أثار مسلسل “الحشاشين” الذي بدأ بثه في أول شهر رمضان فضولاً لدى معظم متابعيه المصريين لمعرفة حقيقة هذه الفرقة الدينية المثيرة للجدل، ما دفع الكثير منهم للبحث عبر الإنترنت بهدف جمع معلومات عن تاريخها. ويبدو أن البحث عبر الإنترنت ومصادره المتنوعة، زاد الفرقة التي نشأت في بلاد فارس غموضاً، ولم يعد أحد متيقناً من تاريخها الحقيقي.
وعلى رغم تزايد هذا الغموض، إلا أننا سرعان ما بدأنا نقرأ تعليقات مؤيدة أو معارضة لتناول المسلسل لتاريخ “الحشاشين”. البعض رأى أن المسلسل التلفزيوني قدم الفرقة كما تناولها الكتاب والمؤرخون، والبعض الآخر اعتبر المعالجة بعيدة عن حقيقتهم، وخصوصاً ما يتعلق بزعيم الفرقة ومؤسسها الحسن الصباح.
“النهار العربي” حرص على أن يستمع إلى أحد المتخصصين القائمين على صناعة العمل الدرامي الذي حقق انتشاراً واسعاً في مصر، فتواصلنا مع الكاتب والباحث الأكاديمي الدكتور أحمد لاشين، المسؤول عن مراجعة النصوص الفارسية في المسلسل وتدريب الممثلين على نطق تلك اللغة، وبصفته أستاذاً للفارسية فهو أيضاً على اطلاع واسع بتاريخ “الحشاشين”.
الدكتور أحمد لاشين
مكتبة قلعة آلموت
يقول لاشين لـ”النهار العربي” إن “الحشاشين مسلسل درامي في المقام الأول، يستخدم التاريخ كمادة خصبة للدراما وبناء رؤية فكرية تنعكس على الواقع، ولا يختلف عن أي مسلسل أو فيلم اعتمد على إلهام التاريخ لصنع محتوى فني أو أدبي، كما أن تاريخ فرقة الحشاشين أو تاريخ الحسن الصباح مشكوك في تفاصيله، فأغلب ما كُتب عنهم كان بواسطة أعداء الطائفة أو المذهب الباطني بتياراته المختلفة، خاصة بعد غزو المغول للشرق والقضاء على مكتبة قلعة آلموت، التي وصفت بأنها لا تقل قيمة عن مكتبة بغداد في عز مجد الخلافة العباسية قبل هجوم المغول”.
ويضيف أستاذ اللغة الفارسية: “لم يتبق من تاريخ النزارية أو جماعة الصباح إلا بعض الكتابات المتناثرة في الكتب التاريخية باللغة الفارسية، أو ما حاول بعض المستشرقين بعد الحملات الصليبية متابعته من تاريخ الشرق، مما أدى في النهاية إلى أن يتحول تاريخ الحشاشين إلى مجموعة من الحكايات والأساطير التي تم تداولها في الأوساط الشعبية، والتي انعكست في بعض الكتابات التي أخدت طابعاً تاريخياً ولكنها ليست تاريخية من الأساس”.
ويلفت لاشين إلى أن هذا “حدث مع شخصية عمر الخيام التي تحولت من مجرد عالم فلك له رؤية فلسفية انعكست في أشعاره إلى رمز للعشاق والمحبين، وكذلك لأصحاب الأفكار الفلسفية المختلفة عن السائد، وتم إضافة العديد من الرباعيات المغلوطة حتى وصلت إلى ما يقارب 250 رباعية، في حين أن المؤكد منها لا يتعدى 30 رباعية. وتالياً أصبحت شخصيتا الحسن والخيام مادة خصبة لأي رواية أو عمل درامي، بغض النظر عن تاريخهما غير الموثق”.
الهدف من المسلسل
يتطرق أستاذ اللغة الفارسية إلى نشأة الفرقة الباطنية، ويقول إنها “نشأت في كنف الدولة الفاطمية، التي اعتمدت المذهب الشيعي الإسماعيلي مذهباً رسمياً لها، وكان للدولة الفاطمية حضور جيد في المجتمع المصري آنذاك، خاصة من مدخل حب آل البيت، فضريح الإمام الحسين مثلاً تم بناؤه والترويج السياسي والمذهبي له في عهد الدولة الفاطمية، وتالياً من السهل أن يتعرف المصريون على جماعة الحشاشين بوصفهم امتداداً للدولة الفاطمية، بغض النظر عن أي خلاف مذهبي أو فكري بين المستعلية والنزارية بعد ذلك، وهو خلاف عقائدي وليس شعبياً بالضرورة”.
ويعتبر لاشين أن “الهدف من المسلسل هو تعريف المجتمع المصري بفكرة نشأة الجماعات الدينية المسلحة، وكيفية تكوينها، وآليات الخداع التي قد تعتمدها مثل تلك الجماعات للترويج لنفسها أو استقطاب المريدين، فلا يوجد مثال أقرب في التاريخ من جماعة الحسن الصباح، التي بدأت أول تأسيس لفكرة الجماعات السرية المسلحة، ومصر الدولة والمجتمع عانت الكثير من عمليات الجماعات الإرهابية وغيرها من الجماعات السرية. فالهدف من المسلسل تنويري في المقام الأول، سواء من حيث الانفتاح على ثقافة الشرق في العصور الوسطى، وكذلك تعريف المجتمع بآليات الخداع السياسي والديني التي تمارسها تلك الجماعات المسلحة على مدار التاريخ”.
تاريخ ملتبس
يؤكد أستاذ اللغة الفارسية أن “طائفة الحشاشين هي طائفة ذات تاريخ متعارض ومتناقض، فشخصية الحسن الصباح في حد ذاتها ليس لها ملامح تاريخية موثقة بشكل كامل، وحتى عندما تمت إعادة كتابة سيرته الشخصية درامياً، لم يحدث تعارض حقيقي بين المسلسل وبين تاريخ الحسن أو الطائفة النزارية”.
والنقطة الأهم، في رأي لاشين هي أن “علاقة الحسن ونظام الملك والخيام تم تناولها في العديد من الروايات سواء بالعربية أو الأجنبية، بالرغم تجاوز بعضها للتاريخ، لكنها حققت رواجاً شديداً في الأوساط العربية أو المصرية، وبالرغم من كل ما سبق فإني أرى كمتخصص في التاريخ والحضارة الإيرانية، أن المسلسل راعى الإطار العام لتاريخ المرحلة، وحاول بشكل متزن ألا تطغى الدراما على التاريخ، مع الاتفاق المبدئي أننا أمام عمل درامي من الأساس، وليس مسلسلاً وثائقياً”.
ويعود أستاذ الفارسية لشخصية عمر الخيام، ويقول إن “المسلسل استخدم العديد من رباعيات عمر الخيام، بشكل متقن للغاية، وقد راعيت أثناء مراجعة الرباعيات، أن تكون موثقة ومنسوبة إلى عمر الخيام بشكل كامل، بالإضافة إلى أن تعبّر عن مضمون الفكرة في كل مشهد ورد فيه رباعية للخيام، ومن ثم راعيت دقة الترجمة والعودة إلى الأصول الفارسية ومحاولة صياغتها بطريقة مختلفة وواضحة في إطار المسلسل… وكذلك الأمر في اللغة الفارسية المستخدمة في المسلسل، وضبط أسماء الأماكن والأشخاص الواردة فيه بحيث تنطق وتُكتب بشكل سليم”.