من تحرّكات الصدر إلى خلافات “الإطار التّنسيقي”… ماذا يجري في “البيت الشّيعي” العراقي؟

1

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مغادراً منزل المرجع السيستاني في النجف الأثنين الماضي.


يثير صالح محمد العراقي، عبر حسابات “وزير القائد” المعبّرة عن مواقف زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر، بين فترة وأخرى، “الجماهير الصدرية” عبر منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تحركات يجريها الصدر كان آخرها زيارته للمرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني في منزله في النجف، وهي الخطوة التي عدّها مراقبون “مؤشراً مهماً” إلى تغييرات مرتقبة في العمل السياسي للصدر.
وفي ما وراء ذلك، تكمن رسائل سياسية عدة وأخرى جماهيرية، وثمة من يرى أن الصدر يستعد للعودة إلى المشهد السياسي مجدداً من طريق الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعدما كان انسحب من الساحة منتصف تموز (يوليو) 2022. خلافات “الإطار التنسيقي”وفي المقابل، تشير معلومات خاصة لـ”النهار العربي” إلى وجود خلافات بين قادة “الإطار التنسيقي” المؤلف من القوى الشيعية الرئيسية باستثناء التيار الصدري، حيال قانون الانتخابات، قد تهدد تماسك “الإطار”، مع تسريب أنباء عن تحركات لبعض قادته نحو الصدر لإقناعه بالانخراط معهم في الانتخابات المقبلة. ووفق المعلومات فإن رئيس “ائتلاف النصر” حيدر العبادي ورئيس “تيار الحكمة” عمار الحكيم يرغبان بلملمة البيت الشيعي السياسي، إلا أن زعماء آخرين في “الإطار” لا يؤيدون فكرة أن يكون التيار الصدري جزءاً من تحالف سياسي شيعي شامل.
ويقول الباحث السياسي غسان العطية لـ”النهار العربي” إن “زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يتميز بشعبية في أوساط فقراء الشيعة وانسحاب نوابه من البرلمان لم يضعف شعبيته”، لافتاً إلى أن “زيارته قبل أيام للسيد السيستاني تعد مؤشراً مهماً لأن المرجع الديني يرفض منذ فترة طويلة مقابلة أي مسؤول سياسي”. “العقبة الإيرانية” واستعدادات العودةويضيف أن “العقبة أمام الصدر تتمثل بالموقف الإيراني الداعم لتحالف الإطار الشيعي، وثمة أخبار عن محاولات إيرانية لإقناع الصدر بالتعاون مع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، لكنه سيبقى بانتظار الوقت المناسب للعودة وخاصة أن هناك احتمالاً لإجراء انتخابات مبكرة نهاية العام الجاري حسب الدستور العراقي”، مشيراً إلى أن “تصريح المالكي بأن على رئيس الوزراء الاستقالة قبل أن يدخل الانتخابات مؤشر أيضاً على وجود انقسامات في الإطار التنسيقي الشيعي”.
ويلفت الصحافي العراقي سامان نوح إلى أن “هناك مؤشرات لعودة التيار الصدري للساحة السياسية بعد نحو عامين من الغياب. هذا ما تقوله الرسائل التي يطلقها مسؤولون في التيار، وما تشي به مخاطبات زعيم التيار الصدري لأنصاره عبر حساب وزير القائد”، قائلاً في حديث لـ”النهار العربي” إن “احتمالية عودة الصدريين للساحة السياسية تكبر استعداداً لانتخابات العام 2025 خاصة مع تصارع قوى الإطار التنسيقي، وتزايد خلافاتها المرتبطة بالاستحواذ على المناصب والحصول على الامتيازات، ومع خلافات رئيس ائتلاف دولة القانون مع كل من زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فكل طرف يحاول تحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر”. 

 وينفي قادة “الإطار” المعنيون وجود انقسامات كبيرة في أوساطهم، متحدثين عن “خلافات صحية في وجهات النظر”، درءاً لأي تكهنات عن احتمال تفكك “الإطار” قبل الانتخابات المقبلة، في ظل الخلافات المتعلقة بقانون الانتخابات أو تلك المرتبطة بموقع زعيم التيار الصدري في المرحلة المقبلة.
ويرى نوح أن “ما يوجهه التيار الصدري من رسائل تستهدف أيضاً تنشيط جمهوره وتهيئتهم للمرحلة المقبلة، مع تذكير القوى المنافسة على الساحة الشيعية بأنه حاضر وبإمكانه العودة في أي لحظة اعتماداً على جمهوره الثابت ليخلط الأوراق، بل وحتى يقلب الطاولة عليهم، في ظل امكانية أن يجد من يتحالف معه في الشارعين الكردي والسني الذي تبدي قواه الأكبر – بمن فيها رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي والزعيم الكردي مسعود بارزاني – نفوراً من قوى الإطار عقب عدم التزامها بوعودها الواردة في ورقة تشكيل الحكومة، بل وانقلابها على مبدأ الشراكة”. 

ويتابع أن “ما يمكن أن يساعد التيار دعائياً هو ثباته على مبادئه ورؤيته، وتخليه عن رأس السلطة حين كانت متاحة له رافضاً التحالف مع القوى التي كان يصفها بالفاسدة”. تهيئة القواعد الصدريةووفق المحلل السياسي محمد نعناع فإن “تحركات الصدر تمثل عملية تهيئة لقواعد التيار الصدري الشعبية ونخبه للاندماج بالمجتمع وتوسيع قاعدة القبول الجماهيري لمشروعه السياسي المقبل.
ويقول في حديث لـ”النهار العربي”: “تهدف هذه التهيئة أيضاً إلى استقطاب كل القوى المؤثرة في المجتمع لتأسيس جبهة وطنية موحدة، من أجل تقديم بديل موضوعي عن الطبقة السياسية الحاكمة التي بدأ مشروعها لإدارة الدولة يتفتت وقد يتعرض إلى انتكاسة سياسية واجتماعية كما حصل في تشرين 2019”. وكان الصدر يطمح لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تضم تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر والحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، لكنه لم يتمكن بسبب إصرار الكتل الشيعية الأخرى في تكتل “الإطار التنسيقي” على تشكيل تحالف الثلث المعطل في البرلمان لمنع إتمام تسمية رئيس جديد للبلاد وتشكيل الحكومة الجديدة. ويرى الإعلامي السياسي صالح الحمداني أن “مقتدى الصدر يعد قواعده لحدث ما وهو لا يريدهم أن يتكاسلوا، لذا فهو يمنحهم جرعات نشاط من خلال جمع تبرعات هنا ورص صفوف هناك، إذ يذكرنا بضباط الجيش في أيام السلم حين يشغلون جنودهم بحفر أماكن ثم ردمها حتى لا يصيبهم الخمول”. 

تحالفات غير مستبعدةويلفت الحمداني إلى تسريبات مفادها أن “قادة التيار الصدري جاهزون لبدء حملتهم الانتخابية بمجرد إقرار موعد الانتخابات – وأياً يكن قانون الانتخابات – ويبدو أن تجربتهم السابقة حفزتهم على التحالف قبل الانتخابات، لذلك نسمع في الكواليس عن احتمال تحالفهم مع نوري المالكي والسوداني ومحافظ البصرة أسعد العيداني ومحافظ كربلاء نصيف الخطابي ومحافظ واسط محمد المياحي وحتى مع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي”.
ويرى أن “زيارة الصدر الأخيرة للسيد علي السيستاني – الذي يمتنع منذ سنوات استقبال السياسيين – وبناءً على طلب الأخير، تعطي مؤشراً على بدء صفحة جديدة من حكم الأحزاب الشيعية لهذا البلد المرهق من فساد طبقته السياسية”. والأسبوع الماضي، قال الصدر “السلام على القواعد الشعبية (…) التي صبرت وأثبتت إخلاصها بعد انسحابنا من مجلس النواب لكي لا تكون ظهراً للفاسدين”.

التعليقات معطلة.