو في إحدى الفرق المكوّنة من سبعة أعضاء والتي كانت تقوم بدورية في سوق في مخيّم رفح للاجئين: “نرصد التجّار الذين يرفعون الأسعار”. ويشتكي تاجر للدورية، مشيراً إلى أنّ أحد جيرانه في السوق باع كيلو السكّر بـ80 شيكلاً (22 دولاراً) بدلاً من 65 شيكلاً التي قرّرتها “حماس” رسمياً. وكان سعر السكر حوالى شيكلين قبل الحرب.
“نعمل من أجل الناس” واندلعت الحرب إثر هجوم حماس الذي أسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين، وفقاً لتعداد أجرته وكالة فرانس برس بالاستناد إلى أرقام إسرائيلية رسمية. وأدّى القصف الإسرائيلي المدمّر على قطاع غزة منذ ذلك الحين والذي أتبع بعمليات برية بمقتل أكثر من 30700 شخص، غالبيتهم من المدنيين، وفق وزارة الصحة التابعة لـ”حماس”. وانهارت المؤسسات في القطاع الفلسطيني حيث تسود الفوضى. وبينما تتهدّد المجاعة القطاع، وفقاً للأمم المتحدة، يتمّ نهب قوافل المساعدات. وتحوّلت عملية توزيع مساعدات الخميس الماضي إلى مأساة في مدينة غزة، إذ انتهت بمقتل العشرات بنيران إسرائيلية أو في تدافع.
وقال أبو إسلام: “نحن مدنيون، نعمل من أجل الناس ونأمل أن نكون على قدر الثقة”. ويضيف: “من لديه بارودة يستخدمها”، لكن جميع أعضاء فريقه، باستثناء واحد، مسلّحون بالعصي. وظهرت “لجان الحماية الشعبية” قبل بضعة أسابيع في رفح، بعد قصف سيارة للشرطة أدى إلى مقتل عدد من الموظفين الحكوميين في 10 شباط (فبراير) الماضي. وباتت دوريات الشرطة نادرة منذ ذلك الحين، وفقاً لمراسل وكالة فرانس برس في رفح. ويوضح أبو إسلام أن المبادرة حصلت بالتنسيق مع المخاتير “في ظلّ غياب الشرطة”، مضيفا: “نحن لا نتبع للحكومة (التي تديرها حماس) ولا لأي فصيل، لكن الحكومة تساند هذه الخطوة”. وينظّم المتطوّعون السير لفتح الطريق أمام سيارة إسعاف أو شاحنة مساعدات أو سيارة تابعة للأمم المتحدة في المخيم المكتظ باللاجئين. ويرحّب أبو أحمد وهو نازح يبلغ من العمر 61 عاماً نزح من مدينة غزة، بوجود هذه اللجان. ويقول “نشكر اللجان على جهودها”، مشيداً بشكل خاص بعملها “للحفاظ على الأسعار المعقولة”.