يشدد أكثر من مكوّن لبنانيّ على أهمية تطبيق الدستور عبر التمسّك بمندرجاته ومحاولة إعداد أوراق سياسية، من أهدافها ضرورة تنفيذ النصوص الدستورية. واقترحت وثيقة بين بكركي وقياديين في أحزاب لبنانية مسيحيّة، هم في غالبيتهم من قوى المعارضة. ويأتي انعقاد اجتماعات تشاورية حول “وثيقة بكركي” في مرحلة خطيرة مع مخاوف على الطابع الحضاريّ اللبنانيّ والتحوّل نحو دولة لا تتناسب مع مفاهيم الوطن التاريخيّة.
بحسب معطيات “النهار العربي”، تتضمن “وثيقة بكركي” تفاصيل أساسية، منها التحذير من اضمحلال الدستور وعدم تطبيق القانون، ما يشكّل سبباً أساسياً للمرحلة الخطيرة التي لم يسبق أن شهدها لبنان في تاريخه الحديث، وسط علامات استفهام طرحتها الوثيقة حول المبتغيات التي يريدها البعض عبر محاولة نسف الدستور. واستنكرت الوثيقة انتهاك سيادة الدولة بالسلاح غير الشرعي اللبناني وغير اللبناني بأجندات غير لبنانيّة، شاجبةً السياسة الخارجيّة للدولة، ما عطَّل علاقات لبنان بأشقّائه في العالم العربي وأصدقائه في المجتمع الدّولي. وشملت المعضلات التي عدّدتها الوثيقة تأخير إنجاز الإصلاحات الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والإداريّة.
وضعت الوثيقة أيضاً مساراً هادفاً للمعالجات لا يغفل أهمية الدستور في العمل على انتخاب رئيس جديد للجمهورية يطبّق الدستور ويحقّق السيادة ويطلق مسار الإصلاحات من دون تأخير، باعتبار أن الدولة لا يمكن أن تبنى من دون رئيس مؤتمن على الشرعيّة والدّستور. وأكدت أهمية التمسك بالشرعية الوطنية الواردة في الدستور كما في ثبات لبنان في هويّته، هو العضو المؤسّس في جامعة الدّول العربيّة والأمم المتحدة وملتزم قراراتهما ومواثيقهما ومعاهداتهما بما يخدم أمنه القومي وأمان شعبه. وحثّت على تحييد لبنان وصولاً إلى حياده الإيجابي ضمن مسار دستوري قانوني استناداً إلى الشراكة الميثاقيّة بين مكوّناته.
وبعدما كان اتفاق الطائف قد نصّ على ضرورة بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية، والإعلان عن حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية، فإنّ “وثيقة بكركي” ركّزت في إطار اقتراحها حلولاً للمشكلات اللبنانية على أهمية وضع السيادة الوطنية في حمى الجيش اللبناني والقوى العسكريّة والأمنيّة الشرعيّة حصراً، مع تبنّي استراتيجيّة دفاعيّة واضحة بحسب الدستور والقوانين المرعية الإجراء. وشملت تفاصيل توصيات الوثيقة السعي لاستعادة دور لبنان الرائد في العالم العربي.
كيف يمكن تفسير كثرة النداءات التي تحثّ على ضرورة تطبيق الدستور وسط هذه المرحلة التي يشهد فيها لبنان تحديات كثيرة، بدءاً من المراوحة في استحقاق رئاسة الجمهورية والشغور المؤسساتيّ، إضافةً للمناوشات الحربية المحتدمة في الجنوب اللبنانيّ؟
يقول النقابيّ والوزير السابق رشيد درباس لـ”النهار العربي” إنّ “الصراع السياسي على أشدّه بين القوى السياسية اللبنانية حالياً، وكلٌّ يريد تحقيق برنامجه الخاص، لكن ما يحصل للمرة الأولى أنّ التحذيرات من انزلاق خطير للحرب بدأت تتحوّل واقعاً، فيما تعمل إسرائيل على منطقة خالية من السكان لا منطقة خالية من السلاح فقط مع استهدافها “حزب الله” عسكرياً واستهدافها الجنوب اللبناني سكّانياً. ومن جهتها، تحذّر القوى السياسية من الخطر لتأكيد ضرورة الرجوع للدستور وبسط الدولة اللبنانية سلطتها بعيداً عن فرض أمر واقع لقوّة سياسية معينة من خارج السلطة”.
ويوضح درباس أن “الدستور لا ينصّ على ازدواجية السلطة فيما تكمن مشكلة “حزب الله” في أنه، رغم الحرب التي يخوضها، كمية التعاطف اللبنانيّ خفيفة معه من خارج نطاق جمهوره. وتشهد الدولة اللبنانية حالاً من التفكّك الحقيقي بين اعتبار لبنان بمثابة بلد غير مهمّ دولياً والصبر الاستراتيجي الإيراني، مع خشية من أن يذهب لبنان فرق عملة. آن الأوان لأن يعيد “حزب الله” النظر في الوضع الحاليّ، وأن يحتمي بوحدة الدولة عبر الرجوع إلى الدستور الذي يعتبر القانون الأساسي الذي كان قد حصل انتهاكه تكراراً في زمن الوصاية السورية”.
في استنتاج رشيد درباس “من الضروري تطبيق المضامين الدستورية حالياً باعتبار أنّ الدستور مهمّ لدرجة أنّ الدولة تبنى عليه، على أن يبدأ احترام الدستور عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تكنوقراط بهدف تحسين الأوضاع والتزام سلاح واحد عبر استراتيجية دفاعية واستعادة الدولة القرار الحصريّ للسلم والحرب. ولا حلّ سوى في التفاف اللبنانيين على بعضهم بعضاً وسط دولة موحّدة. ولا بدّ من أن يبدأ “حزب الله” السعي للمصالحة الوطنية وأن يلجأ إلى الدولة اللبنانية، لأنّه لا يمكن التوصل إلى حلّ إذا لم يتدارك “حزب الله” الأمور حالياً وأن يتصالح مع الشعب اللبناني، بدءاً من معارضيه الشيعة بعدما زادت الأصوات المناهضة لأدائه داخل بيئته”.
الدّستور أساساً لحلّ المعضلة اللبنانيّة… ودرباس يدعو “حزب الله” إلى إعادة نظر
التعليقات معطلة.