تشهد مناطق سورية في الشمال والجنوب تصعيداً أمنياً وعسكرياً، بات على الرغم من محدوديته، يشكّل إنذاراً بإمكان خروج الأوضاع عن السيطرة في ظلّ ما تتعرّض له بعض الأطراف والفصائل من ضغوط وأزمات داخلية قد تدفعها إلى المغامرة بالتفكير بالحل العسكري، وسيلةً لترحيل أزماتها بهدف كسب الوقت.التصعيد في الشمالوبالتزامن مع دخول ملف العمالة في “هيئة تحرير الشام” منعطفاً جديداً تمثل في خروج تظاهرات شبه يومية تطالب برحيل أبي محمد الجولاني، زعيم التنظيم، وبإخلاء السجون والمعتقلات ومحاسبة المتورطين في جرائم التعذيب، بدا من الواضح أنّ سياسة الهيئة لاحتواء هذه الأزمة تتكوّن من شقّين: الأول يتمثل في خطة من بنود عدة ذات طابع قضائي ودعوي وأمني، ويهدف إلى تلبية بعض مطالب المحتجين، وهو ما تبدّى من خلال الوعد بالعفو العام الذي أطلقه عبدالرحيم عطون رئيس المجلس الشرعي في الهيئة، وكذلك بدء لجنة قضائية النظر في الدعاوى الخاصة بتعويض المتضررين من التحقيق في ملف العمالة. ويتمثل الشق الثاني في افتعال التصعيد العسكري ضدّ قوات الجيش السوري على خطوط التماس المحيطة بمنطقة إدلب، حيث كثّفت غرفة عمليات “الفتح المبين” التي تشرف عليها “هيئة تحرير الشام” وتضمّ عدداً من الفصائل الأخرى، العمليات الانغماسية ضدّ مواقع الجيش وحواجزه، محاولةً التسلّل إلى مناطق سيطرته. وأعلنت غرفة عمليات “الفتح المبين” العاملة في منطقة إدلب وما حولها شمال غربي سوريا، الاثنين، تنفيذ “عمليات نوعية” جديدة ضدّ مواقع للنظام شمال اللاذقية. وقالت شبكات إخبارية محلية إنّ غرفة عمليات “الفتح المبين”، نفّذت خلال الساعات الماضية، ضربات عدة نوعية خلف خطوط التماس مع قوات النظام السوري، كان آخرها على نقطة متقدمة شمال اللاذقية. وأفادت أنّ سرية من لواء “عثمان بن عفان”، هاجمت الاثنين 4 آذار (مارس)، في ساعات الفجر الأولى، مواقع النظام في محور عين البيضا في جبل التركمان. وأشارت إلى أنّ مقاتلي السرية دمّروا كميناً متقدّماً لقوات النظام، ما أدّى إلى مقتل وجرح عدد من عناصر قوات النظام في الكمين. وكانت “هيئة تحرير الشام” أعلنت مساء الأحد، تنفيذ عملية “انغماسية” على مواقع لقوات النظام في محور قبتان الجبل في ريف حلب الغربي، ما أدّى إلى مقتل وجرح 8 عناصر للنظام. وأشارت الهيئة إلى تحقيق “إصابات مؤكّدة” في تجمعات قوات النظام على المحور ذاته، إثر استهدافها بصواريخ الكاتيوشا. وأعلنت وزارة الدفاع السورية، من جهتها، التصدّي لهجوم شنته قوات من الفصائل، على عدد من النقاط في ريف اللاذقية الشمالي. وأكّدت الوزارة قتل وجرح عدد من عناصر فصائل المعارضة، وسحب جثث ثلاثة مقاتلين كانوا مشاركين في الهجوم. واتّهم مناهضون لـ”هيئة تحرير الشام” زعيمها أبا محمد الجولاني بأنّه يزجّ بالشباب في معارك وهمية، مخاطراً بحياتهم من أجل حماية نفسه وإشغال الرأي العام عمّا يجري في إدلب من تظاهرات واحتجاجات ضدّه، ولا يستبعد هؤلاء أن يلجأ الجولاني إلى مزيد من التصعيد إذا اضطرته الحاجة إلى ذلك. التصعيد في الجنوبومن الشمال إلى الجنوب، تواصلت في درعا عمليات استهداف قوات الجيش السوري في مناطق مختلفة من المحافظة الجنوبية التي تعيش منذ أشهر على وقع ضغوط إقليمية تهدف الى مكافحة تهريب المخدرات منها إلى الأردن. وانفجرت عبوة ناسفة، الاثنين، بدورية عسكرية تابعة لقوات النظام تزامناً مع استهداف النظام موقعين غرب المحافظة بطائرات مسيّرة. وأفاد “تجمّع أحرار حوران”، بأنّ عبوة ناسفة انفجرت بدورية تابعة للاستخبارات الجوية على الطريق الواصل بين بلدتي الغارية الشرقية والمسيفرة في ريف درعا الشرقي، من دون تفاصيل عن النتائج.وذكر المصدر، أنّ طائرات مسيّرة تتبع للنظام استهدفت موقعين في مخيم اليادودة غرب درعا بقذائف، من دون تسجيل إصابات بشرية. وكان المصدر السابق نفسه قد تحدث في تقرير منفصل عن تصاعد عمليات استهداف قوات الجيش السوري في درعا، مشيراً إلى وقوع 9 عمليات خلال أسبوع واحد أسفرت عن مقتل 7 من قوات النظام بينهم 3 ضباط، وما لا يقل عن 15 إصابة بجروح متفاوتة، بينهم ضباط. وفي آخر هذه العمليات جرى استهداف سيارة عسكرية تتبع للواء 15 بعبوة ناسفة بالقرب من حاجز السريا الواقع بين قرية الفقيع ومدينة جاسم شمال درعا، الأحد، ما أسفر عن مقتل النقيب خالد الملحم وإصابة ضابط آخر ومجند من قوات النظام بجروح متفاوتة. وتأتي عمليات الاستهداف الأخيرة ردّ فعل على انتهاكات قوات النظام التي تتسبّب بها عن طريق نشر دوريات أمنية على الطرق الترابية بين المدن والبلدات في محافظة درعا، هدفها شنّ عمليات اعتقال وفرض إتاوات بحق المدنيين والعمّال والمزارعين المتوجّهين الى العمل في الأراضي الزراعية عادةً، وذلك بحسب قيادي سابق في فصائل المعارضة في درعا. وأضاف القيادي أنّ أجهزة النظام الأمنية تعمل أيضاً على تجنيد مجموعات وعصابات محلية في محافظة درعا، تهدف إلى القيام بأعمال خطف وتشليح وسلب بحق المدنيين، الأمر الذي يهدّد حياة الآمنين في المحافظة، مشيراً إلى أنّ الاستهدافات الأخيرة تُعتبر رسائل إلى سلطة النظام بتغيير نهجها وتعاملها مع الأهالي في المحافظة، داعياً ضباط النظام إلى التوقف عن خلق الفتن بين عشائر ومكونات الجنوب السوري عن طريق عمليات الخطف الأخيرة. وسبق أن كشف قيادي في المعارضة أنّ جهازي الاستخبارات العسكرية والاستخبارات الجوية قاما بتسليم العديد من المجموعات المحلية من أبناء محافظة درعا بطاقات أمنية صالحة لعام كامل، وأسلحة وتقديم تسهيلات كبيرة كالتنقل على حواجز النظام العسكرية من دون اعتراضها.
التعليقات معطلة.