اخبار سياسية

​ الذكرى الـ 13 للأزمة السورية… “إسقاط الجولاني” يعقّد المشهد في ادلب وسط مخاوف من انقسامات عسكرية

متظاهرون ضد الجولاني في ادلب

تحلّ هذا العام الذكرى السنوية لاندلاع ما سُمّي “الثورة السورية” وسط أحداث متسارعة تشهدها “إمارة إدلب”، التي حاول زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني خلال الأعوام الأربعة الماضية تحويلها إلى عاصمة هذه الثورة، من ضمن حزمة إجراءات اتخذها لتلميع صورته، لكن ما لم يكن في حسبانه وهو يخطّط لتلميع صورته والسعي لرفع اسم تنظيمه عن قوائم الارهاب العالمية، أنّ المطالبة بإسقاطه وتنحّيه عن حكم إدلب وقيادة الهيئة سيصبحان اللافتة الوحيدة المرفوعة في الشمال السوري، في انقلاب جذري للمشهد منذ عام 2011 عندما كان إسقاط الرئيس السوري هو الشعار المطروح. محلّياً، يشير خروج التظاهرات في مناطق إدلب المختلفة، رافعةً شعار إسقاط الجولاني، الى تحوّل كبير في مزاج هذا الشارع الذي ضاق ذرعاً، على ما يبدو، بما حاول الجولاني تصديره على أنّه واحد من أبرز البدائل عن حكم حزب “البعث” في سوريا، وسعى لتعميمه على مناطق أخرى، لا سيما في شمال حلب.  إنّ طرح إسقاط الجولاني بمثل هذه الجرأة، وفي الشوارع الواقعة تحت سيطرته في إدلب ومحيطها، لا يمكن أن يأتي من عوامل محلية بحتة مهما بلغت أهميتها، إذ لا بدّ من أن تكون ثمة أسباب إقليمية ودولية ساعدت في تبلور هذا الهدف، وهنا تبرز تركيا باعتبارها الطرف الأهم الذي تثور تساؤلات عن موقفه مما يجري في إدلب التي تزنّرها القواعد العسكرية التركية من كل أطرافها. والمفارقة أنّ ما وصل إليه المشهد الإدلبي من محطة المطالبة بإسقاط الجولاني نتج مباشرةً من تداعيات ملف العمالة الذي تطوّر منذ آب (أغسطس) الماضي على خلفية الاعتقاد بأنّ ثمة قياديين في “هيئة تحرير الشام”مثل أبي ماريا القحطاني وأبي أحمد زكور يخططون للانقلاب على الجولاني، وبناءً عليه شهدت الهيئة أوسع حملة اعتقالات في صفوف قادة جناحها العسكري لقطع الطريق على هذا السيناريو، لكنّ ما حدث بعد ذلك يكاد يكون أشبه بانقلاب السحر على الساحر، إذ اضطر الجولاني إلى الإفراج عن القحطاني في خطوة كان يأمل بأن تؤدي إلى تهدئة الشارع ضدّه. لكن بينما انشغل القحطاني باستقبال وفود العشائر القادمة لتهنئته بالخروج من المعتقل، كان الجولاني منهمكاً في وضع خريطة طريق لإنقاذ نفسه من براثن الاحتجاجات الشعبية التي لم تقتنع بالمعادلة التي طرحها في اجتماعه مع القوى الثورية والنشطاء والوجهاء قبل أيام. قامت معادلة الجولاني على فكرة واحدة، وهي أنّه لا بديل منه للقيادة، ولكنه لم يمانع في تقديم طعم للمتظاهرين، تمثل في إبدائه مرونة في مطلب إعادة تشكيل جهاز الأمن العام الذي يُتّهم بممارسة التعذيب أثناء التحقيق في قضية العملاء، غير أنّ هذا القدر من المرونة اختفى بسبب تهديد الجولاني بـ “التدخّل الشديد” في حال اقتراب المتظاهرين مما سمّاه “الخطوط الحمر”، في إشارة إلى استخدام العنف لفض التظاهرات المطالبة برحيله. وردّاً على هذه المعادلة، أصدرت مجموعة من “الجهاديين” القدامى وعلى رأسهم أبو الحارث المصري المنشق عن الهيئة، والعديد من النشطاء والأكاديميين، بياناً تحت عنوان “مبادرة الكرامة”، طالبوا فيها بعزل الجولاني عن الواجهة السياسية والعسكرية لإدلب، ورفع القبضة الأمنية المتوغلة في مفاصل الحكومة والمجتمع.كما أصدرت مجموعة أخرى من النشطاء ما سمّته “مبادرة إنقاذ الثورة”، كان من أبرز الموقّعين عليها أنس عيروط، وهو من أوائل المنادين بإسقاط النظام السوري في مدينة بانياس. وطالبت هذه المبادرة بمطالب إصلاحية متعلقة بتشكيل مجلس قيادة جديد، الأمر الذي اعتبره البعض بمثابة التفاف على مطلب إسقاط الجولاني. تعدّد المبادرات قد يشير في بعض ما يشير إليه إلى انقسام الشارع الإدلبي على خلفية الانقسام الذي حصل ضمن “هيئة تحرير الشام” بسبب تداعيات ملف العملاء، ولعلّه يكون من ضمن الإجراءات التي يتخذها الجولاني بهدف حماية نفسه من باب التهديد، بأنّ المطالبة برحيله ستؤدي إلى حرب أهلية مصغّرة تشهدها مدينة إدلب، في حال الإصرار على ذلك، مع ما سيتبع ذلك من تداعيات كبيرة قد تؤدي إلى تغيّر في خريطة السيطرة، لا سيما في ظل حملة القصف التي يقوم بها الجيش السوري على أهداف في إدلب منذ استهداف الكلية الحربية في 5 تشرين الاول (أكتوبر) الماضي. ويبدو الصمت التركي إزاء ما يحدث في إدلب بمثابة لغز يحتاج إلى حلّ، لأنّ هذه المنطقة تُعتبر آخر منطقة لخفض التصعيد تلعب فيها تركيا دور الضامن، وهي وإن كانت عملياً لا تسيطر عليها مباشرة، لكنها تتحمّل أمام أطراف أستانا، روسيا وإيران، المسؤولية عمّا يجري فيها.لتركيا أسبابها وما يثير الاستغراب، أنّ تركيا التي استهدفت مع الولايات المتحدة القيادي أبي أحمد زكور بقرار عقوبات بسبب دوره في تمويل “هيئة تحرير الشام”، سارعت إلى إنقاذه، وفق رواية متداولة، عندما حاولت قوة من جهاز الأمن العام اعتقاله في مدينة إعزاز. ويشير البعض إلى أنّ الإنقاذ التركي لزكور بدا بمثابة رسالة موجّهة إلى الجولاني بأنّ أنقرة في صدد رفع الغطاء عنه إقليمياً ودولياً، ويعتقد هؤلاء أنّ هذه الرسالة دفعت الجولاني إلى القيام بالانعطاف في طريقة إدارة ملف العملاء وصولاً إلى الإفراج عن المتهمين وعلى رأسهم القحطاني. غير أنّ ثمة العديد من الأسباب التي تدفع إلى الاعتقاد بأنّ تركيا لا تتدخّل مباشرة في أحداث إدلب، وإنما تحاول استغلالها والاستثمار فيها لتحقيق مكاسب قد يكون أهمها زيادة نفوذها في هذه المحافظة الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية سواءً بقي الجولاني أم جاء بديل منه. ويبدو أنّ الجناح العسكري في “هيئة تحرير الشام” كما كان “ضحية” التحقيق في ملف العملاء سيكون بيضة القبان في تحديد الاتجاه الذي ستذهب إليه التطورات القادمة، لأنّ جميع الأطراف بمن فيهم تركيا والتيارات ضمن الهيئة، تعتبر هذا الجناح هو “جوهرة” الهيئة وقوتها الضاربة، وبالتالي فإنّ من يسيطر عليه هو من سيتمكن من حكم إدلب، لذلك من المتوقع أن تتزايد الاستقطابات والتجاذبات حول هذا الجناح بهدف استمالته إلى هذا الطرف أو ذاك، مع قناعة الجميع بأنّ أيّ هدف بما فيه هدف إسقاط الجولاني، لا يستحق أن يكون ثمنه التضحية بالجناح العسكري وتعريضه للانقسام والشرذمة.